المقالات
القسم الولائي
أخلاق المقاتلين بين الإيجاب والسلب وانعكاساتها في معركة الطف (القسم الأول)
المقدمة
طالما لعبت أخلاق المقاتل دوراً عظيماً في تحديد اتجاه بوصلة الانتصار أو الهزيمة، فربَّ لحظة صمود واحدة اقتلعت الخوف من قلوب المقاتلين فانتصروا، وربَّ لحظة خوف رهيبة جعلتهم يُولّون الأدبار.
نعم، بكلمة واحدة من أبي عبد الله الحسين عليه السلام عندما رشقهم جيش عمر بن سعد بسيل من النبل، نادى بأصحابه: «هي رُسُل القوم إليكم، فقوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابدَّ منه»[1]، فصنعوا ملحمة الانتصار الأبدي.
فالقادة الأفذاذ يحرصون كثيراً على تنقية قواعدهم من نقاط الضعف على مستوى أخلاق المقاتلين؛ ليقينهم الراسخ بأنَّ كلمة عابرة من ضعاف النفوس وقليلي الإيمان يُمكن لها أن تفتّ عضد الجيش بأسره، كما أنهم كانوا يحرصون بشكل أكبر على حصر قيادات الجيش وحملة الألوية بيد قادة أفذاذ، قلوبهم كزُبر الحديد، لا يُمكن أن يقع منهم تخاذل ولو بحساب الاحتمالات، وهذا ما نلمحه في قادة الطف، حيث جعل الإمام الحسين عليه السلام زهير بن القين على الميمنة، وحبيب بن مظاهر في الميسرة، وأعطى رايته إلى العباس بن علي عليه السلام [2]، ثلاثة أفذاذ، وتراجع أيّ واحد منهم ضرب من المحال.
وهذا ما يجعلنا نتفحَّص في شخصية المقاتل وأخلاقياته في جانبيها الإيجابي والسلبي معاً، ونقف على كيفية تعامل المقاتل مع القيادة العليا، وما هي أهدافه في القتال، وكيف تكون أخلاقه أثناء المعركة، في إطاريها الإيجابي والسلبي، وسيكون نموذجنا الإيجابي هو (أخلاق المقاتلين في جبهة الإمام الحسين عليه السلام )، وسيكون نموذجنا السلبي هو (أخلاق المقاتلين في جبهة يزيد وأعوانه)، ومن خلال هذين النموذجين التاريخيين سيتسنّى لنا قراءة واقع سوح القتال في عصرنا هذا المليء بالفتن، والحافل بورثة الفريقين معاً.
ومقالنا ككل ينقسم على قسمين رئيسيين يتناول القسم الأول مقومات الجانب الإيجابي من أخلاق المقاتلين، بينما يتناول القسم الثاني أخلاق المقاتلين في جانبها السلبي.
وسوف نقف في هذا القسم الأول على محورين أساسيين هما:
المحور الأول: مقوّمات الجنبة الايجابية في أخلاق المقاتلين
المحور الثاني: معسكر الإمام الحسين عليه السلام تجسيد عملي لما ينبغي أن تكون عليه أخلاق المقاتلين.
ويتضمّن كلا المحورين عدّة نقاط تستوفي البحث عن ذلك المحور بعون الله تعالى:
المحور الأول: مقوّمات الجنبة الإيجابية في أخلاق المقاتلين
ويتضمّن هذا المحور البحث عن نقاط مهمّة هي:
أولاً: الجنديّة الصحيحة
للجندية الصحيحة مقوّمات كثيرة، سنقف عند الأهم منها، والتي لا يُمكن للجندية أن تكون بدونها، فهي أشبه ما تكون بذاتيات الماهية المشتملة على الجنس والفصل[3]، وهي:
1ـ الصحّة البدنية أو سلامة البدن
فلابد للمقاتل من صحَّة بدنية تُمكّنه من أداء واجبه، فالشجاعة والإقدام لا يكفلان وحدهما أداء الواجب بالشكل المطلوب؛ إذ لابد من وجود مقتضيات أُخرى، ومنها الصحّة البدنية.
2ـ الصحّة النفسيّة
لا ريب في أنَّ عدم الاستقرار النفسي يُولِّد قرارات سريعة وأزمات تُفقد المقاتل صوابه، ومن جملة الأُمور المتعلّقة بالصحة النفسية هو الخلو من مرض الشكّ والحيرة والتردّد، وهذا ما اصطلح عليه القرآن الكريم (مرض القلب)، حتى يصل الأمر بهؤلاء إلى مودَّة الأعداء والتقرب إليهم؛ لأنّهم يخشون الهزيمة والوقوع بيد الأعداء، وقد عبّر عنهم قوله تعالى: { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ }[4]، فلسان حالهم يقول: إنما نوادّ أعداء الله خشية أن يظفروا بالمسلمين فيصيبونا معهم، ولكنّ الله تعالى يرجو النصر للمسلمين، وعندئذٍ سيندم ضعاف النفوس ومرضى القلوب على ما أضمروا في أنفسهم من موالاتهم للأعداء.
إنَّ البدن أشبه ما يكون بالجبهة الخارجية، والقلب هو أشبه ما يكون بالجبهة الداخلية، وإذا ما اهتزّت الجبهة الداخلية وقعت الهزيمة، فمرضى القلوب منهزمون داخلياً، ولذلك تجد هؤلاء أبطالاً في وقت السلم، ومتخاذلين في وقت الحرب، فإذا ما قرعت الحرب طبولها يصبحون كالخشبة اليابسة لا حراك فيها من شدّة الخوف، قال تعالى: { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ }[5].
3ـ التدريب والخبرة والمهارات الفردية
إنَّ كثرة التدريب وزيادة الخبرة الميدانية والمهارات القتالية تُقلِّل من الخسائر في المعركة، فلا ينبغي الاعتماد على الدعم الغيبي وحده دون توفير أسباب النصر، قال تعالى: { عِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُمْ }[6]، ولا ريب في أنَّ الخبرة والمهارات من أبرز مصاديق القوة.
4ـ الشجاعة والتضحية والفدائية والإقدام
عند مواجهة العدو وتوقّع الموت والشهادة في كل آنٍ، لابد حنيذاك من أرضية صلبة يقف عليها المقاتل، فالشجاعة والإقدام يمنحانه قوّة التقدّم والمواجهة، والفدائية والتضحية تمنحانه قوّة الصمود، وهذا ما نلاحظه بأروع معانيه في أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ، فما سجَّل التاريخ وأرباب المقاتل حالة جبن وتخاذل واحدة، بل لم يكن هنالك أوضح من معاني الشجاعة والتضحية والفدائية والإقدام والتفاني فيهم رضوان الله تعالى عليهم، رغم كثرة العدو وقلّة الناصر، ولعلَّ من أروع صور الشجاعة والإقدام فيهم هو تقدّمهم فرداً فرداً أمام جموع لا تملك أيسر أخلاقيات الجنديّة، ولو لاحظنا معسكر ابن سعد سنجد العكس تماماً؛ إذ كانوا يستمدّون شجاعتهم من الكثرة، فسجّلوا أبشع صور المنازلة برمي الخصم بالنبال عن بُعد؛ تفادياً عن المقابلة وجهاً لوجه.
