المقالات
القسم الولائي
الأُصول الأخلاقيّة للثورة في ضوء النّهضة الحسينيّة
مقدّمة
الثورة أو النضال: استعمال القوّة، ويجري هذا عادةً إمّا بغية الإصلاح وإرغام السلطة على القبول بمطالب المناضلين، أو يكون له طابع ثوري مسلّح يهدف إلى إضعاف وتدمير السلطة الحاكمة، التي يعتقد المناضلون أنّها تسلّطت بغير حقّ أو بشكل غير شرعي.
يهدف موضوع (خُلُق الثورة) إلى معرفة التعامل المناسب والإنساني مع كرامة الموالين والمناوئين وأرواحهم وأموالهم على أساس الإنصاف والتقوى، بحيث لا يشكِّل العداء ضغطاً نفسيّاً على المناضلين يؤدِّي بهم إلى ارتكاب جرائم حرب بدلاً من إقامة العدالة، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّـهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا }[1].
أخلاق المواجهة والثورة مهارة أو معرفة تشترك فيها جهود من مجالات معرفيّة متعدّدة، كالأخلاق، والكلام، والفلسفة، وعلم الإنسان، وعلم النّفس، وعلم الاجتماع، والفقه، والحقوق، والتاريخ، والسياسة.
النضال والثورة فرع من الأخلاق المهنيّة أو العمليّة، والتي تنضوي بدورها تحت قسم الأخلاق العامة، هذا لو قسّمنا المباني الفلسفيّة للأخلاق ـ مثلما هي مشهورة ـ إلى ثلاثة أقسام، وهي: أخلاق النتيجة، وأخلاق الوظيفة، وأخلاق الفضيلة. وعلى أساس هذه النماذج الثلاثة يمكن تأسيس خُلُق الثورة والنضال أيضاً.
في الأُنموذج الأوّل ـ ومن خلال الدراسات الميدانيّة ـ فإنّ تجربة كفاح الشعوب هي أفضل الأساليب النضاليّة التي تلفت أنظار علماء الأخلاق، وتستقطب اهتمامهم.
وفي الأُنموذج الثاني فإنّ من واجب الإنسان لكونه إنساناً مواجهة كُلّ مَن يريد أن يتّخذه وسيلة يصل من خلالها إلى مقاصده ومنافعه، وهذه الواجبات هي محل اتّفاق الضمائر الإنسانيّة الحيّة اليقظة على مرّ التاريخ وتعدُّ أساساً لخُلُق الثورة.
وفي الأُنموذج الثالث فإنّ أُسلوب نضال إنسان فاضل، أو عدّة من الفضلاء الحكماء الذين حظوا بالتأييد يُعدّ مثلاً أعلى لأُسس الثورة وخُلُقها.
فإنّ الأساليب التي مُورِست من قِبَل الأنبياء ـ في هذا المجال والأئمّة، كالإمام الحسين عليه السلام ، والذين ناضلوا من أجل الإنسانيّة، مثل نلسون ماندلّا وغاندي ـ يمكن أن تكون منهجاً عامّاً لأخلاق النضال.
ومرادنا من هذه المقالة هو الأُنموذج الثالث؛ لأنّ أُسلوب نضال الإمام الحسين عليه السلام هو أفضل أُنموذج لتدوين خُلُق الثورة والمواجهة في رأي الشيعة. إنّ هذا النوع من الخُلُق ليس رأياً نظرياً في الأخلاق فحسب، ولا يريد أن يضع مبانيَ أُصولية تأتي بأفضل نتيجة خلال فترة قصيرة أو طويلة، أو قواعد يتقبَّلها الجميع، بل هو تجربة عمليّة إنسانيّة أثبتت قيمتها في ساحة المواجهة. ونظراً إلى أنّنا نعيش في مجتمع ديني، فالإمام الحسين عليه السلام ـ كشخصيّة دينيّة ومناضل سياسيّ ـ يؤدّي فيه دور القدوة للجميع، والإمام نفسه، قال: «فلكم فيّ أُسوة»[2].
ونتيجة لحضور الإمام الحسين عليه السلام ـ كإنسان فاضل وحكيم ـ في ساحة المواجهة السياسيّة فإنّ خُلُق الثورة والنضال يُقَنَّن وفقاً لسيرة الإمام عليه السلام في هذا المجال. وأُصوله الخُلُقية في المواجهة هي منهاج عمليّ لكُلّ ناشط سياسي ملتزم بالنضال السياسيّ.
الأُصول الأخلاقيّة للثورة عند الإمام الحسين عليه السلام
أخلاق الثورة عند الإمام الحسين عليه السلام مظهر لمشروعيّة المواجهة وضمانة لسلامتها، من المنظار الإنساني والدينيّ، وتستطيع أن تكون أساساً للنضال الثوري، كما أنّها تنسجم مع المواجهة السلميّة والإصلاحيّة.
نقدِّم فيما يلي أهمّ الأُصول الأخلاقيّة التي يمكن استخراجها من واقع سيرة الإمام الحسين عليه السلام الجهاديّة:
1ـ المواجهة القائمة على المبادئ
أهمّ أساس من أُسس الثورة الحسيّنيّة هو أنّ ثورته عليه السلام قائمة على أُصول وترتكز على أساس وثيق. وتتجلّى أَهميّة ذلك في التزام الإمام الحسين عليه السلام بالأُصول الإنسانيّة والإسلاميّة، سواء نظرنا إليه كإمام، كما هو فعلاً كذلك عند الشيعة، أو كعالِم دين كما هو عند بعض أهل السنّة، أو كإنسان حكيم مناضل كما هو عند أمثال غاندي وگلسرخي.
وأهمُّ المرتكزات في ثورة الإمام عليه السلام : القرآن والسنّة والقيم الإنسانيّة. فكان الإمام عليه السلام يتحرّى الاستناد إلى إحدى هذه الأُصول في جميع مراحل تحركاته.
أ ـ القرآن: يمثِّل القرآن أساس حركة الإمام الحسين عليه السلام ، فكان عليه السلام يعمل على أساس القرآن في مختلف مراحل حركته، فقد شبّه عليه السلام نفسه بموسى عليه السلام إبّان خروجه من المدينة، وتلا أثناء خروجه آية تبيِّن حال موسى عند خروجه من مِصر، وهي قوله تعالى: { فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }[3]. وعندما وصل عليه السلام إلى مكّة شبّه وصوله إليها ببلوغ موسى عليه السلام مَديَن، وتلا قوله تعالى: { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰرَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ }[4]. وأثناء حضوره عليه السلام في مكّة خطب الناس وأشار في خطبته إلى علماء السوء، فقال: «اعتبروا أيّها النّاس بما وعظ الله به أولياءَه من سوء ثنائه على الأحبار، إذ يقول: { وْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ }[5]»[6].
ويوضّح لنا الإمام رؤية القرآن الكريم عن النضال في إطاره العام بأنّه أمر يشخِّصه علماء الدين ويقع على عاتقهم، وأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنقد الاجتماعي مسألة معرفيّة، وعلى كلِّ مَن لا يملك العلم والقدرة فيها أن يصبح عالماً قادراً، والناس جميعاً مسؤولون عمّا يجري في مجتمعاتهم كُلٌّ حسب علمه واستطاعته، ومسؤولية العلماء في هذا المجال أكبر؛ وذلك لعلمهم ونفوذهم في المجتمع.
قال أمير المؤمنين عليه السلام : «والذي فَلَقَ الحبّة وبرأ النسمة، لو لا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألّا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيتُ حبلها على غاربها، ولسقيتُ آخرها بكأس أوّلها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز»[7].
ويَستدلُّ الإمام الحسين عليه السلام بالقرآن الكريم على أنّ اللعنة الإلهية تشمل العلماء الذين لا يعارضون الأعمال السيّئة والحكم الفاسد: { عِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }[8].
ب ـ سنّة النبيّ صلى الله عليه وآله: وهي الأساس الثاني في نضال الإمام الحسين عليه السلام وثورته، لقد خاطب عليه السلام أهل الكوفة قائلاً: «أيّها الناس، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرام الله ناكثاً عهده مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يُدخله مدخله»[9].
