akdak

المقالات

قسم القرآن الكريم

دفع الشبهات المعاصرة عن القران الكريم ....الحلقة الاولى : تدوين النص القراني

324

الشيخ احمد جعفر الفاطمي

بسم الله الرحمن الرحيم

هل نزل القرآن الكريم مكتوباً على النبي (صلى الله عليه واله)؟

يخرج بين الفينة والفينة من يروم الصعود على اكتاف القرآن الكريم لأجل الحصول على الشهرة والاتباع، ولبئس ما يفعلوا، والعجيب ان كل هذه الجيوش المتعاقبة التي تصدت لهذه المهمة تتبع أسلوبا واحداً لم تخرج عنه منذ القدم، وهو أسلوب المغالطة. وقد نص القران على ذلك فقال: ﴿وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ  مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا  بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ٥٨ [الزخرف: 58]

والمغالطة: هي ادعاءٌ غير صحيح قد يكون مبنيا على أسس وأدلة غير سليمة مما يقود إلى نتائج خاطئة، أو قد يستند إلى أدلة صحيحة ولكنه ينطلق منها إلى استنتاجات مغلوطة. مثال: عمار يعيش في عمارة كبيرة؛ إذن عمار يعيش في شقة كبيرة!. وأنواع المغالطات كثيرة ومنها: عدم الترابط. التحريف. إلتماس المشاعر. الشخْصَنة. خلط الارتباط بالأسباب. سد الذرائع. حجة من جهل. اِلتماس الأعذار. التقسيم الخاطئ. الاحتكام إلى السُلطة. مغالطة المغالطة. والكثير غيرها.

وهذا ما نجده في كلمات بعض من تكلم عن تدوين القران الكريم فجاء بمجموعة أسئلة تفوح منها رائحة المغالطة؛ لكي يوهم السامع انها أسئلة صحيحة اولاً، وانها لا يمكن اجابتها ثانيا، ليصل الى نتيجة مفادها: ان القران الكريم الذي بين أيدينا هو نتاجٌ بشري وليس هو القرآن الذي نزل على النبي(صلى الله عليه واله)، ومنها:

  1. هل نزل القرآن مكتوباً؟ وحيث ان الإجابة: لا، اذن فالقران كتبه البشر ولم ينزل مكتوباً.
  2. هل جاء القران منقطاً ومشكلاً بالحركات؟ وحيث ان الإجابة: لا، اذن القران الموجود بين أيدينا فيه إضافات لم ينزلها الله عزوجل.
  3. هل جاء القران على هذا الترتيب الموجود اليوم (من الفاتحة الى الناس)؟ وحيث ان الإجابة: لا، اذن فهذا القران الذي بين أيدينا ليس كما نزل وبذلك يثبت انه بشري وليس الهي وينتج عن كل ذلك سقوطه عن الحجة والاعجاز وهذا ينسف اصل فكرة النبوة المحمدية.

هذه هي الأسئلة التي أثيرت اليوم وهي نفسها تعاد وتزاد في كل زمان، ويحاول من يطرحها الوصول الى النتائج التي عرضناها مع كل سؤال وصولا الى النتيجة النهائية من نسف النبوة المحمدية ـ كما يظن أولئك ـ .

والاجوبة عنها كثيرة يجدها من يطالع كتب التفسير، وهناك كتب خاصة اُلّفت في ذكرها بالتفصيل والرد عليها، ومثل كتاب (تدوين القران) للشيخ الكوراني، و(شبهات حول القران) للشيخ محمد هادي معرفة، وكل الكتب التي حملت عنوان: (علوم القران) سواء من مؤلفي الامامية او غيرهم.

