akdak

المقالات

قسم الحوزة العلمية

الخضرة.. مسجد الذكريات

460

فائق الشمري

كدوي النحل، بين عالم ومتعلم، يتوسطهم رجل على محياه نظرة النعيم، يسقيهم من رحيق مختوم، على رفرف خضر يتكؤون، يدركون جيدا انهم في لحظات تاريخية وهم يستمعون باهتمام لاستاذ الفقهاء..
مازالت تلك اللحظات عالقة في ذاكرة هذه المدينة التي امتدت جذورها منذ اربعة عشر قرنا خلت.. مسجد الخضراء.. قل مسجد احتل من ذاكرة طلبة العلوم الدينية في النجف الاشرف ما احتله هذا المكان، إذ تردد صدى صوت زعيم الحوزة العلمية بين أروقته وهو يلقي دروس البحث الخارج على العشرات من تلامذته المستمعين اليه باهتمام.
ولم ينس ابناء المدينة صلاة الجماعة التي كان يؤمها هو او تلميذه النجيب من بعده.. وما رافقته بعدها من احداث أدت الى أغلاقه وإهماله قرابة خمسة عشر سنة.
ويبقى لهذا المسجد مكانة كبيرة في نفوس الكثيرين، ويظل ذكرى جميلة لا يمكن ان تمحوها الايام.
يعد مسجد الخضرة من المساجد المهمة والتاريخية في النجف الاشرف ومن المباني الملحقة بسور الصحن الشريف للعتبة العلوية المقدسة، إذ يقع في منطقة التقاء الضلع الشمالي بالشرقي من السور الطابوقي الخارجي، ويطل بابه الرئيسي من الجهة الشرقية للسور، مقابلا للسوق الذي يعرف عند اهالي النجف بسوق(العبايجية). ‏
لم يعرف على وجه التحديد سبب تسمية هذا المسجد بـ (الخضرة)، وقد اختلفت آراء الباحثين في ذلك،فيحتمل محبوبة انه أحدث مع عمارة العتبة المقدسة وعرف باسم (جامع الحضرة) وقد صحف بعد ذلك فقيل(الخضرة)(1).
في حين أورد حرز الدين في معارفه ان سبب تسميته تلك يعود الى ان: (الخضرة صنعها درويش هندي في الساحة المتصلة بالمسجد فيما يقارب عصر الملالي في النجف، واشتهر باسم مسجد الخضرة من ذلك التاريخ)(2).
ويحتمل الدكتور الفرطوسي ان المقصود بـ(الخضرة) هو قطعة من القاشاني الاخضر اللون صنعها ذلك الدرويش خصيصا للمسجد، أو ستارة خضراء نسجها وطرزها ثم علقها في الساحة المتصلة بالمسجد، او ما شاكل ذلك، وبسبب جمالها لفتت النظر وسميَّ المسجد دلالة عليها وعليه، ولا يستبعد الفرطوسي ايضا ان تكون التسمية جاءت من مجاورة المسجد لساحة كان يصنع فيها البلاط القاشاني في العهد العثماني مستشهدا بما ذكره حرز الدين في معارف الرجال انه ادرك مواضع طبخ الفخار والحجر القاشاني فيها(3).
وقد تفرد حسين الشاكري برأي خاص حول التسمية اورده في كتابه (الكشكول المبوّب) نقلها عنه السيد عبد المطلب الخرسان يجد فيها ان المسجد حمل أسم بانيته وهي الخضراء أخت عمران بن شاهين، الا ان الخرسان يشكل على هذا الرأي لعدم وجود الدليل، ويقول: (ولم يذكر مصدر هذه المعلومة، كما لم أجد لها ذكراً في المصادر التي كتبت في تاريخ النجف والروضة الحيدرية، كما أن الخضراء تسمية جديدة للمسجد تعارف عليها الناس في هذا القرن وبعد أن كان أسمه مسجد الخضرة)(4).
من جانبه يجد الدكتور الفرطوسي ان ما ذهب اليه الشاكري جدير بالاهتمام اذا تمكن الوقوف على ترجمة الخضراء أخت عمران بن شاهين، أو على مصدر يؤيد ماذهب إليه، مبررا رأيه هذا الى ان تسمية الخضراء أقرب الى الواقع من الخضرة إذ ان العامة تميل الى قلب الهمزة المدودة في الاسماء الى الى هاء للتسهيل(5).
وان كنت لا اميل الى رأي الشيخ محبوبة بان المسجد احدث مع الحضرة الشريفة وحمل اسمها ثم صحف، لعدم وجود الدليل كما انه لا معنى لهذه التسمية مع وجود مسجد الرأس ومسجد عمران بن شاهين.
كما اني لا أتفق مع الفرطوسي ان المسجد سمي بالخضرة لوجود قطعة من القاشاني الخضراء او وجود ستارة خضراء في ساحته، اذ ان العتبة المقدسة فيها الكثير من هذه الشواهد سواء في ساحاتها او مداخلها، وخزانة وجدران العتبة اليوم شاهد على ذلك..
الا اني أتفق معه حين وصف رأي الشاكري بانه جدير بالاهتمام، لكونه يدعم القول الذاهب الى ان البناء الذي شيده عمران هو رواق وربما اقامت أخته مسجدا بالقرب منه.. والله العالم.
—————-
1-
محبوبة:1/102-103.
2-
معارف الرجال:1/165.
3 –
الفرطوسي:274.
4 -
مساجد: 29
5-
الفرطوسي272.

نشرت في الولاية العدد 85