جـ ـ القِيَم الإنسانية والضمير الإنساني: وهي الأساس الثالث في أخلاق المواجهة عند الإمام الحسين عليه السلام ، وهذا الأساس أوسع وأشمل من الدين، وله طابع عام ويشمل غير المسلمين والذين ليس لهم دين. إنّ الإنسان ـ لإنسانيته ـ في مدرسة الإمام الحسين عليه السلام عليه أن لا يرضخ للظلم والإذلال.
وكان ردّه عليه السلام على طلب معسكر عمر بن سعد بالاستسلام، أن قال: «فهل هو إلّا الموت فمرحباً به»[10]. وقال كذلك: «والله، لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد»[11]. وعندما أرسل إليه ابن زياد طالباً منه أن ينزل على حكمه، أجاب قائلاً: «لا والله، لا أفعل، الموت دون ذلك وأحلى»[12].
وقال أيضاً: «ألا وإنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، أبى اللهُ ذلك لنا ورسولُه والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، هيهات منّا الذلّة»[13].
وفضّل الموت على الحياة مع الظالمين، قائلاً: «فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برما»[14].
وأنشد عليه السلام [15]:
والعارُ أَوْلى من دخول النّارِ | الموتُ أَوْلى من ركوب العارِ |
وخاطب معسكر عمر بن سعد، قائلاً: «ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم»[16].
2ـ المَشُورَة
الثورة من الأُمور المتعلِّقة بحياة الناس، وقد أمر الله تعالى نبيّه الكريم صلى الله عليه وآله أن يُدير أُمور النَاس من خلال المشورة؛ لأنّها ـ من منظار القرآن والسنَّة ـ استراتيجية وتكتيك.
إنّ مَن يريد أن يواجه سلطة مُستَبِدّة عليه أن لا يكون مُستَبِدّاً، بل عليه أن يستشير دائماً ذوي الرأي والخبرة.
لقد استشار الإمام عليه السلام أخاه محمد بن الحنفيّة عندما صمّم على الهجرة من المدينة، فأشار عليه، قائلاً: «تنحَّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثمَّ ابعث رُسُلَك إلى الناس فادعُهم إلى نفسك، فإن تابعك الناس وبايعوا حمدت الله على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم يُنقص اللهُ بذلك دينَك ولا عقلَك، ولا تذهب به مروءتُك ولا فضلُك، إنّي أخاف أن تدخل مِصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك وأُخرى عليك. فقال له الحسين عليه السلام : فأين أذهب يا أخي؟ قال: انزل مكّة فإن اطمأنّت بك الدار بها فسبيل ذلك، وإن نَبـَتْ بك لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجت من بلد إلى بلد. فقال الحسين عليه السلام : يا أخي، قد نصحت وأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديداً موفقاً»[17].
والتقى الإمام عليه السلام في مسيره إلى المدينة بعبد الله بن مطيع وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس، وهم أصحاب تجربة ونفوذ، واستشارهم عليه السلام فأشار عليه عبد الله بن مطيع بأن لا يذهب إلى الكوفة، وأشار عليه عبد الله بن عمر أن لا ينازع السلطة الحاكمة؛ لأنّه يؤدّي إلى سفك الدماء والاختلاف بين المسلمين.
وبعد استقرار الإمام عليه السلام في مكّة أقبل أهلُها ومَن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق يختلفون إليه، وكان عبد الله بن الزبير فيها وهو لم يبايع يزيد، وكان يرى في الإمام عليه السلام نِدَّاً قويّاً له، وكان ساخطاً ومتضجِّراً من إقبال الناس على الحسين عليه السلام ، فكان يأتي الإمامَ عليه السلام بين كلّ يومين مرّة ويرغّبه في الذهاب إلى الكوفة، قائلاً له: «أما لو أنّ ليّ بها مثل أنصارك ما عدلت عنها»[18].
وأشار عليه ابن عباس، قائلاً: «يا بن عمّ، قد بلغني أنّك تريد العراق وإنّهم أهل غدر، وإنّما يدعونك للحرب فلا تعجل، وإن أبيت إلّا محاربة هذا الجبّار وكرهت المقام بمكّة، فأشخص إلى اليمن، فإنّها في عزلة ولك فيها أنصار وإخوان، فأقم بها وبثّ دُعاتَك، واكتب إلى أهل الكوفة وأنصارك بالعراق فيخرجوا أميرهم. فقال عليه السلام : كتب إليّ مسلم بن عقيل باجتماع أهل المِصر على بيعتي ونصرتي. فقال ابن عباس: هم أصحاب أبيك وأخيك وقَتَلَتُكَ غداً مع أميرهم، فإن عصيتني وأبيت إلّا الخروج فلا تُخرِج نساءَك ووِلدَك معك. فقال الحسين عليه السلام : ما أرى إلّا الخروج بالأهل والوِلْد»[19].
وفي طريق الكوفة سمع الإمام عليه السلام بخبر شهادة مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وقيس بن مسهر، فاجتمع بأصحابه وأهل بيته وأخبرهم بما جرى في الكوفة، ونظر إلى بني عقيل وقال: «ما ترون؟ فقد قُتِل مسلم، فقالوا: والله، لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق. فقال عليه السلام : لا خير في العيش بعد هؤلاء. فقال له بعض أصحابه: إنّك والله، ما أنت مثل مسلم بن عقيل، ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع... وقال له رجل من بني أسد تلقّاه في الطريق: انصرف إلى موضعك ودع المسير إلى الكوفة، فو الله، ما لك بها ناصر»[20].
3ـ الالتزام بالعهود والمواثيق
الالتزام بالعهود والمواثيق والعمل بها من المستلزمات الهامّة في أخلاق الثورة، فقد ظلّ الإمام عليه السلام متمسِّكاً بعهوده ومواثيقه في جميع مراحل المواجهة؛ لأنّ نكث العهود والمواثيق هو الحدّ الفاصل بين الإمام عليه السلام وبني أُميّة، بل إنّ أحد الأسباب التي من أجلها قاتل الإمامُ عليه السلام يزيدَ بن معاوية هو عدم التزام معاوية بالعهود التي ذُكرت في وثيقة الصلح مع الإمام الحسن عليه السلام ، ومنها أن يجعل معاوية الخلافة بعد وفاته شورى بين المسلمين، لذا كان الحسين عليه السلام يرى في بني أُميّة مصداقاً للسلطة الجائرة الناكثة للعهد.
وقد وصف الإمام الحسين عليه السلام في خطابه لأهل الكوفة بني أُميّة بأنّهم مصداق لحكومة الجور، ومخالِفة للعهود: «أيّها الناس، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مَن رأى سلطاناً جائراً، مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيِّر عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أن يُدخله مُدخَلَه»[21].
ولمّا استُشهد الإمام الحسن عليه السلام وبلغ الشيعة ذلك اجتمعوا بالكوفة في دار سليمان بن صرد وفيهم جعدة بن هبيرة، فكتبوا إلى الإمام الحسين عليه السلام يعزّونه بمصابه بالحسن عليه السلام : «بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن عليّ، من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين، سلام عليك، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو.
أمّا بعد، فقد بلغَنَا وفاة الحسن بن عليّ، سلام عليه يوم وُلِد ويوم يموت ويوم يُبعث حيّاً، غفر الله ذنبه وتقبَّل حسناته وألحقه بنبيّه، وضاعف لك الأجر في المصاب به وجبر بك المصيبة من بعده فعند الله نحتسبه، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ما أعظم ما أُصيبت به هذه الأُمة عامّة، وأنت وهذه الشيعة خاصّة بهلاك ابن الوصيّ وابن بنت النبيّ، علم الهدى ونور البلاد المرجوّ لإقامة الدين وإعادة سِيَر الصالحين، فاصبر رحمك الله على ما أصابك إنّ ذلك لمَن عزم الأُمور، فإنّ فيك خلفاً ممَّن كان قبلك، وإنّ الله يؤتي رُشدَه مَن يُهدى بهديك، ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك، المحزونة بحزنك، المسرورة بسرورك، السائرة بسيرتك، المنتظرة لأمرك، شرح الله صدرك، ورفع ذكرك، وأعظم أجرك، وغفر ذنبك، وردّ عليك حقّك»[22]، فكان جواب الإمام عليه السلام على رسالة أهل الكوفة، أن قال: «إنّا قد بايعنا وعاهدنا، ولا سبيل إلى نقض بيعتنا»[23].