5ـ التزوّد بروح الانتصار وعدم الانهزامية
لابدَّ للجندي الحقيقي من طاقة وقوة متجددة فيه، وهذا ما يتمثل بروح النصر، فهو منتصر في قوله وعمله، وفي جميع سلوكياته، دون أن يُصاب بالكبر والغرور، وما لم يكن الجندي منتصراً في عمقه فإنه سيكون مهدداً بالهزيمة والتخاذل؛ ولذا فإنَّ الانهزاميين عندما يدخلون المعركة لا يفكرون إلاَّ بالبحث عن فرصة الفرار، ويصطنعون الأعذار الواهية لذلك، كما هو حال المنافقين ومرضى القلوب في معركة الأحزاب (الخندق)، قال تعالى: { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا }[7].
إنَّ روح الانتصار هي الوقود الحقيقي الذي يُحفِّز المقاتل لمواصلة المواجهة والصمود بوجه الصعوبات، وقد كان أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ينطلقون في تفانيهم من هذه الروح العظيمة، وقد ترجموا هذا النصر بتضحيتهم وتفانيهم، فالنصر لا يعني بالضرورة القضاء على العدو بعدّته وعدده، وإنّما له معاني أُخرى أعظم وأجلّ، منها أن يتحقق الانتصار للمبادئ، ولذلك خرج أصحاب الإمام الحسين عليه السلام من الدنيا وهم يرتدون أوشحة انتصار المبادئ السامية على مبادئ الظلم والطغيان، فهم المنتصرون أبداً، كما أنَّ كل واحد من جيش ابن سعد كان يُدرك في قرارة نفسه، ويشعر في عمق وجدانه أنه مهزوم المبادئ ومهزوم الضمير، بل ومهزوم في القضيّة والوسيلة والهدف.
6ـ انحصار الخيار بين الشهادة والانتصار
إنَّ لغة المقاتل الحقيقي الممتثل لقواعد الجندية الصحيحة عند خوض المعركة تدور بين مفردتين لا غير، وهما: النصر أو الشهادة، فالشهادة مفادها شرف الدنيا والآخرة، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }[8]، فإن نال النصر فهي الأُخرى التي يُحبها المؤمن، قال تعالى: { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّـهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }[9].
وقد كان أصحاب الإمام الحسين عليه السلام أكثر شوقاً للشهادة منهم للنصر الخارجي؛ لأنهم يرون بشهادتهم انتصارهم الحقيقي، وهو انتصار المبادئ الحقّة على مبادئ الظلم والطغيان، فنحروا بدمهم سيوف الأعادي، ومحقوا بمبادئهم مبادئ الجبت والطاغوت.
7ـ الحب والمودّة للقائد
حبُّ المقاتل لقائده ومودّته له من أولويات تحقيق النصر والغلبة؛ لأنَّ هذا الحبَّ هو جذوة كامنة في قلب المقاتل تزيح عنه الهمّ والغمّ، وقد كان أصحاب الإمام الحسين ذائبين ومتفانيين في شخصية الإمام عليه السلام ، وكان هذا الذوبان والتفاني يُشعرانهم بالفخر والانتصار، وقد منحاهم من القوة والطاقة ما جعل كل واحد منهم بألف من جنود الأعداء، حتى أنَّ عمرو بن الحجاج الزبيدي ـ وهو من قادة جيش عمر بن سعد ـ لمَّا هاله ما رأى من كثرة قتلاه صاح بهم: «يا حمقى، أتدرون مَن تقاتلون؟ فرسان المصر، قوماً مستميتين، لا يبرزنَّ لهم منكم أحد»[10].
8ـ بذل قصارى الوسع والجهد
وهذا هو مقتضى الجنديّة الصحيحة، فلا يألو الجندي جهداً، ولا يدّخر وسعاً إلّا وبذله في خدمة المعركة، فتجده مضحّياً بماله ونفسه وما تطاله يده، وقد ضرب لنا زهير بن القين أروع الأمثلة في ذلك، لما بعث له أبو عبد الله الحسين عليه السلام ليأتيه، فتباطأ قليلاً[11]، ثم لما جاءه ذكَّره الإمام الحسين عليه السلام بحديث أسرَّه له سلمان الفارسي رضوان الله عليه يوم حقَّقوا نصراً في بلاد الروم، فرجع زهير من عند الحسين عليه السلام «مستبشراً قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه وثقله ورحله ومتاعه فقُوّض وحُمل إلى الحسين عليه السلام ، ثم قال لامرأته ديلم: أنت طالق، الحقي بأهلك؛ فإنّي لا أُحبّ أن يُصيبك بسببي إلاَّ خير. ثم قال لأصحابه: مَن أحبّ منكم أن يتبعني، وإلّا فهو آخر العهد، إني سأُحدثكم حديثاً: إنّا غزونا البحر، ففتح الله علينا وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الفارسي رضي الله عنه: أفرحتم بما فتح الله عليكم، وأصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم، فقال: إذا أدركتم شباب آل محمد فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معهم مما أصبتم اليوم من الغنائم. فأمّا أنا فأستودعكم الله. قالوا: ثم ـ والله ـ ما زال في القوم مع الحسين عليه السلام حتى قُتل رحمة الله عليه»[12].
وهكذا صيَّر زهير بن القين كل ما عنده من مال ونفس وإمكانات في خدمة نهضة الإمام الحسين عليه السلام ؛ وما ذلك إلّا لأنّه آمن بقضيته وتفانى في قائده وسخَّر كل وجوده لذلك؛ ولأنّه كان من الذين إذا ذُكِّروا بالحقّ اتعظوا ولم تأخذهم العزة بالإثم.
ثانياً: تعامل المقاتلين مع القيادة
اتّضح أنَّ من مقتضيات الجندية الصحيحة هو تحقيق الطاعة للقادة في القول والعمل، فلا ينبغي للمقاتلين أن يخالفوا قادتهم في قول، ولا يتخلّفوا عنهم في عمل، وهذه الطاعة القولية والعملية هي من أهم علل تحقيق الانتصار، ومن دونها يفقد الجيش فرصته في التفوِّق، فالقائد وحده لا يمكنه أن يُحقِّق انتصاراً ميدانياً من دون قاعدة تشدّ من أزره وتنفّذ أوامره.
ولذلك؛ فالجندية الصحيحة تقتضي الطاعة في القول والعمل، وهذه الطاعة تكليف شرعي لا يجوز التنصّل عنه.
ثالثاً: أهداف المقاتلين في القتال
إنَّ المقاتل في سبيل الله ليس بيدقاً يُساق كما تُساق البهائم، وإنّما هو كيان مفعم بالحياة الكريمة والنبيلة، فروحه توَّاقة للشهادة ولقاء الله تعالى، وفكره مشغول بدحر الأعداء، وبدنه في شغل دؤوب لتحقيق النصر.
هذا هو المقاتل المؤمن؛ ولذلك لابدّ أن تكون للمقاتل الحقيقي أهداف عظيمة يُكرِّس طاقاته لتحقيقها، وهي أهداف العزّة والرفعة وإعلاء كلمة: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وهكذا أهداف نبيلة تستحق التضحية بالغالي والنفيس، فلا يصح من المقاتل أن يُقدم إلى المعركة وهو مُعبّأ بأهداف صغيرة أو رخيصة، كطلب الغنائم، أو الشهادة له بالقوة والبطولة؛ فإنَّ النفوس السامية الرفيعة لا تنزع نحو الذات والأنا، وإنما تقفز بصاحبها دائماً وأبداً نحو القمم الشاهقة، وليس هنالك أعظم من إعلاء كلمة الحق وإذلال كلمة الباطل، قال تعالى: { وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّـهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }[13].