ونحن نذكر أجوبة مختصرة تتناسب مع المقالة ومن رام التفصيل فيمكنه مراجعة المصادر التي اشرنا لها آنفاً، فنقول:

  1. من الواضح جدا ان كل هذه الأسئلة هي من أنواع المغالطة؛ فهي تقع تحت أربعة من أنواع المغالطة التي تقدمت وهي: عدم الترابط. التحريف. إلتماس المشاعر. خلط الارتباط بالأسباب.
  2. انها مما تعترف به كل الامة الإسلامية ولم يخالف احد في ذلك، فالقرآن الكريم صريح وكل الروايات والتفاسير وكتب علوم القران تقول ان القرآن الكريم نزل متلواً من جبرئيل على قلب النبي(صلى الله عليه واله) ولم يقل احدٌ بأنه نزل مكتوباً، فكيف يأتي المستشكل بهذه المسَلّمة ليعتبرها سؤالا لا يمكن اجابته، ومن ثم يحكم بواسطة نتيجتها المسلمة بأن القران كُتب من قبل كتبة الوحي وبالإشراف النبوي فهل هذا الامر يجعل القرآن بشرياً؟؟
  3. ثم يأتي الى مسلّمة ثانية من المسلمات ذكرتها كتب التاريخ والنحو وعلوم القران، مثل نزهة الالباء لابن الانباري البرهان للزركشي والاتقان للسيوطي، وهي (ان كتابة النص القرآني كانت بخط غير منقط، ولا محلى بالشكل) وان التشكيل (بنقط الاعراب) جاء به ابي الأسود قبل عام 69 هجرية ثم جاء دور تلميذه نصر بن عاصم قبل عام 89 هجرية ليأتي بـ(نقط الاعراب) ثم تدرج تطور هذه النقطين الى زمن الخليل الفراهيدي قبل عام 175 هجرية.

فهل يأتي علينا الاشكال مما ننص عليه ونعترف به؟ ان هذا لشيئ عُجاب!!

وهل هذا الا تطور للخط ورسم المصحف، ومن الواضح ان رسم المصحف شيئ والقرآن المحفوظ المنقول لنا بالتواتر شيئ اخر، لا يؤثر في المحفوظ أي خلل يمكن ان يسجل على المكتوب، وهو مما اسهب في اثباته الشيخ هادي معرفة في كتابه (التمهيد).

  1. ثم يأتي الى مسألة لا تأثير لها على القرآن الكريم بأي وجه من الوجوه ليجعلها سببا في الطعن فيه، وهي: (ترتيب السور داخل المصحف)، فقد أجمعت كلمات الامامية ـ عدى السيد المرتضى ـ وجمهور من كلمات العامة على ان ترتيب السور القرآنية ـ من الفاتحة الى الناس ـ اجتهاديٌ لا تعبدي، ونصّوا على ان ذلك لا يؤثر على القران الكريم؛ لعدم اختلال المعنى وعدم انقطاع السياق عند ترتيب سور القرآن على أي ترتيب كان مادام الترتيب داخل السورة الواحدة محفوظاً. فكيف يجعل المستشكل ما نعترف به اشكالا علينا ويرتب عليه نتائجه الباطلة؟
  2. أخيرا نقول: ان السيد الخوئي في البيان يقول: ان القراءات القرانية لو لم يكن لها وجود أصلا ولم تخترع لما أثر ذلك في الوجود القراني.

وهنا نقول على غرار كلمة السيد: لو لم يكن القران المكتوب موجودا ولم يكتبه النبي(صلى الله عليه واله) ولا المسلمون من بعده لما اثر ترك الكتابة في الوجود القراني، وذلك لوجود مجموعة كبيرة جدا من الحُفاظ في كل جيل منذ عصر النبة الى اليوم يحفظون القران الكريم في صدورهم كله وينقلونه الى الأجيال المتلاحقة بسند متصل الى النبي(صلى الله عليه واله) وهذا هو العامل الأساس الذي حفظ لنا القران عن التحريف والنقص والزيادة لذا لا يؤثر وجود أي اشكال يمكن ان يثار على القران المكتوب مادام القران المحفوظ موجودا في كل جيل منقولا بالتواتر بل باعلى درجات التواتر القطعية.

نسأل الله العصمة والتوفيق وان لا نكون ممن يقول فيهم الله عزوجل: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ٨ [الصف: 8].

 

احمد جعفر الفاطمي

النجف الاشرف

 13 ربيع2 1441هـ

11 /12 /2019م