وكتب إليه جعدة بن هبيرة بن أبي وهب: «أمّا بعد، فإنّ مَن قِبَلِنا من شيعتك متطلّعة أنفسهم إليك لا يعدلون بك أحداً، فإن كنت تحبّ أن تطلب هذا الأمر فأقدم علينا، فقد وطّنّا أنفسنا على الموت معك»[24]. فكتب إليه الإمام عليه السلام : «وأمّا أنا فليس رأيي اليوم ذلك، فالصقوا رحمكم الله بالأرض، واكمنوا في البيوت، واحترسوا من الظنّة ما دام معاوية حيّاً، فإن يُحدِث الله به حَدَثاً وأنا حيّ كتبت إليكم برأيي. والسلام»[25].
4 ـ الثورة مع مراعاة الظروف الأمنيّة
إنّ الاهتمام بالظروف الأمنيّة للمحافظة على القوى المناضلة من الأُصول المهمّة في الخُلُق الثوري، فأرواح الناس محترمة ويجب الاهتمام بها والمحافظة عليها حتى أثناء المواجهات المسلّحة، فيجب العمل على تقليل الخسائر في الأرواح إلى أقصى حدّ ممكن، الأمر الذي يلفت النظر في سيرة الإمام الحسين عليه السلام في جميع مراحل مواجهته عليه السلام للظلم.
قال الإمام عليه السلام في معرض جوابه عن رسالة شيعته في الكوفة: «أمّا أنا فليس رأيي اليوم ذلك، فالصقوا رحمكم الله بالأرض، واكمنوا في البيوت، واحترسوا من الظنّة ما دام معاوية حيّاً، فإن يُحدِث اللهُ به حَدَثاً وأنا حيّ كتبت إليكم برأيي. والسلام»[26].
إنّ عدم العمل بهذه الوصيّة هو ما أدّى إلى اعتقال كثير من القوى المؤثِّرة، ومن ثَمَّ استشهادهم، كحِجْر بن عَدِي وعمرو بن حمق الخزاعي، وكان بإمكانهما أن يلعبا دوراً مؤثِّراً في نهضة الإمام الحسين عليه السلام فيما لو لم يُستشهدا. وإن كانت شهادة هؤلاء قد ساهمت في الحفاظ على نور الحقِّ في قلوب الناس.
وبعد موت معاوية بعث والي المدينة الوليد بن عتبة إلى الحسين عليه السلام ليأخذ منه البيعة ليزيد، وعلى أساس الأصل المذكور ـ قبل أن يذهب إلى دار الإمارة بالمدينة ـ جمع عليه السلام نفراً من مواليه وغلمانه وأمرهم بحمل السلاح، وقال لهم: «إنّ الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست آمن أن يُكلّفني فيه أمراً لا أُجيبه إليه، وهو غير مأمون فكونوا معي، فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب، فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه»[27].
لقد أدّى فرار عمرو بن حمق الخزاعي وأصحابه إلى جبال الموصل إلى اعتقال الأُمويين لزوجته واتّخذوها رهينة وزجّوا بها في السجن، ومن ثَمَّ قَتل عامل معاوية على الموصل عمرو بن حمق الخزاعي، وأرسل رأسه على رأس رمح إلى دمشق، فأمر معاوية أن يُلقوا برأسه في أحضان زوجته المسجونة[28].
أثبتت التجارب السابقة لحكم بني أُميّة أنّ عوائل المجاهدين لم يكونوا بمأمن من السلطة الحاكمة؛ فلذا خرج الحسين عليه السلام متوجِّهاً إلى مكّة ومعه بنوه وإخوته وبنو أخيه، وجُلّ أهل بيته إلّا محمد بن الحنفيّة[29].
وعلى أساس ذلك لم يرضَ الإمام عليه السلام ـ من ناحية شرعيّة وأخلاقيّة ـ أن يُسفَك دمه ويذهب هدراً، أو يُقتل خِفيَة دون علم أحد؛ لذا سلك الطريق العام أثناء رحيله إلى مكّة ليتمكّن من الاستنصار بالنّاس في حال حدوث مشكلة ما، وليطّلع الجميع على ما حصل له إذا ما ألمّ به حادث فظيع، لا أن يُقتل ويُسفك دمه في الصحاري والقفار بيد السلطة الحاكمة، ثمَّ تقوم بمصادرة دمه الزكيّ لنفعها، وتُقيم له مجالس العزاء وتدّعي أنّها ستنتقم له عليه السلام .
هناك عوامل مختلفة تدفع طبقات المجتمع المختلفة إلى أن تميل لموضوع أو شخصيّة ما، بعض هذه العوامل معقولة وراسخة، وبعضها قائمة على الانفعالات الناتجة من إثارة مشاعر الجماهير وأحاسيسهم، وفي هذه الحالة لا يمكن الاعتماد عليهم؛ لأنّه يمكن إثارة مشاعرهم وأحاسيسهم مرّة أُخرى فينقلبون إلى مناوئين، ومن هذا المنطلق فإنّ الإمام عليه السلام لم يخاطر بحياته الشريفة وحياة أصحابه ومواليه لمجرَّد تلقّيه بعض الرسائل.
وحين جاءت رسائل الكوفيين بعث الإمام عليه السلام مسلم بن عقل عليه السلام إلى الكوفة ليستطلع الأمر، وبعث معه رسالة إلى كبار وأشراف الكوفة جاء فيها: «أمّا بعد، فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتُبِكم، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جُلِّكم: أنّه ليس علينا إمام، فأقْبِل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ. وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأيُ مَلَئِكُم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قَدِمَتْ به رُسُلُكم وقرأت في كتُبِكم أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله»[30].
وفي الثامن من ذي الحجّة ـ أي: في اليوم الذي يُحرِم فيه الحجّاج للحجّ ـ خرج الإمام عليه السلام من مكّة، ويرى كثيرون أنّ خروج الإمام عليه السلام في مثل ذلك اليوم من مكّة لأنّه كان يتوقّع أن يغتاله أعوان السلطة في الحَرَم الإلهي وهو بين الحجّاج، ويختفي القاتل بينهم، فيذهب دم الإمام عليه السلام هدراً، فلذا خرج الإمام الحسين عليه السلام من مكّة حفاظاً على حياته، وصوناً لحرمة الحَرَم الإلهي من الانتهاك.
5 ـ الشفّافيّة
لقد كان الإمام عليه السلام واضحاً في جميع مراحل حياته وسارت نشاطاته النضالية بشفّافية، فلمّا قُتل حِجْر بن عَدِي وأصحابه، ذهب بعض الشيعة في الكوفة إلى الإمام الحسين عليه السلام في المدينة فأخبروه، فكتب مروان بن الحكم إلى معاوية يُعلمه، فكتب معاوية إلى الإمام الحسين عليه السلام : «... فلا يستفزّنّك السفهاءُ الذين يحبّون الفتنة. والسلام». فكتب إليه الإمام الحسين عليه السلام بكلِّ وضوح: «... ما أُريد حربك ولا الخلاف عليك»[31].
وتعامل عليه السلام بشفّافية مع والي معاوية على المدينة الوليد بن عتبة ولم يرضخ لضغوطه. فعندما أراد الوليد أن يأخذ منه البيعة أجابه الحسين عليه السلام ، قائلاً: «مثلي لا يُعطي بيعته سرّاً، ولا أراك تجتزئ بها منّي سرّاً دون أن نُظهرها على رؤوس الناس علانية. قال: أجل. قال: فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمراً واحداً. فقال له الوليد: فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس»[32].
