المقالات
القسم الولائي
النظرة إلى عاشوراء في الفقه الشيعي
شفقنا العراق-كتب الخبير والباحث في تاريخ التشيع، الدكتور رسول جعفريان مقالة حملت عنوان النظرة إلى عاشوراء في الفقه الشيعي تطرق إلى ثورة الامام الحسين عليه السلام من منظار الكلام ويرى بان أول مرة تم التطرق إلى ثورة الإمام الحسين عليه السلام باعتبارها قضية كلامية بحتة واتخذت جانبا فقهيا، تمثلت في قضية علم الإمام + آية التهلكة + العصمة.
فيما يلي الجزء الثاني من هذا المقال.
سنتناول بإيجاز هذه النظرة الفقهية إلى ثورة عاشوراء بواسطة عدة مراحل، وذلك على أساس خطابات وكلام العلماء والفقهاء القدماء.
النظرة الفقهية لعاشوراء على مر تاريخ الفقه
1- الطرح الكلامي لثورة الحسين عليه السلام
ان أول مرة تم التطرق إلى ثورة الإمام الحسين عليه السلام باعتبارها قضية كلامية بحتة واتخذت جانبا فقهيا، تمثلت في قضية علم الإمام + آية التهلكة + العصمة. وقد كان أساس هذا البحث في علم الكلام مرتبط بتلك الآية، إذ لو كان الإمام يعرف بأنه سيستشهد فكيف يتلاءم علمه ومعرفته المسبقة مع آية عدم الجواز بإلقاء النفس بالتهلكة، ولو قام بهذا العمل، فماذا عن عصمة الإمام؟
بعبارة أخرى ان السؤال الذي يطرح هنا هو هل ما قام به الإمام الحسين عليه السلام في محاربة العدو والتوجه إلى المقتل، يتناسب مع فحوى الآية التي نهت عن هذا الأمر، وهل هذه القضية تشكك في العصمة؟
هنا طرحت ثلاثة أجوبة:
أ- رد السيد مرتضى الذي يفيد بان القضية كانت تتجه نحو تحقيق الانتصار، غير انه ونتيجة الأحداث التي ظهرت حدث خلافها. ويشير في تنزيه الأنبياء والأئمة (ص 175) بشكل جيد إلى هذا الإشكال ثم يجيب:
“الجواب قلنا قد علمنا أن الإمام متی غلب فی ظنه أنه یصل إلی حقه والقیام بما فوض إلیه بضرب من الفعل وجب علیه ذلک وإن کان فیه ضرب من المشقة یتحمل مثلها تحملها وسیدنا أبو عبد الله ع لم یسر طالبا للکوفة إلا بعد توثق من القوم وعهود وعقود وبعد أن کاتبوه…. هنا يشرح ما حدث، إذ اتخذ الإمام الحيطة والحذر، ثم ينقل حادثة أدت إلى زيادة صعوبة الأمر لا إراديا، ووفرت الأرضية لاستشهاد الإمام الحسين عليه السلام ويقول: «وإنما أردنا بذکر هذه الجملة أن أسباب الظفر بالأعداء کانت لائحة متوجهة وأن الاتفاق عکس الأمر وقلبه حتی تم فیه ما تم». هكذا: (فکیف یقال إنه علیه السلام ألقی بیده إلی التهلکه)”. [تنزیه: 176 ـ 177].
ان المشكلة التي تبرز هنا هي هل كان الإمام يعلم بأنه سيستشهد أم لا؟
من أجابوا على هذا السؤال ذهبوا إلى ان الإمام كان يعرف بأنه سيستشهد لكنه لا يعرف هل يستشهد في هذه الرحلة أم لا.
ب- الرأي الآخر هو ان الإمام كان يعرف بأنه سيستشهد (وفقا لقول جل الإمامية) لكنه اختار العزة عندما خيّر بين العزلة والذلة.
ومن الملفت بأن بعض أهل السنة وردا منهم على الشيعة تذرعوا بهذه القضية فطعنوا عصمة الإمام الحسين عليه السلام بالقول بأنه خلافا لآية التهلكة وبينما كان يعرف (بالظن القوي حسب قول سيف الدين الآمدي (توفى 623))، ثار الامام ضد يزيد وهذا ما يشكك في عصمته، حسب رأي هذا المتكلم الأشعري (أبكار الأفكار في أصول الدين، القاهرة، دار الكتب، 1423، 5/203).
وهذا يبين بان لهذه القضية تاريخ طويل في صراعات الفرق حول قضية العصمة.
لنضيف هنا بأن الشيخ الطوسي (الخلاف: 1/636) استند إلى صلاة الخوف للإمام الحسين عليه السلام في ظهر عاشوراء.
