المقالات
القسم الولائي
موقف الامام الحسين ومشاورة الاصحاب
كانت ثورة الامام الحسين(عليه السلام) واقعة مهمة اثرت في مسار الاحداث وغيرت في مجريات التاريخ، وصارت ثورته دُولة بين آراء الكتاب ورميّة لنبال المغرضين، حتى قال قائل بانه(عليه السلام) ما كان يحسن سياسة او يدري تدبيرا، ولو انه استمع لناصحيه لكان خيرا له مما صنع.
ونريد ان نسأل ههنا هل في ما أشار به الناصحون على الامام
الحسين(عليه السلام) شيء من الصواب ام لا، ونمتحن استشاراتهم وفق
ميزان المنطق ونهج طبائع الاشياء، فنقول:
ورد
في مصادر التاريخ انه قد اشير عليه(عليه السلام) بثلاثة امور
رئيسة:
الاول:
ان ينزل مكة كما عليه نصحه محمد بن الحنفية(رضي الله
عنه).
الثاني:
ان يبقى في المدينة كما اشار عليه عبد الله بن
عمر.
الثالث:
ان يذهب الى اليمن كما ارتآه عبد الله بن عباس(رضي الله
عنه)
الرأي
الاول:
اما
ما يتعلق بالذهاب الى مكة فانه رأي أشوى رميّة الصواب وأخطأ شاكلة
السداد، فها هو الحُصين بن نمير رمى الكعبة بالمنجنيق على عهد يزيد
– لعنه الله- ولم يرقب فيها حرمة تصان، ولا مقدسات تحترم ولم يدفع
عنها اهلها برِجل ولا بيد، وهي في عهد الاسلام، فكأنها كانت في نفوس
اهل الجاهلية اعز منها في نفوس اهل الاسلام.
فاذا
كان اهل مكة لم يدفعوا عن اغلى مقدساتهم التي لا يرتاب في قدسيتها
احد، واليها في كل يوم يتوجهون في صلواتهم، فكيف يدافع اهلها عن
الامام الحسين(عليه السلام) وفيهم من هو شاك في امامته او لا يرى
صحبته؟
فقدسية
الاشياء بعد ثبات اصلها اذا تنازل اصحابها عن واحد منها وسلموه
لأعدائهم فعندئذ لا يمتنعون عن التنازل عن ثانٍ وثالثٍ وهكذا، وما
داموا قد تنازلوا عن الكعبة المقدسة فما يمنعهم من التنازل عن الدم
المقدس وتسليمه لأعدائهم؟
وهو
دم الحسين(عليه السلام) بل هو دم الرسول الاكرم محمد(صلى الله عليه
وآله).
ومتى
كان حريق الكعبة؟ انه سنة 63للهجرة اي بعد استشهاد الامام
الحسين(عليه السلام) بسنتين.
واثبت
المكيوّن وهنهم وضعفهم مرةً اخرى بعد تطاول السنين ليبرهنوا على ان
هؤلاء القوم ابناء اولئك القوم، فها هو عبد الله بن الزبير قُتل شرّ
قتلة في مكة نفسها بعد ان هتك حرمتها مرةً اخرى، حتى قال فيه عبد
الله بن عمر وقد رآه مصلوباً: (.. لولا ثلاث كنّ فيك لقلت انت أنت:
إلحادك في الحرم، ومسارعتك الى الفتنة، وبخلٌ
بكفك).
ليت
شعري فماذا بقي اذن؟ وهل هذا الا تخصيص الاكثر المستهجن لدى ابناء
العرف في المحاورة؟ وهل هذا الاّ العي في المنطق والفهاهة في
القول؟
الى
هنا توصلنا ان الامام الحسين(عليه السلام) لو سار الى مكة لم يكن
ذلك خياراً موفقاً، وانّ اهل مكة سيغدرون به كما غدروا بعبد الله بن
الزبير حتى قال لهم بعد ان رأى تثاقلهم وكان يجري عليهم نصف صاع
تمر: (اكلتم تمري وعصيتم امري؟)
وثانية
اخرى انه(عليه السلام) لو بقي في مكة فانه ستنتهك حرمتان: حرمة دمه
الزاكي وحرمة الكعبة المقدسة.