خرج الإمام عليه السلام من المدينة متوجّهاً إلى مكّة ولزم الطريق الأعظم، وعلى مرأى ومسمع من الرأي العام، فقال له أهل بيته: «لو تنكّبت الطريق الأعظم كما صنع ابن الزبير لئلّا يلحقك الطلب»، فقال: «لا والله، لا أُفارقه حتى يقضي الله ما هو قاضِ»[33].
ولمّا أراد الحسين عليه السلام التوجّه من مكّة إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرة، وخرج أمام أنظار الناس.
لم يترك الإمام الحسين عليه السلام محاورة العدو في جميع مراحل نهضته المباركة؛ لأنّ عدم الحوار يؤدِّي إلى إضفاء العنف على طابع المواجهة، فبعد قتل حِجْر بن عَدِي وأصحابه أتى نفرٌ من شيعته في الكوفة إلى المدينة، وكانوا يختلفون إليه، فكتب والي المدينة مروان بن الحكم إلى معاوية بالموضوع، فكتب معاوية رسالة إلى الحسين عليه السلام يقول فيها: «فلا يستفزّنّك السفهاءُ الذين يحبّون الفتنة». فلم يقل الإمام: إنّ معاوية لا يستحق أن أردّ عليه، بل كتب إليه: «ما أُريدُ حربَك ولا الخلاف عليك»[34].
فلو لم يتصرّف الإمام عليه السلام بهذا الشكل لكان من المحتمَل أن تتوتّر أجواء المدينة أمنيّاً، وتحدث فيها اضطرابات واشتباكات لا يريدها الإمام عليه السلام أن تحدث في تلك الظروف. وإن نقل بعضهم أنّ الحسين عليه السلام ردّ على كتاب معاوية ردّاً قاسياً، منه: «لا أعلم فتنة أعظم من ولايتك، ولا أعلم لنفسي ولدِيني ولأُمّة محمد صلى الله عليه وآله فضل من أن أُجاهدك، فإن فعلتُ فإنّه قربة إلى الله، وإن تركته فإنّي استغفر الله لدِيني»[35].
لقد تحدّث معاوية لأكثر من مرّة مع الحسين عليه السلام يطالبه بالبيعة ليزيد، لكنّ الإمام عليه السلام كان يرفض طلبه في كلّ مرّة، وبعد وفاة معاوية أرسل والي المدينة الوليد بن عتبة إلى الحسين عليه السلام أن يأتيه ـ ومع أنّ الحسين عليه السلام كان يتوقّع أن الوليد يريد بيعته ليزيد ـ فإنّه عليه السلام ذهب إليه وحاوره، بخلاف ابن الزبير الذي رفض مقابلة الوليد، وكان الإمام عليه السلام قد حاور مروان كذلك وهو عند الوليد بن عتبة، وكان الإمام عليه السلام دقيقاً في حواره ويتكلّم بلغة دبلوماسيّة، وكان سعيه أن لا يثيرهم بكلامه الصريح لئلّا يقوموا بأعمال عنف، فعندما طلب الوليد من الإمام عليه السلام البيعة قال عليه السلام : «... أمّا ما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يُعطي بيعته سرّاً ولا أراك تجتزئ بها منّي سرّاً دون أن نظهرها على رؤس الناس علانية»[36].
قال الوليد: أجل. فقال الإمام الحسين عليه السلام : «فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتَنا مع الناس فكان أمراً واحداً»، وكان مروان حاضراً وتكلّم بحدِّة مع الإمام الحسين عليه السلام طالباً إثارته، ولكنّ الإمام عليه السلام ردّ على مروان ردّاً مناسباً من غير أن يُزيد الأوضاع سوءاً، وقال مروان للوليد: «والله، لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه»، فوثب الحسين عليه السلام وقال: «أنت تقتلني أو هو؟ كذبت والله وأثمت». ولم يُطِل الحسين عليه السلام الموضوع، وغادر المجلس مع أصحابه إلى بيته[37].
وكذلك تحدَّث الإمام عليه السلام مع الحرّ وعمر بن سعد بِلُغَةٍ لا تثيرهم وتدفعهم إلى التعامل بعنف وقسوة، بل كان يسعى عليه السلام إلى إنهاء المسألة بلا نزاع وقتال، فكان أبو عبد الله عليه السلام يحاورهم بعقلانيّة وبدون أن يتراجع قَيْد أُنملة عن رأيه. قال له الحرّ: «والله، ما ندري ما هذه الكُتُب التي تَذكر»، فقال الإمام عليه السلام : «ايتوني بالخُرجين اللذين فيهما كُتُبُهم»، فقال له الحرّ: «لسنا ممّن كتب إليك شيئاً من هذه الكُتُب، وقد أُمرنا ألّا نفارقك إذا لقيناك أو نقدم بك الكوفة على الأمير عبيد الله بن زياد»، فقال الحسين عليه السلام : «الموت دون ذلك». ثَمَّ أمر بأثقاله فحُمِلت وأمر أصحابه فركبوا، ثَمّّ ولّى وجهه مُنصرفاً نحو الحجاز، فحال القوم بينه وبين ذلك. فلمّا كثر الجدال بينهما، قال الحرّ: «إنّي لم أُومر بقتالك، وإنّما أُمرت ألّا أُفارقك، وقد رأيت رأياً فيه السلامة من حربك، وهو أن تجعل بيني وبينك طريقاً لا تُدخلك الكوفة، ولا تردّك إلى الحجاز تكون نَصَفاً بيني وبينك حتى يأتينا رأي الأمير»[38].
وتصرّف الحسين عليه السلام مع ابن سعد تصرّفاً أثار إعجاب الأخير، فكتب ابن سعد إلى ابن زياد يخبره أنّ المسألة انتهت وحلّ النزاع[39].
6ـ الحزم وعدم اليأس
إنّ الذي يشعر بالخوف ويسيطر عليه اليأس، ولا قدرة له على المخاطرة عليه أن لا يدخل معترك الثورة.
بعد أن فقد الإمام عليه السلام الأمل من علماء جميع البلدان والمدن وساكنيها، وأدرك أن لا استعداد لمكّة ولا المدينة ولا البصرة، ولا علماء وأشراف سائر المدن والأمصار الإسلاميّة للقيام بالواجب والعمل على نصرته، وأنّ أهل الكوفة ـ فقط ـ هم الذين عرضوا عليه نصرتهم ومؤازرتهم، عندها قرّر عليه السلام الذهاب إلى الكوفة.
ومن الطبيعي وحسب العادة فإنّ ذوي المصالح الذين سيطر اليأس والقنوط عليهم كانوا ينصحون الإمام عليه السلام دائماً أن لا يجازف ولا يخاطر، ومن هؤلاء: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مطيع، وأبو بكر بن حارث، إذ طلبوا من الإمام عليه السلام أن لا يذهب إلى الكوفة، وكان الإمام عليه السلام يجيب: «مَهْما يَقْضي اللهُ مِنْ أَمْر يَكُنْ»[40]. وعندما رأى أبو بكر بن الحارث أنّ الحسين عليه السلام لا يتراجع عن قراره، قال: «إنّا لله وعند الله نحتسب أبا عبد الله»[41].
ولا يعني هذا أنّ الإمام عليه السلام لم يحتمل ما كان يحتمله هؤلاء الأشخاص، بل إنّ هؤلاء لم يروا الوجه الآخر للموضوع، وهو وجود نسبة نجاح لا تقل عن ثلاثين بالمائة، مثلما نجح عبد الله بن الزبير والمختار الثقفي في هذا الأمر بعد استشهاد الحسين عليه السلام ، فنتيجة المواجهة إمّا الانتصار أو الهزيمة. لقد خاطب الله تعالى في القرآن الكريم المجاهدين الذين كانوا يعتقدون أنّ نتيجة الجهاد والقتال في سبيله تعالى لا ينبغي أن تكون إلّا النصر بقوله: { ن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }[42].
فليس من الضرورة أن يكون النصر دليلاً على الأحقّيّة، بل إنّ نتيجة القتال هي إمّا النصر أو الهزيمة.