ومن هنا؛ لابد للمقاتل أن يراجع نفسه كثيراً، ويُكاشفها في واقعية الأهداف التي يُقاتل من أجلها، وكلما كانت المكاشفة سريعة وجريئة كلما تمكَّن المقاتل من تلافي الخطأ ومعالجته، ونُقِل أن رجلاً يُدعى قزمان، كان من أبطال العرب، وكان يُقاتل في معركة (أُحد) مع المسلمين، فكان أول مَن رمى بسهم من المسلمين، ولقوّة ساعده كان يرمي النبل وكأنّها رماح، ففعل الأفاعيل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ذكره قال: من أهل النار.
فيتعجَّب المسلمون، فلما انكسر المسلمون، كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار، فيدخل بالسيف وسط المشركين، حتى يقال: قد قُتل. ثم يطلع فيقول: أنا الغلام الظفري، حتى قتل منهم سبعة، وأصابته الجراحة، وكثرت فيه، فوقع فمرَّ به قتادة بن النعمان، فقال له: هنيئاً لك الشهادة. قال قزمان: إني ـ والله ـ ما قاتلت على دين، وإنما قاتلت لأمنع قريش من أن تسير إلينا فتطأ سعفنا. قال: فآذته الجراحة فقتل نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وآله: إنَّ الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر[14].
ولذلك ينبغي للمقاتل الحقيقي أن يتحقّق من أهداف مشاركته وقتاله للأعداء، وكما قلنا لابدَّ أنَّ يُكاشف نفسه في واقعية الأهداف التي يُقاتل من أجلها، وكلما كانت المكاشفة سريعة وجريئة كلما تمكَّن المقاتل من تلافي الموقف ومعالجته، ولا ينبغي التغافل عن الحديث النبوي الشريف: «إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى»[15]، وقوله صلى الله عليه وآله: «نية المؤمن خير من عمله، ونيّة الكافر شرٌّ من عمله. وكل عامل يعمل على نيّته»[16].
رابعاً: أخلاق المقاتلين أثناء المعركة
هنالك أخلاق خاصة بالمقاتل المسلم لابد من الاتِّصاف بها والعمل على ضوئها، منها:
1ـ الإيثار والحرص على سلامة إخوته المقاتلين كحرصه على نفسه، وصور الإيثار كثيرة جداً، فعلى سبيل المثال عليه ألّا يترك جريحاً يُكابد الألم من إخوانه المقاتلين إلّا وأسعفه وعمل على إخلائه من ساحة المعركة بقدر المستطاع.
2ـ أن لا يُجهز على جريح من العدو، بل ينبغي أن يعمل على إسعافه إن أمكنه ذلك، ولا يُقصِّر في ذلك؛ فإنّه يؤدي بذلك أبلغ وأجلّ رسالة لإعلاء صوت الحق وإيصاله إلى وجدان العدو، كما أنَّ عليه أن لا يُرهب امرأة أو طفلاً، ولا يُسيء إلى أسير، فهذه هي قيم الإسلام وتعاليمه السمحة التي بها سيُحقّق المقاتل العقائدي نصراً عظيماً على أهواء النفس الآمرة بالانتقام؛ فإنَّ قوّة الصبر وكظم الغيض وعدم الاستجابة للرغبة بالانتقام لهي من أهم عناصر النصر الحقيقي.
3ـ أن لا يُفصح عن أسرار المعركة حتى لزملائه ـ فيما إذا اختصّه القائد بذلك ـ فضلاً عن غير زملائه؛ فحفظ السرِّ من مقوّمات تحقيق النصر.
4ـ تنفيذ الأوامر بحذافيرها، فلا يتقاعس في شيء منها أبداً؛ لأنّه ما جاء ليقضي أوقات فراغ، وما جاء ليلهو، وعليه أن يُدرك بأنَّ أروع صور شرف الجندية تكمن في أخلاقيات الالتزام بالأوامر، فيُقدم لأداء مهامه باسلاً مغواراً، مُردِّداً في سرِّه قوله تعالى: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ }[17]، وينبغي أن يتّعظ بما وقع في معركة أُحد؛ فإنَّ السبب المباشر في انكسار المسلمين فيها ـ بعد أن كانوا منتصرين ـ هو عدم انصياع بعض الصحابة لأوامر النبي صلى الله عليه وآله بلزوم المكوث على جبل الرماة، فكشفوا ظهر المقاتلين المسلمين للعدو بعد نزولهم من الجبل طمعاً بالغنائم، فلم ينالوا نصراً ولا غنائم، بل لم يُبقوا على حياتهم إذ طالتهم سيوف الأعداء.
5ـ أن يتجنَّب إصدار كلمات تؤدّي إلى إضعاف همم المقاتلين، ولو عن غير قصد، بل عليه أن يكون متفائلاً مستبشراً على الدوام، ولابدَّ من التسلّح دائماً بالكلمات التي تذكّر المقاتلين بدورهم والأجر الذي أُعدّ لهم، والتي ترفع من الحالة المعنوية لهم، وإذا لم يمكنه ذلك فلابدّ له من السكوت.
6ـ أن لا يظهر منه سلوك ـ في قول أو عمل ـ يدلّ على استهزاء أو استخفاف بمقاتل من زملائه، فضلاً عن قائدٍٍ من قادته، بل عليه أن يحرص كثيراً على تقدير جهد كل مقاتل ولو كان صغيراً جداً.
7ـ أن يتجلَّى حرصه عملياً على الالتزام بالعبادات، لا سيّما الصلاة، بل عليه أن يكون قدوة في ذلك، فيُعجِّل في صلاته في أول وقتها، كما فعل الإمام الحسين عليه السلام في أحلك ساعات المعركة في كربلاء، فقد روى أرباب المقاتل أنَّ أبا ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي لما رأى أنَّ أصحاب الإمام الحسين عليه السلام قد قُتل منهم الرجل والرجلان، وقد تبيـَّن فيهم القتل، وأنَّ الأعداء كثيرون فلا يتبيـَّن فيهم ما يُقتل منهم، وأنَّ الأعداء زاحفون إليهم، اقترب من الإمام الحسين عليه السلام وقال له: «يا أبا عبدالله، نفسي لك الفداء! إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله، لا تُقتل حتى أُقتل دونك إن شاء الله، وأُحب أن ألقى ربي وقد صليتُ هذه الصلاة التي قد دنا وقتها. فرفع الإمام الحسين رأسه، ثم قال: ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين الذاكرين، نعم هذا أول وقتها»[18].
المحور الثاني: معسكر الإمام الحسين عليه السلام التجسيد العملي والمثالي لأخلاق المقاتلين
وسنتناول في هذا المحور نقاط مهمّة أسهمت بشكل فاعل في جعل معسكر الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء المصداق الأتم لما ينبغي أن تكون عليه أخلاق كل مقاتل في سبيل الله، ومن هذه النقاط:
أولاً: شخصية القائد الإمام الحسين عليه السلام
هو ابن بيئة العصمة، ولادة ورضاعة وتربية، وهو أبو العترة المعصومة عليهم السلام ، ما عرُف على وجه الأرض نسب أشرف وأزكى من نسبه، ولا حسب أرفع من حسبه، تربّى في حجر الرسالة، وارتوى من ينبوع الولاية والإمامة، وكان لفرط حبّ جدّه صلى الله عليه وآله له يُركبه هو وأخاه الحسن على ظهره ويقول: «نِعمَ الجمل جملكما، ونِعم العدلان أنتما»[19]، وقد اختصّه رسول الله صلى الله عليه وآله بشيء تجلَّت فيه جميع معالم الانتماء الجسدي والروحي والمعنوي والفكري والرسالي، حيث قال فيه صلى الله عليه وآله: «حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط»[20].