2- الطرح الفقهي لثورة الحسين في قضية الحكم الفقهي للصلح مع العدو
ان الطبرسي (توفى عام 548) في الجيل اللاحق، تطرق إلى آية التهلكة في إطار قضية فقهية، ان سؤاله هو سؤال طرح سابقا، ومفاده هل ما قام به الإمام الحسين عليه السلام في الدخول في حرب غير متساوية استشهد فيها، تعد مدلولا للآية أم لا وما الجواب لهذه القضية؟
يتحدث الطبرسي عند تطرقه إلى الأمر عن مفهوم الصلح مع الكفار والبغاة ويمكن القول بأنه كان أول من ادخل قضية ثورة الإمام إلى الفقه، وهكذا كان البادئ بهذا البحث في هذا المجال. في الحقيقة خرج البحث عن الدائرة الكلامية أي بحث علم الإمام ودخل في البحث الفقهي وهو بحث المهادنة والصلح مع الكفار والبغاة.
تدل آية التهلكة على تحريم إقدام المرء على القيام بالجهاد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا ما كان الدخول يعني إلقاء النفس إلى التهلكة.
على هذا يمكن القول بأن هذه الآية توصي بتحريم دخول الحرب وجواز الصلح مع الكفار أو البغاة، وهذا ما قام به الإمام علي بن أبي طالب والحسن بن علي عليهما السلام، لكن الإشكال الذي يطرح هو لماذا لم يقم الإمام الحسين عليه السلام بهذا العمل: إليكم عبارة الطبرسي:
“وفي هذه اﻵية دلالة على تحريم الإقدام على ما يخاف منه علی النفس وعلی جواز ترك الأمر بالمعروف عند الخوف لأن في ذلك إلقاء النفس إلی التهلكة وفيها دلالة علی جواز الصلح مع الكفار والبغاة إذا خاف الإمام علی نفسه أو علی المسلمين كما فعله رسول الله ص عام الحديبية وفعله أمير المؤمنين (ع) بصفين وفعله الحسن (ع) مع معاوية من المصالحة لما تشتت أمره وخاف على نفسه وشيعته فإن عورضنا بأن الحسين (ع) قاتل وحده، فالجواب أن فعله يحتمل وجهين:
يبدو إن الطبرسي يعد الصلح واجبا وفقا لهذه الآية ولو كان قد عده جائزا لكان بإمكانه القول بان الإمام الحسين عليه السلام عمل بجانب من جانبي الجواز، بمعنى ان أخاه عمل بجواز الصلح وانه لم يقم بالصلح مع انه كان بإمكانه القيام به.
كذلك قدم العلامة الحلي (توفى 726) نفس الشرح أي انه ووفقا لآيات الصلح مثل: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا، وآية وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وآية وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ، بان المهادنة قضية تعد اختيار جائز للمسلم وليست واجبة، ولو أرادوا لقاموا بالصلح وان شاء قاتل حتى يلقي الله شهيدا.
ثم يضيف: كذلك فعل سيدنا الحسين عليه السلام (منتهى المطل: 15/ 122).
كل ما ورد سابقا كان يدور حول حل قضية أساس التهلكة لكنه لم يتم إيضاح هل إن جوهر هذه الثورة هو جهادي أم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
أم انه محاربة أئمة الجور والظلم، وكما تم التأكيد عليه فان التطرق إلى الأمر جاء من منظار آية التهلكة.
3- أدلة الكركي الثلاثة حول عدم دخول الإمام في المهادنة والصلح
إلى جانب ذهابه إلى ان أصل المهادنة والصلح واجب في ظل ظروف خاصة ووفقا لآية التهلكة وآيات الصلح الأخرى، يرد المحقق الكركي (توفى 940) على قضية ثورة الإمام الحسين عليه السلام بهذه العبارات:
وأما فعل الحسين صلوات اللّه عليه:
القضايا الثلاثة هي:
1- لا نعرف هل كانت المصلحة في الصلح ام لا؟ (ان تحديد هذا الأمر بيد الامام إذ كان يعرف الظروف ولا يمكننا الادلاء برأينا حول الأمر)
2- لو تمت المهادنة والصلح، فلم يكن من الواضح ما إذا كان يزيد سوف يلتزم به.
3- كان يجب ان يستشهد حتى يبقى الحق خالدا امام الوجه القذر مثل يزيد
4- لم يبق أي طريق للمهادنة وربما لو قبل المهادنة لقام ابن زياد بعمل اشد من القتل.
هذه هي القضايا الجوهرية في الفهم الفقهي لعاشوراء كما طرحها الكركي لكنه لم يصدر الحكم واكتفى بالرد على العلامة، إذ لا يجب الاستنباط من ثورة الإمام الحسين عليه السلام بان المهادنة ليست واجبة وذلك لأن الإمام خاض الحرب.
ويوضح بأنه قد تكون هناك أسباب أخرى وبما انه يمكن ان تكون هناك أسباب أخرى فان أصل التهلكة هو المقدم، ولو انتهت حرب إلى التهلكة فلابد من الصلح أي الواجب هو الصلح.
للحديث تتمة
بقلم الدكتور رسول جعفريان
اكثر قراءة