وقد استمرّ الإمام عليه السلام بمسيره حتى بعد شهادة مسلم وهانئ وقيس، فمَن لا يقدر على تحمّل الهزيمة، ويتراجع عن قراراته بسماع مثل هذه الأخبار؛ وعليه أن لا يشرع بالمواجهة.
إنّ الإمام في الوقت الذي يراعي فيه الخُلُق الإنساني ـ وينأى بنفسه عن التعامل بعنف وقسوة مع عدوّه ـ لا نظير له في القتال بشجاعة ورباطة جأش.
قال حميد بن مسلم: «فو الله، ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتِل وُلْدُه وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه عليه السلام ، إن كانت الرجّالة لتَشُدّ عليه فيَشُدّ عليها بسيفه، فتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب»[43].
7 ـ سلامة المناضلين
إنّ مَن يريد إصلاح المجتمع لابدَّ أن يكون إنساناً صالحاً، وإلّا فعليه أن لا يقحم نفسه في المواجهة؛ لأنّه سوف يُحمِّل الناس عبئاً ثقيلاً ويُكلِّفهم الكثير الكثير، وتكون نتيجة المواجهة بعد الانتصار والاستيلاء على السلطة هو ظهور الحقيقة المخالفة للصلاح، وفي النهاية لا يطرأ تغيير كبير على أوضاع المجتمع إذا ما قورنت بما قَبْل المواجهة.
وعليه، فللحصول على النتيجة المطلوبة من النضال لابدّ للقادة والقوى الفاعلة أن يكونوا أفراداً صالحين أبراراً لا يعتريهم الضعف والوهن، وحينها سيدفع العدوّ ثمناً باهضاً إذا ما أراد مواجهتهم ومحاربتهم، بل إنّ العدوّ نفسه سيعتقد أنّ هؤلاء أشخاص صالحون، وعندها تصحوا ضمائر الأعداء ولا يرون مبرراً لإلحاق الأذى بهم.
قال مروان بن الحكم لوالي المدينة الوليد بن عتبة: «والله، لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه. قال الوليد: وبّخ غيرك يا مروان، إنّك اخترت لي التي فيها هلاك دِيني، والله، ما أحبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا ومُلكها وإنّي قتلتُ حسيناً، سبحان الله! أقتل حسيناً أن قال: لا أُبايع. والله، إنّي لا أظنّ امرءاً يُحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة»[44].
8 ـ الاستنصار
الثورة بطبيعتها عمل اجتماعي، وبدون مساندة الرأي العام والقوى الداعمة لن تعطي النتيجة المطلوبة، ولا تصل إلى غايتها المنشودة، والإمام الحسين عليه السلام ومنذ أن اتّخذ قراره بمواجهة السلطة الجائرة دعا لنصرته كُلّ مَن كان يتوقّع أن يسانده ويعاضده في نهضته، ولم يدعُ الإمام عليه السلام أهل الشام لعلمه بأنّهم لا يستجيبون له، لأنّهم عاشوا في ظل الأُمويين وتحت إمرتهم، ومع أنّ أهل مكّة والمدينة يعيشون في حاضرة الإسلام وفي ظل أجواء إسلاميّة، إلّا أنّ زخارف الدنيا ملأت عيون كبار السن منهم وملكت قلوبهم، ولم يعيروا الإمامَ عليه السلام أهميّةً، وشبّانهم ليس لهم أيّة معرفة وعلم بتضحيات أمير المؤمنين عليه السلام في سبيل الإسلام، ولا يعرفون شيئاً عن شخصيّة الحسين عليه السلام ، وأهل البصرة وحدهم الذين كانوا يعرفون أُسلوب أمير المؤمنين عليه السلام وطريقته في الحكم، ولكون مدينتهم ذات بنية جديدة فقلّما كانوا يقعون تحت تأثير الميول والنزعات القوميّة والقبليّة، فقد وقف أهل البصرة إلى جانب أمير المؤمنين عليه السلام في حربي صفِّين والنهروان، وكان لهم معرفة بسياسات الإمام عليٍّ عليه السلام وضحّوا بأنفسهم وأبنائهم في سبيله، ولأنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يحتمل منهم قبول دعوته ونصرته أكثر من غيرهم، فلذا كتب إليهم قائلاً: «إنّ الله اصطفى محمّداً صلى الله عليه وآله على خلقه وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثمَّ قبضه اللهُ إليه وقد نصح لعباده وبلّغ ما أُرسل به صلى الله عليه وآله وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته، وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك فكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممّن تولّاه، وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله، فإنّ السنّة قد أُميتت، وإنّ البدعة قد أُحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»[45].
لقد خاطب الإمام عليه السلام العلماء ودعاهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يعملوا بحاكميتهم كعلماء، ولكن أفعالهم كانت تُظهر بأنّهم ليسوا أهل عمل ولا يتحمّلون مسؤولياتهم، فقال عليه السلام : «لقد خشيت عليكم أيّها المتمنّون على الله أن تحلَّ بكم نقمة من نقماته؛ لأنّكم بلغتم من كرامة الله منزلة فُضِّلتم بها، ومَن يعرف بالله لا تُكرِمون، وأنتم بالله في عباده تُكرَمون، وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون وذمّة رسول الله صلى الله عليه وآله محقورة، والعُميُ والبُكمُ والزمنى في المدائن مُهملة لا تَرحمون، ولا في منزلتكم تعملون، لا مَن عمل فيها تُعينون، وبالإدهان والمصانعة عند الظَلَمَة تأمنون، كلّ ذلك ممّا أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون، وأنتم أعظم الناس مصيبة لِما غَلِبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تشعرون ذلك بأنّ مجاري الأُمور والأحكام على أيدي العلماء بالله، الأُمناء على حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سُلِبتُم ذلك إلّا بتفرُّقكم عن الحقّ واختلافكم في السنّة بعد البيّنة الواضحة، ولو صبرتم على الأذى وتحمّلتم المؤونة في ذات الله كانت أُمور الله عليكم تَرِدُ وعنكم تَصدُرُ وإليكم تَرجِعُ، ولكنّكم مَكَّنتُمُ الظَلَمَةَ مِن منزلتكم وأسلمتم أُمور الله في أيديهم، يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات، سلّطهم على ذلك فرارُكم من الموت وإعجابُكم بالحياة التي هي مفارقتكم... فإن لم تنصرونا وتنصفونا قَويَ الظَلَمَةُ عليكم وعَمِلوا في إطفاء نور نبيِّكم، وحسبنا الله وعليه توكّلنا وإليه أنبنا وإليه المصير»[46].
وفي طريق الكوفة دعا الإمام عليه السلام بعض الأشخاص الذين كان يتوسَّم فيهم خيراً وكانوا ذوي نفوذ وقدرة، فمنهم مَن لبّى دعوته كزهير بن القين، ومنهم مَن فضّل الدنيا على السعادة الأبديّة كعبيد الله بن الحرّ الجعفي[47].
9 ـ رفض مقولة الغاية تبرّر الوسيلة
ربما تسنح فرص أثناء المواجهة إذا استُغلت بطريقة لا أخلاقية وغير إنسانيّة ومخالفة للمروءة ويمكن بلوغ الهدف حينئذٍ بأسرع وقت وأقلّ تكلفة، لكن مَن يرى النضال أمراً أخلاقيّاً فإنّه غير مستعد أن يتنصّل عن القيم الإنسانيّة خلال مسيرته النضالية وأثناء القتال؛ لأنّه يعتقد أنّه إذا فعل هذا فليس بالإمكان الحصول على مجتمع تسوده الأخلاق والقيم الإنسانيّة، فعندما اقترح زهير بن القين على الإمام عليه السلام أن يقاتل الحرّ قبل أن تأتيه الإمدادات، قال الحسين عليه السلام : «أكره أن أبدأهم بقتال حتى يبدأوا»[48]. أي لا قصاص قبل الجناية.