كان الإمام الحسين عليه السلام قد ملك القلوب، فما ذُكر عند قوم إلّا وامتدحوه وأثنوا عليه؛ لما حباه الله تعالى بالحسب العالي، والنسب الزاكي، والخُلق الرفيع، والطهارة النبوية، والشجاعة الحيدرية، والوسامة والملاحة، فكان يقطر حُسناً، ويفيض حناناً، وكان لشدّه حُسنه سمَّاه رسول الله صلى الله عليه وآله حُسيناً، ولشدّة قربه كان يقول عنه: «ولدي الحسين»[21].
وكان الكرم والعطاء من ذاتياته بنحوٍ يُثير العجب! فكان من خصائصه في العطاء أنه يشتد حياؤه من حياء السائل له[22]، وذات يوم وفد أعرابي إلى المدينة فسأل عن أكرم الناس بها، فدلُّوه على الإمام الحسين عليه السلام ، فدخل فوجده مُصلياً، فوقف بإزائه وأنشأ:
حرَّك من دون بابك الحلقة | «لم يخب اليوم مَن رجاك ومَن | |
أبوك قد كان قاتل الفسقة | أنت جواد وأنت معتمد | |
كانت علينا الجحيم منطبقة | لولا الذي كان من أوائلكم |
فسلم الإمام الحسين وقال: يا قنبر، هل بقي من مال الحجاز شيء؟
قال: نعم، أربعة آلاف دينار.
قال: هاتها، فقد جاء مَن هو أحقّ بها منّا.
ثم نزع عليه السلام بُرديه ولفَّ الدنانير فيها، وأخرج يده من شقّ الباب حياءً من الأعرابي، وأنشأ:
واعلم بأني عليك ذو شفقة | خذها فإني إليك معتذر | |
أمست سمانا عليك مندفقة | لو كان في سيرنا الغداة عصا | |
والكفُّ منّي قليلة النفقة | لكن ريب الزمان ذو غير |
فأخذها الأعرابي وبكى.
فقال له الإمام الحسين عليه السلام : لعلّك استقللت ما أعطيناك؟
قال: لا، ولكن كيف يأكل التراب جودك؟!»[23].
ولمَّا رأى أن بعض أتباعه لا طاقة لهم بالقتال معه يوم عاشوراء، وكانوا قد بايعوه، فخرج إليهم ثم مسح جبينه وقال لهم ما معناه: لكل منكم زوجة وأولاد ولم تودعوهم، أو أب وأُمّ، أو مال لم تسلموه، أرجو أن لا يمنعكم حضوري من الرحيل، فهذا فرض عليَّ وليس على غيري، سوى المنقطعين عن الدنيا، كلكم أحرار إذ رفعت عنكم البيعة. ثمّ أغمض عينيه واكتسى بالعباءة واختفى لكي لا يرى أحداً.
إنَّ شخصية الإمام الحسين عليه السلام المتفانية العارفة بمبادئها الإلهية، لا تملك سوى الإقدام على تحقيق أهدافها؛ ولذلك كان الإمام الحسين عليه السلام مستعدّاً لمواجهة الأعداء ولو بقي وحيداً فريداً، وهذا ما أثبته قولاً وعملاً في كربلاء، فنراه يقف عليه السلام في أصحابه خطيباً قائلاً لهم:«اللّهم، إنّي لا أعرف أهل بيتٍ أبرّ ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحاباً هم خير من أصحابي، وقد نزل بي ما قد ترون، وأنتم في حلٍّ من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعة، ولا لي عليكم ذمّة، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وتفرّقوا في سواده، فإنَّ القوم إنّما يطلبونني، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري»[24].
ولذلك قال في رسالته لمحمد بن الحنفية وعموم بني هاشم: «بسم الله الرحمن الرحيم: من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومَن قِبَله من بني هاشم، أمّا بعد: فإنّ مَن لحق بي استُشهد، ومَن لم يلحق بي لم يُدرك الفتح، والسلام»[25].
ولعلّ من أروع نماذج القيادة الحكيمة للإمام الحسين عليه السلام نجاحه إلى حدّ لا نظير له في تطهير جيشه من الانتهازيين وضعاف النفوس والانهزاميين، وقد كان إعلانه صريحاً في ذلك في خطبةٍ له في مكّة وقبل التوجّه للعراق؛ إذ خطب في أتباعه قائلاً: «مَن كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فإنّني راحل مُصبحاً إن شاء الله تعالى»[26].
ولمَّا حان وقت القتال استعلمت منه بطلة كربلاء السيّدة زينب سلام الله عليها قائلة: «أخي، هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم؛ فإنّي أخشى أن يُسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة؟
فبكى عليه السلام وقال: أما والله، لقد بلوتهم، فما رأيت فيهم إلّا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أُمّه»[27].
وكانت من ملامح شخصية القائد الفذّ فيه هو علوّ همّته وعظيم معنوياته، فكان الأصحاب إذا ما عصف بهم عاصف يستقون من صموده وبطولته فيغدون كالّليوث الغضبى، ويغدو الأعداء بين أيديهم كالنعاج الخائفة جبناً منهم، وكان عليه السلام إذا ما كرَّ بأعدائه يكرّ كالليث الغضبان، فلا يشدُّ على أحد إلا بعجه بسيفه فقتله، فلا يصمد أحد أمامه، وإذا ما أرادوا ردّه رموه بالنبال، فتسقط عليه وكأنها المطر، فيتقيها بصدره ونحره.
ثانياً: أخلاق المقاتلين في جبهة الإمام الحسين عليه السلام
إنَّ جميع ما تقدَّم من ملامح الجندية الصحيحة قد تجلَّت في أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ، وهذا ما دعا الإمام عليه السلام أن يصفهم مسبقاً ـ لما عرفه منهم من قوة وشكيمة وصدق في الولاء ـ بقوله: «اللهم، إنّي لا أعرف أهل بيت أبرّ ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحاباً هم خير من أصحابي»[28]، ولو راجعنا تفاصيل المَقاتل التي روت أحداث معركة الطّف سنجدها تُجمع على بطولتهم وتضحيتهم وحبّهم لقائدهم وتفانيهم فيه، وكيف أنّهم كانوا يتسابقون للشهادة بين يديه، ممَّا دلَّل على عظيم صدقهم ووفائهم فيما أعطوه للإمام عليه السلام من البيعة والنصرة له.
ولكننا ـ فيما يأتي ـ علاوة على ما تقدم نريد أن نفتح ملفات جديدة تتعلَّق بأخلاقيات أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ، فقد كان كل واحد منهم قدوة في تديّنه وصدقه مع ربّه، فهلمّ إلى معسكر الإمام الحسين نستقرئ بعض ملامح أخلاقيات مقاتليه على شكل صور نصوغها بما نستطيع من أحرف.
الصورة الأُولى: رهبان بالليل لهم دويٌّ كدويِّ النحل بتلاوة الكتاب والدعاء
لو تجوّلنا بين خيمات معسكر الإمام الحسين عليه السلام فإننا لا نلمح فيها إلّا مَن هو قائم يصلّي أو تالٍ للقرآن، حتّى أصبحت ليلة عاشوراء ليلة التبتّل وليلة القرآن، وكأنَّ القرآن قد أُختتم في عاشوراء، وكأنَّ عاشوراء غاية القرآن؛ فكلاهما مجلى للأسماء والصفات، وكلاهما قلعة يتحصَّن بها الإنسان.