ولأجل
ذلك لم يُتم حجّه واقتصر على العمرة، والى ذلك اشار لابن الزبير
قائلاً: (ان أبي حدثني أنّ بمكة كبشاً به تستحل حرمتها فما أحب أن
أكون ذلك الكبش ولأن اقتل خارجاً منها بشبر احب الي من ان أقتل
فيها)
الرأي
الثاني:
اما
ما اشير عليه من البقاء في المدينة- كما اشار به ابن عمر- فهو
كسابقه في الوهن فها هي المدينة المنورة بعد سنة من مقتل الامام
الحسين(عليه السلام) ماذا حلّ بها، والى أي شيء
صارت؟
الم
يدخل مسلم(مسرف) بن عقبة المدينة في خمسة الآف واباح حرم رسول
الله(صلى الله عليه وآله)؟ فقتل منهم مقتلة عظيمة حتى انه لم يبق
كثير احدٍ الا قتله واوقع فيهم وقعة الحرة المشهورة التي افتضت فيها
ثلاثة الاف باكر لدرجة ان الاب كان لا يضمن بكارة ابنته لمن اراد
الزواج بها.
ثم
ان مسرفاً هذا اخذ الناس على ان يبايعوا على انهم عبيد يزيد بن
معاوية فكان الرجل من قريش- وهم كانوا سادة العرب- يؤتى به فيقال
له: بايع على انك عبدُ قنٌ ليزيد فمن بايع على هذا تركه ومن ابى
أمرّه على السيف.
فالمدينة
لم تقاوم امام مسرف بن عقبة ولم تتصد له وانهارت مقاومتها في مدةٍ
يسيرة فكيف يقاتلون جيشاً قوامه ثلاثون الف مقاتل كالذي قاتل الامام
الحسين(عليه السلام) في كربلاء وهم لم يصمدوا امام خمسة
الاف؟
على
ان هاهنا ثالثة اخرى مثل تلك التي تقدمت وهي انه ستنتهك حرمة
المدينة بقتله ايضاً فيتضاعف الجرم.
الرأي
الثالث:
واما
ما اشير عليه من الذهاب الى اليمن فليت شعري ما اغنى اهلوها عنها
يوم اتاها بسر بن أرطأة إذ انفده معاوية الى اليمن لكي يتتبع شيعة
امير المؤمنين بها وكان عليها آنذاك عبيد الله بن العباس فلم يظفر
به وظفر بولديه الطفلين الصغيرين فذبحهما بعد ان اخرجهما من مكانهما
وكادت امهما عائشة ان تخرج نفسها من الحزن والاسى حتى صارت توسوس
وتنشد مراثيها في الموسم قائلة:
ها
من احس بنيي اللذين هما كالدرتين تشظى عنهما
الصدف
والعجيب
في الامر كأن ابن عباس(رضي الله عنه) كأنه غفل عن ضعف اهل اليمن في
مقاتلة اهل الشام.
اما
مسير الامام الحسين(عليه السلام) الى العراق فكان هو الصواب لأن
الامة بمكاتبتها له القت عليه الحجة في مقاتلة يزيد فلا يسع إمام
الرحمة ومصباح الهدى ان يبقى مكتوف الأيدي؛ لذلك لبّى طلبهم وأزمع
الرحيل الى العراق واما ان اهل العراق. اهل غدرٍ ومكرٍ ونفاق، فانّ
النفاق بدأ في المدينة وسورة(المنافقون) نزلت في المدينة لا في
العراق وما غدر اهل العراق بالامام الحسين(عليه السلام) الا كغدر
اهل مكة بالزبير وغدر اهل المدينة بامير المؤمنين حين زحزحوه عن
مقام الخلافة وزلزلوه عن سدّة الحكم، والذين غدروا به ليس شيعة
العراق بل اهل الكوفة وكانت عثمانية الهوى وما ورد في بعض كلمات
الامام الحسين(عليه السلام) (قد خذلنا شيعتنا) فان لفظ الشيعة هنا
-ان صحت نسبتها اليه- بالمعنى اللغوي لا الاصطلاحي لاصالة عدم النقل
والامام الحسين(عليه السلام) اعرف بقاتليه حين ناداهم بشيعة ابي
سفيان.
نشرت في مجلة الولاية العدد 75
اكثر قراءة