عندما دعا أهل الكوفة الإمام عليه السلام ولبّى دعوتهم، ووصلت رسالة مسلم بن عقيل إلى مكّة يذكر فيها أنّه قد بايع الإمامَ عليه السلام ثمانيةُ عشر ألفاً من أهل الكوفة، وتوجّه الحسين عليه السلام إلى الكوفة خرج الكثيرون مع الإمام عليه السلام على أمل أن ينالوا نصيبهم من مائدة الحكومة المبسوطة، ولمّا سمع الحسين عليه السلام بخبر شهادة مسلم وهانئ والتغيير الذي طرأ على أوضاع الكوفة؛ جمع أصحابه ليخبرهم بما حدث في الكوفة لأنّ خُلُق الإمام عليه السلام يأبى عليه أن يستغل الناس لمصالحه الشخصيّة وتحقيق أهدافه الذاتية، لذا خاطبهم قائلاً: «قد أتانا خبر فضيع قُتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمَن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف غير حرج، ليس عليه ذمام»[49]، فتفرّق الناس عنه وأخذوا يميناً وشمالاً حتى بقي أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ونفر يسير ممَّن التحقوا به عليه السلام .
وفي ليلة عاشوراء كرّر الحسين عليه السلام عمله هذا مع أهله وأصحابه، وقال لهم: «قد أذنت لكم فانطلِقوا جميعاً في حلٍّ ليس عليكم منّي ذمام»[50]، لكنّ أحداً منهم لم يترك الإمام عليه السلام .
وفي يوم عاشوراء لم يأذن الإمام عليه السلام لكل مَن جاء يستأذنه في البراز إلّا إذا كان راغباً في القتال ومصرِّاً عليه بطيب خاطر، لأنّ الإمام عليه السلام لم يقاتل من أجل السلطة والثروة، ولا دعا الناس لأجل ذلك، ولا أراد أن يتّخذ من الناس وسيلة ليحقق آماله وأهدافه. إنّ الله تعالى وحده العالم بسرائر الإنسان وتبقى الدوافع غير معروفة للناس، وعليه فلا يمكن لأحد أن يكذب على الله ويخادعه.
وفي أحد أدعية الإمام عليه السلام نراه يخاطب ربَّه، فيقول: «اللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنُري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويُعمَل بفرائضك وسننك وأحكامك»[51].
10 ـ جَمْع المعلومات والتبصُّر في الأُمور
قال تعالى: { لْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ }[52].
على أساس هذه الآية الشريفة سعى الإمام عليه السلام إلى اتّخاذ القرارات القائمة على المعلومات الدقيقة ليعمل وهو على بصيرة من أمره وعلم تام، فالتحليل الصحيح هو التحليل الذي يستند إلى المعلومات الصحيحة.
وقبل أن يتوجّه الإمام عليه السلام إلى الكوفة أرسل مسلم بن عقيل ليستطلع أحوال أهل الكوفة، ويعرف ما يجري فيها ويحصل على معلومات عن شيعته وأنصاره، وقال له: «يا بن عمّ، قد رأيتُ أن تسير إلى الكوفة فتنظر ما اجتمع عليه رأي أهلها، فإن كانوا على ما أتتني به كتبهم فعجّل عليّ بكتابك لأُسرع القدوم عليك، وإن تكن الأُخرى فعجّل الانصراف»[53]، كان أكثر أهل الكوفة من الموالي، ولديهم ذكريات طيّبة من حكومة الإمام علي عليه السلام وما عادوا يطيقون حكومة بني أُميّة، ولا راغبين في العيش تحت ظل سلطتهم الجائرة، فلذا أرسلوا إلى الحسين عليه السلام خلال يومين ما يقرب من مائة وخمسين رسالة، وفي كُلّ واحدة منها يقولون: «أقبِل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ»[54].
وفي هذا المجال قال الإمام عليه السلام : «إنّ أهل الكوفة كتبوا إليّ أن أقدم عليهم لِما رجوا من إحياء معالم الحقِّ وإماتة البدع»[55].
إنّ سابقة الكوفيين تبيِّن بوضوح أنّهم يتّخذون قراراتهم على عجل وسرعان ما يتراجعون عنها، فكتب الحسين عليه السلام إليهم: «من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين، أمّا بعد، فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر مَن قَدِم عليّ من رُسُلِكم، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جُلِّكم: أنّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ، وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ليعلم لي كُنه أمركم ويكتب إليّ بما يتبيَّن له من اجتماعكم، فإن كان أمركم على ما أتتني به كتبكم وأخبرتني به رُسُلُكم أسرعت القدوم عليكم إن شاء الله، والسلام»[56]. ولمّا بايع أهل الكوفة مسلماً، كتب إلى الحسين عليه السلام : «إنّ الرائدَ لا يكذبُ أهلَه، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألف رجل، فأقدم فإنّ جميع الناس معك ولا رأي لهم في آل أبي سفيان»[57].
تحرّك الإمام الحسين عليه السلام نحو الكوفة ولكنه لم يزل يراقب الوضع، وكان يسأل كُلَّ مَن يلتقيه في الطريق عن أحوال الكوفة وأهلها، والتقى الفرزدق فسأله، فقال الفرزدق: «قلوب الناس معك وأسيافهم عليك»[58].
وسأل الحسين عليه السلام مجمع بن عبد الله العائذي عن خبر الناس في الكوفة، فقال: «أمّا أشراف الكوفة فقد أُعظِمت رشوتهم، ومُلِئَت غرائرهم، يُستمال ودّهم، ويُستخلص به نصيحتهم، فهم ألب واحد عليك، وأمّا سائر الناس بعد فإنّ أفئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غداً مشهورة عليك»[59].
11 ـ تكريم الأنصار وتشجيعهم
يحب أن يرى الناس آثار ونتائج أعمالهم في النظام الإداري، سيّما المكافأة على أعمالهم الصحيحة التي قاموا بها، ويذوقوا طعم التكريم والتقدير ليزداد تفانيهم ورغبتهم في العمل، لذا فقد سُرّ الإمام عليه السلام بخبر مبايعة مسلم بن عقيل، وشكر الناس على موقفهم هذا، وسعى الإمام بعمله هذا إلى الحفاظ على علاقته الحميمة بالناس وتعزيزها وتقويتها، ليهيئ الناس ويعدّهم للقيام بالخطوات الآتية بأفضل شكل.
أرسل الإمام عليه السلام كتابه مع قيس بن مسهر الصيداوي إلى أهل الكوفة وفيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلى إخوانه من المؤمنين بالكوفة، سلام عليكم، أمّا بعد فإنّ كتاب مسلم بن عقيل ورد عليّ باجتماعكم لي، وتشوّقكم إلى قدومي، وما أنتم عليه منطوون من نصرنا والطلب بحقّنا، فأحسن الله لنا ولكم الصنيع، وأثابكم على ذلك بأفضل الذخر، وكتابي إليكم من بطن الرمة، وأنا قادم عليكم وحثيث السير إليكم، والسلام»[60].
12 ـ تعبئة الرأي العام
يجب على قادة الثورة أن يهتمّوا بأفكار عامّة الناس وينالوا تأييدهم، ويعملوا على تنوير أذهانهم تجاه ما يعملون ليزداد وعيُهم السياسي، ويواكبوا المناضلين بأفضل شكل. إنّ عدم تنوير أذهان عامّة الناس يُتيح الفرصة للأعداء ليقوموا بإضلال الناس وتشويش أذهانهم، ويفتح الباب أمامهم على مصراعيه ليكيلوا التّهم ويفتروا كما يشتهون.
لذلك فإنّ أوّل لقاء للإمام الحسين عليه السلام بأهل الكوفة (أصحاب الحرّ) كان عندما حان وقت صلاة الظهر، وقد خرج الإمام عليه السلام من خيمته بعد الأذان وقبيل الصلاة ليتحدّث إلى معسكر الحرّ ويشرح لهم سبب قدومِه إلى الكوفة، فبعد أن حمد الله وأثنى عليه، قال: «أيُّها الناس، إنّها معذرة إلى الله (عزّ وجلّ) وإليكم، إنّي لم آتكم حتى أتتني كُتُبُكم، وقَدِمَت عليَّ رُسُلُكم: أن أقدِم علينا، فإنّه ليس لنا إمام، ولعلَّ الله يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فإن تعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدِم مِصرَكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدَمي كارهين أنصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم»[61].