وكأنّهم هم المقصودون سلفاً في كلمة الإمام الصادق عليه السلام وهو يصف كنوز الطالقان من أنصار الإمام صاحب الزمان عليه السلام ، إذ قال: «يتمسّحون بسرج الإمام عليه السلام ، يطلبون بذلك البركة ويحفّون به، يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد فيهم، رجال لا ينامون الليل، لهم دويٌّ في صلاتهم كدويِّ النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأَمَة لسيّدها، كالمصابيح كأنّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون يدعون بالشهادة»[29].
الصورة الثانية: الشوق لملاقاة الله واليقين بالمبدأ
في ليلة العاشر من محرم كان معسكر الإمام الحسين عليه السلام قد ضمّ صحابياً جليلاً في مطلع العقد الثامن من عمره، وهو حبيب بن مظاهر الأسدي، وكان يُمازح رفيقاً له يُدعى يزيد بن الحصين الهمداني، وكان من الزهَّاد، فقال الهمداني الزاهد: يا أخي، ليس هذه بساعة ضحك. قال حبيب متعجَّباً: فأي موضع أحق من هذا بالسرور؟! والله، ما هو إلاَّ أن تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم فنعانق الحور العين[30].
إنّهم كما مرّ وصفهم بلسان الإمام الحسين عليه السلام : «يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أُمّه»[31].
وفي صباح يوم العاشر من محرم يتكرَّر ذلك الموقف، ولكن بين سيّد القرَّاء برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاري، عندما وقفا على باب خيمة الإمام الحسين عليه السلام ، فجعل برير يُضاحك عبد الرحمن، فقال له عبد الرحمن: يا برير، أتضحك؟! ما هذه ساعة ضحك ولا باطل. فقال برير: لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً، وإنما أفعل ذلك استبشاراً بما نصير إليه، فوالله، ما هو إلّا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ثم نعانق الحور العين[32].
الصورة الثالثة: رفض أمان العدو
جاء شمر بن ذي الجوشن حتى وقف على أصحاب الحسين عليه السلام فقال: أين بنو أُختنا؟ فخرج إليه العبّاس وإخوته من أُمّه، فقالوا: ما تريد؟ فقال: أنتم يا بني أُختي آمنون. فقالت له الفتية: لعنك الله ولعن أمانك! أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟![33].
وفي خبر آخر أنَّ أبا الفضل العبّاس قال للشمر: لعنك الله ولعن أمانك! أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له، وتأمرنا أن ندخل في طاعة اللعناء؟! فلمَّا عاد العباس قال له زهير بن القين: لما أراد أبوك أن يتزوج طلب من أخيه عقيل أن يختار له امرأة ولدتها الفحولة ليتزوجها فتلد غلاماً شجاعاً، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم، فقال العباس: والله، لأرينك شيئاً ما رأيتَه[34].
الصورة الرابعة: تواصي بعضهم لبعض بالإمام الحسين عليه السلام
لما صُرع مسلم بن عوسجة مشى إليه الإمام الحسين عليه السلام ومعه حبيب، فقال حبيب: عزَّ عليَّ مصرعُك يا مسلم، أبشر بالجنة. فقال له مسلم قولاً ضعيفاً: بشَّرك الله بخير. فقال حبيب: لولا أني أعلم أني في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصي إليَّ بكل ما أهمك، حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت له أهل من الدين والقرابة. فقال ابن عوسجة له: بلى أُوصيك بهذا رحمك الله. وأومأ بيده إلى الإمام الحسين عليه السلام أن تموت دونه، فقال حبيب: أفعل ورب الكعبة[35].
الصورة الخامسة: طلب القربة إلى الله في أصعب المواقف وأحرجها
لمّا انتهت السيدة زينب سلام الله عليها ـ قائدة لواء النسوة في الطف ـ إلى جسد أبي عبد الله الحسين عليه السلام ـ وهي المرأة المثكولة بإخوتها وابنيها ـ بسطت يديها تحت جسده المقدس ورفعته نحو السماء، ثم رمقت السماء بعيون دامعة، وهي تقول: «إلهي، تقبَّل منّا هذا القربان»[36]، لتقدّم بذلك السيدة زينب سلام الله عليها أروع فصول الصبر والصمود في ملحمة كربلاء.
ثالثاًَ: نماذج خالدة من الطف
ارتأينا في السطور الآتية عرض قبس من سيرة نماذج خالدة شاركت في رسم لوحة كربلاء وصنع ملحمة ستبقى ما بقي الدهر، ولا ريب في أنه لا مجال لتقدم أيّ أحد من أبطال كربلاء على شخصية الإمام الحسين عليه السلام الذي غطَّى بشمسه أقمار الطفوف، ولا مجال لتقدم أيّ امرأة كذلك على السيدة زينب سلام الله عليها التي تحرَّكت النسوة بأنفاسها، إلا أننّا وجدنا من المناسب عرض نماذج أُخرى عن القادة والنسوة في الطف؛ نظراً لكون الإمام الحسين والسيدة زينب سلام الله عليها هما محور معركة الطف، وقد مرّ ذكرهما ـ لا سيما الإمام الحسين في معظم هذه السطور، فوقع منا هذا الاختيار.
النموذج الأول: القادة في الطف (أبو الفضل العباس عليه السلام )
القائد الحقيقي هو أول المضحّين، وهكذا كان سليل الدوحة العلوية أبو الفضل العباس، شاب في ريعان شبابه، كله فتوّة وقوّة، وكله عزيمة وشكيمة، بل ما عُرف في معسكر الإمام الحسين عليه السلام مَن هو أشدّ منه شكيمة ولا أمضى منه عزيمة؛ ولذلك كان الإمام الحسين عليه السلام يرى فيه زبدة المعسكر بأسره، فلمَّا سقط صريعاً نادى: «الآن انكسر ظهري، وقلَّت حيلتي، الآن تبدَّد عسكري، وشمُت بي عدوي» [37]، ثم بكى بكاءً شديداً.
إنَّ أبا الفضل العباس عليه السلام قد بيَّن شخصية القائد الفذ وبيَّن شخصية الجندي المطيع، فإذا مثُل أمام قائده ناداه: سيدي ومولاي. وإذا مضى لقتال القوم يجول فيهم وكأنّه الجيش بأسره، حتى تناهت ذكريات أهل الكوفة وسرحت بهم الذاكرة إلى تلك الضربات الحيدرية لأبيه أمير المؤمنين علي عليه السلام في بدر وأُحد والخندق وخيبر، وما كانوا ببعيدين عن صولاته في الجمل والنهروان وصفّين.
وكان لشدّة بسالته قد ملأ معسكر ابن سعد رعباً، وظنّ البعض أنَّ علياً المرتضى قد بُعث حياً.
ثم لمَّا خلى المعسكر من كل ناصر، والصبية يبكون من شدّة العطش، لم يكن هنالك مَن يسعه كشف الطغام عن ضفة النهر سواه، فانتُدب للسقاية تمثّلاً منه بساقي الكوثر.
فلمَّا رآه القوم حطّ بساحتهم كالصقر، وصال بركبهم كالليث، وشتَّت شملهم وأرغم أُنوفهم، كفّوا عنه وتحايلوا عليه، وكانوا يترصّدونه من وراء نخيلات أخجلها جبنهم فكان ما كان.
النموذج الثاني: شيبة الطف (الصحابي أنس بن الحارث الكاهلي)
كان الصحابي الجليل أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي شيخاً كبيراً، رأى النبي صلى الله عليه وآله وسمع حديثه، وشهد معه بدراً وحُنيناً، فاستأذن من الإمام الحسين للقتال، فبرز وهو شادّ وسطه بالعمامة، رافع حاجبيه بالعصابة، ولما نظر إليه الإمام الحسين بكى وقال: «شكر الله لك يا شيخ». ثم برز للقتال، فقتل على كبر سنّه ثمانية عشر رجلاً، ثم نال الشهادة رضوان الله عليه[38].
النموذج الثالث: الكلبي وزوجته (أُم وهب) في الطف
السيدة أُم وهب بنت عبد من بني النمر بن قاسط، زوجة عبد الله بن عمير الكلبي، وكان زوجها عبد الله بطلاً شجاعاً شريفاً، لمَّا رأى القوم بالنخيلة يتجمّعون لقتال الإمام الحسين عليه السلام ، قال: «والله، لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصاً، وإني لأرجو ألّا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيّهم أيسر ثواباً عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين. فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع... فقالت له: أصبت! أصاب الله بك أرشد أُمورك، افعل وأخرجني معك. فخرجا ليلاً حتى أتى حسيناً فأقام معه»[39].
ولمَّا أصبح يوم العاشر قام عبد الله بن عمير فقال: أبا عبد الله، رحمك الله ائذن لي لأخرج للقوم. فرأى الإمام الحسين رجلاً آدم طوالاً شديد الساعدين بعيداً ما بين المنكبين، فقال الحسين: إني لأحسبه للأقران قتّالاً، اخرج إن شئت. فخرج فقتل يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله، ثم عاد وقد قُطعت أصابع كفه اليسرى، فأخذت أُم وهب امرأته عموداً، ثم أقبلت نحو زوجها تقول: فداك أبي وأُمّي! قاتل دون الطيّبين ذرية محمد صلى الله عليه وآله، فأقبل إليها يردّها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه، وتقول: إنّي لن أدعك دون أن أموت معك. فلم يستطع ردّها، فجاء إليها الإمام الحسين عليه السلام وقال: جزيتم من أهل بيت خيراً، ارجعي رحمكِ الله إلى النساء فاجلسي معهن؛ فإنه ليس على النساء قتال. فانصرفت إليهن.
ثم برز زوجها مرة أُخرى فقتل من القوم رجالاً حتى أُثخن بالجراح واستُشهد، ولمَّا انجلت الغبرة خرجت أُم وهب تمشي إلى زوجها حتى جلست عند رأسه تمسح التراب عنه وتقول: هنيئاً لك الجنة! أسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك. فقال شمر لغلامه رستم: اضرب رأسها بالعمود. فضرب رأسها فشدخه، فماتت مكانها[40].
إنَّ هذه الزوجة الصالحة كانت خير عون لزوجها في تلبية الواجب، فلما عاد وهو جريح لم يشغلها جرحه ولم تسأله عن حاجته، وإنّما امتلأ فمها بكلمة الولاء: فداك أبي وأُمّي! قاتل دون الطيّبين. ولمَّا استشهد لم تنكسر قامتها، فمضت لرفيق دربها وأخذت رأسه تمسح التراب عنه وتبارك له ثمن الشهادة: هنيئاً لك الجنة! ولشدّة يقينها بذلك تمنّت أن تكون معه: أسأل الله الذي رزقك الجنّة أن يصحبني معك. فاستجاب الله تعالى دعوتها المباركة.
النموذج الرابع: الأُم الصالحة وفتاها المطيع (فتى قُتِل أبوه في المعركة)
عمرو بن جنادة، كان هو الفتى الذي استشهد وعمره إحدى عشرة سنة، كان قد استشهد أبوه في الطف، وكانت أُمه معه، فقالت لولدها: اخرج ـ يا بني ـ وقاتل بين يدي ابن رسول الله. فخرج، فقال الحسين: هذا غلامٌ قُتِل أبوه ولعل أُمه تكره خروجه.
فقال الشاب: أُمي أمرتني بذلك.
ثم برز وهو يقول:
سرور فؤاد البشير النذير | أميري حسين ونعم الأمير | |
فهل تعلمون له من نظير؟ | علي وفاطمة والداه | |
له غرّةٌ مثل بدر منير | له طلعةٌ مثل شمس الضحى |
فقاتل حتى قُتل وحُزَّ رأسُه ورمُي به إلى عسكر الإمام الحسين عليه السلام فحملت أُمه رأسه، وقالت: أحسنت! يا بُني، يا سرور قلبي ويا قرة عيني. ثم رمت برأس ابنها رجلاً فقتلته وأخذت عمود الخيمة، وحملت عليهم وهي تقول:
خاوية بالية نحيفة | أنا عجوز سيدةٌ ضعيفة | |
دون بني فاطمة الشريفة | أضربكم بضربة عنيفة |
فضربت رجلين فقتلتهما، فأمر الإمام الحسين عليه السلام بصرفها ودعا لها[41].
هذه المرأة الصالحة ترمي بآخر نبلة في كنانتها، وهي فلذة كبدها، ولم يَدُر في خُلدها سوى نصرة الإمام الحسين عليه السلام ، مضى زوجها ولم يهدأ غضبها الثوري، وقدّمت ولدها ولم تهدأ ثورتها، وكانوا قد رموا برأس ابنها ليحرقوا قلبها به، لكنّها ما التفتت لمصابها بقدر التفاتتها لنصرة الحسين عليه السلام ، فأخذت رأس ولدها، ولسان حالها يقول: ما أعطيناه لا نستردّه. فرمت رجلاً من الأعداء برأس ولدها فقتله الله بذلك؛ عسى أن يشفي غليلها ويُهدِّئ روعها ويميط عنها غضبها، ولكنّها ثائرة أصيلة لا تنطفئ نائرة غيظها، فأخذت عموداً وقتلت به رجلين من الأعداء، وكأنّها بحر هائج من الغضب، معتذرة من الإمام الحسين عليه السلام بأنّها عجوز لا تقدر على شيء، ولكنها قدَّمت كل شيء، وكادت أن تنال الشهادة لولا أنَّ الإمام عليه السلام تداركها وأمر بردّها إلى مخيَّم النسوة، فاستجابت له استجابة الجندي المطيع لقائده، ولعلّه عليه السلام خشي عليها من الأعداء لو قتلوها أن يُمثـّلوا بها بعدما أوجعت قلوبهم السوداء بقتل ثلاثة رجال منهم.
رابعاً: نماذج لفرصة التحوّل الإيجابي
وهنا سيقع اختيارنا على النماذج الثلاثة التي انتقلت إلى معسكر الإمام الحسين عليه السلام ، وسوف نرتّبها بحسب السبق الزمني، وإن كان هذا الترتيب قد ناسب مقامهم وأشرفيتهم أيضاً، وهي:
النموذج الأول: زهير بن القين بن قيس الأنماري البجلي
بطل من أبطال العراق، كان نازلاً في الكوفة، ومن شخصياتها البارزة، وله في المغازي مواقف مشهورة ومواطن مشهودة، وقد مرَّت بنا جولة يسيرة حول كيفية تحوّل زهير بن القين إلى معسكر الإمام الحسين عليه السلام ، وأنّه ترك دنياه وطلّق زوجته ـ ديلم بنت عمرو ـ وراح فرحاً مستبشراً للإمام الحسين؛ ليكون جندياً مخلصاً ذائداً عنه.