فسكت الحرّ وأصحابه، ثمَّ صلّى الحسين عليه السلام بهم وبأصحابه معاً.
وبعد أن استراح الجميع، وحان موعد صلاة العصر صلّى بهم الحسين عليه السلام أيضاً، ثمَّ انصرف بوجهه إلى معسكر الحرّ، وبعد أن حمد الله وأثنى عليه، قال: «أيُّها الناس، فإنّكم إن تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت أَوْلى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أنتم كرهتمونا، وجهلتم حقّنا، وكان رأيكم غير ما أتتني به كُتُبُكم وقدمت به عليّ رُسُلُكم انصرفت عنكم».
وفي منطقة ذي حسم قام الإمام الحسين عليه السلام بتحليل الأوضاع وبيَّن دوافع نهضته، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها واستمرّت جدّاً، فلم يبقَ منها إلّا صُبابة كصُبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله مُحقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة، ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً»[62].
وفي منطقة البيضة تحدّث الإمام الحسين عليه السلام مرّة أُخرى إلى معسكر الحرّ ليُفهِّمهم ويُطلَعَهم على الأوضاع، ويُغيِّر الظروف لصالحه قَبْل أن تَصل القوى المساندة لمعسكر الحرّ، فقال عليه السلام : «أيُّها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لِحُرَم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغيِّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يُدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيّطان، وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ مَن غيّر، قد أتتني كُتُبُكم، وقَدِمَت عليّ رُسُلُكم ببيعتكم، أنّكم لا تُسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيّ أُسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري، ما هي لكم بنُكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، والمغرور مَن اغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومَن نكث فإنّما ينكث على نفسه، وسيُغني الله عنكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»[63].
13 ـ التغيير على أساس رأي الشعب
السلطة حقّ الشعب، فلهم الحقّ أن يفوّضوها إلى مَن يشاؤون، ولهم الحقّ أن يدعوا مَن يشاؤون ليقودهم، ليس لأحد أن يحكمهم بالقوّة، وإذا حكمهم أحدٌ ما بالقوّة فإنّ حكومته تفتقد الشرعيّة، وعلى خلاف الثقافة العامّة آنذاك فإنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يكن يتعامل مع أحد بقوّة وقسوة، ولم يُرد أن يحكم الناس بقوّة، وأن يقمع مخالفيه من أجل الحكم، والشواهد على هذا في نهضة الإمام كثيرة، فكان عليه السلام يؤمن بحقِّ الحياة لعدوّه.
التقى الإمام عليه السلام بالحرّ وأصحابه ـ البالغ عددهم ألف مقاتل ـ في أوّل يوم من شهر محرّم سنة إحدى وستّين من الهجرة، فقال لفتيانه: «اسقوا القوم وأرووهم من الماء، ورشّفوا الخيل ترشيفاً». وعن عليّ بن الطعّان المحاربي، قال: «كنت مع الحرّ بن يزيد، فجئت في آخر مَن جاء من أصحابه، فلمّا رأى الحسين ما بيَّ وبفرسي من العطش، قال: يا بن أخي، أنخ الجمل، فأنخته، فقال: اشرب فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين: اخنث السقاء ـ أي: أعطفه ـ قال: فجعلت لا أدري كيف أفعل، قال: فقام الحسين عليه السلام فخنثه فشربت وسقيت فرسي»[64].
أراد الإمام عليه السلام أن يقوم بعملية التغيير من خلال سلطة الشعب وتأييدهم المسبق، وكان عليه السلام ينتقد غطرسة حكومة بني أُميّة المتسلّطة بالقوّة.
وخاطب الإمام عليه السلام معسكر الحرّ قائلاً: «ونحن أهل بيت محمّد أَوْلى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان»[65].
الإمام عليه السلام لا يريد الحرب وسفك الدماء، ولا يريد أن يفرض نفسه على الناس بالقوّة؛ فلذا قال للحرّ وأصحابه: «وإن أبيتم إلّا كراهية لنا والجهل بحقّنا، فكان رأيُكم الآن غير ما أتتني به كُتُبُكم وقَدِمَت به عليّ رُسُلُكم، انصرفت عنكم»[66].
كان الإمام عليه السلام يرى أنّه من حقِّ الناس أن يرضوا به أو يرفضوه، لذا فقد تحدَّث مرَّتين مع أصحاب الحرِّ، ومرَّة مع أصحاب عمر بن سعد، وقال لهم: «إن كرهتموني انصرفت عنكم».
في الثالث من محرّم أقبل عمر بن سعد بن أبي وقاص بأربعة آلاف من الكوفة إلى كربلاء واستقرّ إزاء معسكر الحسين عليه السلام ، وأرسل رسولاً إلى الإمام عليه السلام يقول له: «ما أقدمك إلى العراق»، فقال الإمام الحسين عليه السلام للرسول: «أبلغه عنّي: أنّ أهل هذا المِصر كتبوا إليّ يذكرون أن لا إمام لهم ويسألونني القدوم عليهم، فوثقت بهم فغدروا بي بعد أن بايعني منهم ثمانية عشر ألف رجل، فلمّا دنوت علمت غرور ما كتبوا به إليّ، فأردت الانصراف إلى حيث أقبلت فمنعني الحرّ بن يزيد»[67].
لقد حاور الحسين عليه السلام ابن سعد بطريقة سلميّة ولغة مرنة، الأمر الذي جعل ابن سعد يكتب إلى ابن زياد: «أمّا بعد، فإنّ الله أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأُمّة، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه، أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه وبين رأيه، وفي هذا لكم رضىً وللأُمّة صلاح»[68].
والظاهر أنّ عمر بن سعد أضاف موضوع البيعة ليزيد إلى ما اتّفق عليه مع الإمام الحسين عليه السلام ليُسِرَّ بذلك ابن زياد؛ لأنّ هذا الأمر يتناقض بوضوح وبصورة جذرية مع جميع مراحل حركة الإمام الحسين عليه السلام ، فلمَّا قرأ ابن زياد كتاب ابن سعد، أنشد يقول:
يرجو النجاة ولاتَ حينَ مناص | الآن إذ علقت مخالبنا به |
وكتب إلى عمر بن سعد: «قد فهمت كتابك فاعرض على الحسين البيعةَ ليزيد، فإذا بايع في جميع مَن معه فأعلمني ذلك ليأتيك رأيي».
فأرسل ابن سعد بكتاب ابن زياد إلى الحسين، فقال الحسين للرسول: «لا أُجيب ابن زياد إلى ذلك أبداً، فهل هو إلّا الموت فمرحباً به»[69].
14 ـ النضال عبادة كسائر العبادات
الإسلام يعني التسليم لله، ويجب أن تكون جميع حركات وسكنات المسلم عبادة لله، وعليه فإنّ الثورة في رأي الإمام الحسين عليه السلام هي عبادة، وفي حالة عدم إمكانية الجمع بين عبادتين يجب أن لا تُترك سائر العبادات، فالإمام عليه السلام لم يستطع أن يستمرّ في أداء مناسك الحجّ وفي الوقت ذاته يحافظ على حياته من خطر الاغتيال، ولذا رجّح الأهمّ على المهمّ، فترك الحجّ وذهب إلى الكوفة.
لقد كان اهتمام الإمام الحسين عليه السلام بسائر العبادات كبيراً وملفتاً للأنظار عندما كان يستطيع الجمع بين العبادات، فعندما التقى الإمام عليه السلام بالحرِّ وأصحابه وحان وقت صلاة الظهر صلّى الإمام الحسين عليه السلام بأصحابه وأصحاب الحرّ جميعاً، وبعد أن استراح الجميع وحان وقت صلاة العصر أَمّ أبو عبد الله عليه السلام المعسكرين معاً، وفي ليلة عاشوراء طلب عمر بن سعد من الإمام عليه السلام البيعة أو القتال، فقال الحسين عليه السلام لأخيه العباس: «ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى الغدوة وتدفعهم عنّا العشيّة؛ لعلّنا نصلّي لربِّنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد أحبُّ الصلاة له وتلاوة كتابه والدعاء والاستغفار»[70].