وما نريد الإشارة له في المقام عدة أُمور، هي:
1ـ إنَّ الرجوع إلى الحقّ فضيلة؛ ولذا لم تمنع زهير عزّته ومكانته في قومه من بيان أنّه لم يكن على حق في اعتقاده السابق، من ميل عن العترة وقرب من بعض الخصوم.
2ـ إنَّ استجابته لم تكن خجولة أو متواضعة، وإنما ذهب إليه بكل وجوده، فأخلى عهدته من كلّ شيء، وراح لمعركة المصير بكلِّه.
3ـ إنّه رضوان الله عليه قد أثبت ولاءه بالقول والعمل، أما العمل فالطفوف تُنبئك عن ذلك، وأما في القول فإنّه قال مقالة ملأ بها قلب الإمام عليه السلام بهجة وسروراً، وملأ بها قلوب الأنصار زخماً وإقداماً، وذلك لما أخبرهم الإمام عليه السلام بما سيكون عليه الحال في يوم العاشر وأحلَّهم من بيعته وأذِن لهم بتركه لمصيره مع الأعداء، فنهض زهير وكله شجاعة وحكمة وإقداماً فقال ـ مفتدياً إمام زمانه ـ :«يا بن رسول الله، وددت أني قُتلت ثم نُشرت، ثم قُتلت ثم نُشرت، ثم قُتلت ثم نُشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة، وإنّ الله دفع بي عنكم أهل البيت. فقال الإمام له ولأصحابه: جُزيتم خيراً»[42].
4 ـ إنّه على بطولته وشهامته كان ذا بصيرة ثاقبة، فقد نقل الرواة أنّه لمّا هجمت خيول ابن سعد يقودهم شمر، أرسل الإمام الحسين عليه السلام بعض أنصاره ليستفهموا منهم عمَّا جاء بهم، فوقع كلام بين عزرة بن قيس[43] وبين حبيب بن مظاهر الأسدي، فردّ عليه زهير بن القين، فقال له عَزَرة: «يا زهير، ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت! إنما كنت عثمانياً. قال: أفلست تستدل بموقفي هذا أنّي منهم؟! أما والله، ما كتبت إليه كتاباً قطّ ولا أرسلت إليه رسولاً قطّ، ولا وعدته نصرتي قطّ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه، فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه منه، وعرفت ما يُقدم عليه من عدوه وحزبكم فرأيت أن أنصره وأن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه؛ حفظاً لما ضيَّعتم من حق الله وحق رسوله عليه السلام»[44].
وقال مخاطباً أهل الكوفة في مورد آخر: «عباد الله، إنّ وُلْد فاطمة رضوان الله عليها أحقّ بالودّ والنصر من ابن سميّة، فإن لم تنصروهم فأُعيذكم بالله أن تقتلوهم»[45].
فهو ـ رضوان الله عليه ـ لم تكن بينه وبين الإمام عليه السلام مكاتبة أو مواعدة ليلتزم بها، ولكنّه رأى الحق حقّاً فاتّبعه، كما أنّه رأى الباطل باطلاً فاجتنبه، وهذا خير مثال على التحوّل الإيجابي.
5 ـ لما قام الإمام الحسين عليه السلام خطيباً في أصحابه، فكان ممَّا قاله: «فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برماً»، فقام زهير بن القين ليكشف عن يقينه بقضيته، وعن بصيرته بهدفه، وعن تفانيه بشخصية قائده الإمام الحسين عليه السلام ، فقال له: «سمعنا ـ يا بن رسول الله ـ مقالتك، ولو كانت الدنيا لنا باقية، وكنّا فيها مخلّدين، لآثرنا النهوض معك على الإقامة»[46].
فهو يُفضل الشهادة مع الإمام الحسين عليه السلام على الخلود في الدنيا، وأما الأعداء فلخبث سريرتهم كانوا يفضّلون خسيس العيش الزائل على حياة النعيم الخالدة في الجنة.
6ـ إنه لبطولته وشهامته وإقدامه قد انتخبه الإمام الحسين عليه السلام هو وسعيد بن عبد الله الحنفي عند حلول الصلاة في ظهيرة يوم العاشر ليقيا الإمام من السهام حتى يُنهي صلاته، وقد كان من روائع بطولته التي أدهش بها الجميع هو أنّه كان يمسك النبال القادمة صوبه بيده.
7 ـ مؤمن آل فرعون: لما هدَّده الشمر بالموت أجابه زهير: «أفبالموت تخوّفني؟! والله، للموت معه أحبّ إليَّ من الخلد معكم، ثم صاح بالناس: عباد الله، لا يغرنّكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه، فوالله، لا تنال شفاعة محمد صلى الله عليه وآله قوماً هرقوا دماء ذريته وأهل بيته، وقتلوا مَن نصرهم وذبّ عن حريمهم.
فناداه رجل من خلفه: يا زهير، إنَّ أبا عبد الله يقول لك: أقبل، فلعمري، لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ»[47].
وهذه شهادة عظيمة نالها زهير من أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، فبعدما كان زهير عثمانياً صار علوياً حسينياً، ثم صار جندياً ملتزماً بجميع سمات الجندية، ولم يقتصر جهاده على سيفه، فجاهد بلسانه ليكون في الطّف شبيهاً بمؤمن آل فرعون، بل لنا أن نقول بالمقايسة في التسمية فنُسمّيه بمؤمن أهل الكوفة.
النموذج الثاني: الحرّ بن يزيد الرياحي
لما اشتد العطش بالإمام الحسين عليه السلام ومَن معه وقد منعهم الأعداء من ماء الفرات، ولم تنفع فيهم المواعظ، كان الحرّ يرقب الأمر وينتظر الفرصة للالتحاق بالركب الحسيني، فخرج الإمام الحسين عليه السلام ماسكاً بطرف لحيته، مخاطباً الناس: «اشتدّ غضب الله على اليهود حين قالوا: عزير ابن الله. واشتدَّ غضب الله على النصارى حين قالوا: المسيح ابن الله. واشتدَّ غضب الله على المجوس حين عبدوا النار من دون الله، واشتد غضب الله على قوم قتلوا نبيهم، واشتدَّ غضب الله على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيهم».
فضرب الحرّ بن يزيد فرسه قاصداً الالتحاق بمعسكر الحسين، فقدِم له منكَّساً رمحه، قالباً ترسه، وقد طأطأ برأسه حياءً من آل الرسول، رافعاً صوته: «يا أبا عبد الله، إنّي تائب، فهل لي من توبة؟ فقال الحسين عليه السلام : نعم، تاب الله عليك»[48].
فحمل هذا الوسام على صدره، وطلب الإذن من قائده الحسين عليه السلام في أن يكلم القوم، فأذِنَ له، فخطب بهم، ولكنّهم طغاة ختم الله على قلوبهم، فصاروا صُمَّاً بُكماً عُمياً، وكان جوابهم أن رشقوه بالنبل.