فقام الحسين عليه السلام الليل كلّه يُصلّي ويستغفر ويدعو ويتضرّع وقام أصحابه كذلك يُصلّون ويدعون ويستغفرون، وفي صبيحة يوم عاشوراء وبعد أن صلّى عليه السلام صلاة الصبح، رفع عليه السلام يديه بالدعاء وقال: «اللّهم أنت ثقتي في كُلّ كرب ورجائي في كُلّ شدّة، وأنت لي في كُلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من همٍّ يَضعُفُ فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة، ويخذُلُ فيه الصديق، ويَشمُت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففرّجته وكشفته، وأنت وليّ كُلّ نعمة، وصاحب كُلّ حسنة، ومُنتهى كُلّ رغبة»[71].
وفي ظهيرة يوم عاشوراء ـ والقتال على أَشُّدِّه ـ صلّى الحسين عليه السلام بأصحابه صلاة الخوف ومن ثُمَّ واصل القتال.
النتيجة
أهم ميزة لخُلُقُ الثورة عند الإمام الحسين عليه السلام هو أنّ النضال والمواجهة ينطلق من أُسس ومبادئ، مستوحاة من القرآن والسنّة القطعيّة والأُصول الإنسانيّة.
المواجهة والنضال من الأُمور المتعلِّقة بحياة الناس، والله تعالى أمر نبيّه الكريم صلى الله عليه وآله في القرآن الحكيم أن يستشير الناس في إدارة أُمورهم، والمشورة في الفكر القرآني هي استراتيجيّة وتكتيك أيضاً.
ومَن يناهض سلطة مُستبِدَّة عليه أن لا يكون مستبِدَّاً، بل عليه أن يستشير الآخرين، وهذا ما فعله الإمام عليه السلام بالتأكيد.
إنّ الالتزام بالعهود والمواثيق والعمل بها من المستلزمات الهامّة لخُلُق الثورة والنضال، والاهتمام بالظروف الأمنيّة من أجل المحافظة على القوى النضالية من الأُصول الهامّة الأُخرى لأخلاقيّة المواجهة؛ لأنّ أرواح الناس محترمة ويجب تركيز الاهتمام على سلامتها، وحتى أثناء القتال يجب العمل على أن تكون الخسائر في الأرواح قليلة جدّاً.
الخصومة وعدم الحوار يضفي طابعاً عنيفاًَ على المواجهة؛ ولذلك فإنّ الإمام الحسين عليه السلام تعامل بشفّافية في جميع مراحل حياته وجهاده، وبعمله هذا منع من تفشي القسوّة والانحراف في الرأي العام؛ لذا لم يترك عليه السلام محاورة العدو في جميع مراحل نهضته.
إنّ الذي يشعر بالخوف ويسيطر عليه اليأس ولا قدرة له على المجازفة عليه أن لا يدخل المعترك السياسي والمواجهة. إن قَدَاسة الثورة والنضال ترتبط بمدى طهارة وسلامة القادة والقوى الرئيسة أو النشطاء السیاسیین، وإلّا لا يُعوَّل على المنظومة التي أسّسوها بعد تحقّق النصر أبداً، ولنّ يمرّ وقت طويل حتى يقوموا بممارسة نفس الأعمال التي مارسها أُولئك الذين واجهوهم وثاروا عليهم.
وبدون معاضدة ومناصرة الأفكار العامّة والقوى المساندة لا تنجح الثورة ولا يحقّق النضال أهدافه المنشودة. لقد دعا الإمام الحسين عليه السلام كُلَّ مَن كان يتوقّع منه المعونة والتأييد في نهضته ونضاله عندما قرّر مواجهة السلطة الجائرة، وقد تسنح فرص أثناء المواجهة يمكن الاقتراب كثيراً بها من بلوغ الهدف إذا استُغلت بطريقة لا أخلاقيّة وغير إنسانيّة ومخالفة للمروءة.
إنّ مَن يؤمن بالقيم الأخلاقيّة في الحرب والمواجهة، يجب عليه اكتساب المعلومات الدقيقة، واتّخاذ القرار الصائب عن بصيرة وعلم خلال مسيرتة النضالية؛ لأنّ جميع المساعي والجهود تذهب سدى بأقل تصرّف غير مدروس وتُراق دماء كثيرة عبثاً. لابدّ أن يرى الناس نتائج أعمالهم، وأن يُكافؤوا على أعمالهم الصالحة ليزدادوا رغبة فيها ويُشجّعوا عليها ليتفانوا في أدائها.
يجب على قادة الثورة أن يهتمّوا بأفكار عامّة الناس وينالوا تأييدهم، ويعملوا على تنوير أذهانهم تجاه ما يعملون، وإن عدم تنوير أذهان عامّة الناس يتيح الفرصة للأعداء ليقوموا بإضلالهم وتشويش أذهانهم، ويفتح الباب أمامهم على مصراعيه ليكيلوا التّهم ويفتروا كيفما شاؤوا.
إنّ ممارسة العنف لا تنسجم مع الأخلاق الرحمانيّة، بل إنّ مراعاة القيم الأخلاقيّة تقلّل من العنف، وليس النضال أمراً هجوميّاً ملازماً للقسوّة، بل القسوّة غير جائزة إلّا عند الدفاع، وفي رأي الإمام الحسين عليه السلام فإنّ النضال عبادة، ولا تترك عبادة أثناء المواجهة إلّا في حالة عدم أمكانية الجمع بينهما.
[1] المائدة: آية8.
[2] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج2، ص553.
[3] القصص: آية21.
[4] القصص: آية22.
[5] المائدة: آية63.
[6] ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص270.
[7] خطب أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، نهج البلاغة: خطبة3.
[8] المائدة: آية 78 ـ 79.
[9] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص304. الخوارزمي، الموفق بن أحمد، مقتل الحسين عليه السلام : ج1، ص234.
[10] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص254.
[11] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص323.
[12] ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة: ص185.
[13] الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص275.
[14] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص305. الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص279.
[15] المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين عليه السلام : ص345.
[16] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص344.
[17] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص35.
[18] المسعودي، على بن الحسين، مروج الذهب: ج2، ص59 ـ 60.
[19] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص243 ـ 244.
[20] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص247 ـ 248.
[21] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص304.
[22] اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي: ج2، ص228.
[23] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص220.
[24] المصدر السابق: ص221.
[25] المصدر السابق: ص222.
[26] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص222.
[27] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص33.
[28] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج69، ص40.
[29] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص45.
[30] المصدر السابق: ج2، ص39.
[31] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص224 ـ 235.
[32] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص251.
[33] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص36.
[34] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: 225.
[35] الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج3،ص295.
[36] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص251.
[37] المصدر السابق: ج4، ص251.
[38] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص249 ـ 250.
[39] المصدر السابق.
[40] ابن عساكر، علي بن الحسن، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام : ص295.
[41] المسعودي، على بن الحسين، مروج الذهب: ج2، ص60.
[42] آل عمران: آية140.
[43] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص166 ـ 167.
[44] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج3، ص250.
[45] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج2، ص266.
[46] الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص271.
[47] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص247، وص251.
[48] المصدر السابق: ص252.
[49] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص75.
[50] المصدر السابق: ص91.
[51] الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص272.
[52] يوسف: آية108.
[53] الدينوري، أحمد بن داود،، الأخبار الطوال: ص230.
[54] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص37.
[55] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص246.
[56] المصدر السابق: ص245.
[57] االدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص242.
[58] المصدر السابق: ص245. المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص69.
[59] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص306. الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص248.
[60] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص245.
[61] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص266.
[62] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص305.
[63] المصدر السابق: ج4، ص266، وج4، ص304.
[64] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص302.
[65] المصدر السابق: ج4، ص303.
[66] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص164.
[67] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص253.
[68] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص164.
[69] الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص254.
[70] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص91.
[71] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص165.
اكثر قراءة