وشعر الحرّ الرياحي أنَّ السيف هو كلمة الفصل بينه وبينهم، فمضى لإمامه الحسين عليه السلام طالباً منه الإذن بالقتال، فأذِنَ له، ومضى يصول ويجول بهم، وهو القائد الشجاع، حتى قتل منهم أربعين شخصاً، فضُرِبت فرسه وعُقرت، فترجَّل عنها كالليث وهو يقول:[49]
ولبانه حتى تسربل بالدم(2) | ما زلت أرميهم بثغرة نحره |
ولم يتمكَّنوا منه، بل كانوا يفرّون منه فرار القطيع من الأسد، فقابلوه بالنبال غدراً فصرعته[50]، ولمّا انجلت الغبرة جيء به إلى الإمام الحسين عليه السلام ، فوسَّدوه بين الشهداء، وكان الإمام عليه السلام يضع الشهداء بعضهم على بعض ويقول: «قتلانا قتلى النبيين وآل النبيين»[51]، ثم طرِّز على صدر الحرّ أوسمة البطولة والوفاء، وقد كان في الحرّ رمق من الحياة، فمسح الدم عنه وقال: «أنت الحرّ كما سمّتك أُمّك، وأنت الحّر في الدنيا، وأنت الحرُّ في الآخرة»[52].
ثم انبرى فتى كربلاء علي الأكبر ليرثي الحر الشهيد قائلاً:[53]
صبور عند مشتبك الرماح | لنعم الحرّ حرّ بني رياح | |
وجاد بنفسه عند الصباح | ونعم الحرّ إذ فادى حسيناً |
بعد هذه الجولة اليسيرة في سيرة الحر الرياحي ينبغي علينا أن نُسلِّط الضوء على بعض المواقف الخالدة للحر، والتي عبَّرت عن طيب معدنه، وقد اخترنا من ذلك ثلاثة مواقف، وهي:
1ـ الحرّ مَن يختار الجنّة على النار
لما رأى الحرّ الرياحي أنَّ القوم قد صمّموا على قتال الحسين عليه السلام قال لعمر بن سعد: أي عمر، أمُقاتل أنت هذا الرجل؟
قال: إي والله، قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي.
فتركه الحر، وأخذ يدنو من الإمام عليه السلام قليلاً قليلاً، فقال له المهاجر بن أوس: ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟
فلم يجبه وأخذته رعدة، فقال له المهاجر: إنَّ أمرك لمريب، والله، لو قيل لي: مَن أشجع أهل الكوفة؟ ما عدوتك. فما هذا الذي أرى منك؟!
فقال له الحر: إني ـ والله ـ أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار، فوالله، لا أختار على الجنة شيئاً ولو قُطّعت وحُرقت.
ثم ضرب فرسه ملتحقاً بمعسكر الإمام الحسين عليه السلام [54].
2ـ التوبة عمَّا سلف
ورد أنّ الحرّ لما جاء إلى الإمام الحسين عليه السلام قال: «جُعلت فداك يا بن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، وما ظننت أنَّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، والله، لو علمت أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت، وإنّي تائب إلى الله تعالى مما صنعت، فترى لي من ذلك توبة؟». فقال له الحسين عليه السلام : «نعم، يتوب الله عليك»[55].
وبذلك تحرَّر الحرّ من نزعات النفس، وطهّر نفسه من نزغ الشيطان، بتلك التوبة النصوح؛ ولأنها نصوح كان لابد له من الاعتذار عمَّا بدر منه يوم جعجع بالحسين عليه السلام ، ويوم وقف في قباله في جيش ابن سعد.
3ـ المسارعة في النصرة
قال: «يا بن رسول الله، أتأذن لي فأُقاتل عنك؟ فأذن له، فبرز وهو يقول:[56]
عن خير من حلّ بلاد الخيف»(3) | أضرب في أعناقكم بالسيف |
لمّا قبل الإمام الحسين عليه السلام توبة الحر الذي جعجع به بالأمس، طلب منه الإمام عليه السلام النزول من فرسه ليأخذ موضعه في المعسكر، فقال له الحرّ قولته التي تحكي بطولته وصدقه في توبته: «أنا لك فارساً خير مني راجلاً، أُقاتلهم على فرسي ساعة، وإلى النزول ما يصير آخر أمري. فقال له الحسين عليه السلام : فاصنع ـ يرحمك الله ـ ما بدا لك»[57].
فما كان يسع الحرّ وقد قُبلت توبته أن يترجّل عن جواده، فمضى وهو نقي الثوب ليغمد سيفه في أجساد الطغاة، ويغتسل غسل التوبة بدماء كربلاء ويُكفِّن جسده برمالها.
النموذج الثالث: الأنصاريان سعد بن الحرث وأبو الحتوف
سعد بن الحرث الأنصاري وأخوه أبو الحتوف[58] كانا من أهل الكوفة وهما من مُحكّمة الخوارج، فخرجا مع عمر بن سعد إلى قتال الإمام الحسين عليه السلام .
فلمّا كان اليوم العاشر وقُتل أصحاب الحسين جعل الإمام عليه السلام ينادي: «ألا من ناصر فينصرني»، فسمعته النساء والأطفال، فتصارخن وسمع سعد وأخوه أبو الحتوف النداء من الحسين عليه السلام والصراخ من عياله؛ فمالا بسيفيهما مع الحسين على أعدائه، فجعلا يقاتلان حتى قتلا جماعة وجرحا آخرين، ثم قُتلا معاً في مكان واحد[59].
وقد شاء الله تعالى أن يختم لهما بالسعادة الأبدية بعد أن كانا من أهل الباطل، وإنّما الأُمور بخواتيمها، وبذلك قد ضربا مثلاً عظيماً في الرجوع من الباطل إلى الحق، وأيّ باطل كانا عليه، إنه الباطل القائم على إعلان حرب لا هوادة فيها على أمير المؤمنين علي عليه السلام وأولاده وشيعته، ليتحوّلا إلى ولايته ونصرته والاستشهاد بين يدي ابن بنت رسول الله صلوات الله عليه.
خامساً: مواقف استثنائية لا نظير لها
الموقف الأول: يا نفس من بعد الحسين هوني
لما رأى أبو الفضل العباس وحدة أخيه الحسين عليه السلام بعد قتل أصحابه وجملة من أهل بيته، قال لإخوته من أُمه: تقدّموا لأحتسبكم عند الله تعالى. فتقدّموا حتى قُتلوا، فجاء إلى الحسين عليه السلام واستأذنه في القتال. فقال له: أنت حامل لوائي. فقال أبو الفضل: لقد ضاق صدري وسئمت الحياة. فقال له الحسين: إن عزمت فاستسق لنا ماءً. فأخذ قربته وحمل على القوم حتى ملأ القربة، واغترف من الماء غرفة ثم ذكر عطش الحسين عليه السلام فرمى بها وقال[60]:
وبعده لا كنت أن تكوني | يا نفس من بعد الحسين هوني | |
وتشربين بارد المعين | هذا الحسين وارد المنون |
إنَّ لوعة العطش لم تُنسه عطش قائده وسيده، فمنعته غيرته، ومنعه وفاؤه، ومنعته جنديته المُخلصة والخالصة عن أن يُقدّم نفسه على مولاه، فيا نفس من بعد الحسين هوني.
الموقف الثاني: يا سيدي يا بن رسول الله هل وفيت؟
لما حضر وقت صلاة الظهر أمر الإمام الحسين صلوات الله عليه زهير بن القين، وسعيد بن عبد الله الحنفي أن يتقدّما أمامه مع نصف مَن تخلَّف معه، ثم صلّى بهم صلاة الخوف، وتقدّم سعيد بن عبد الله فوقف يقيه السهام بنفسه، فما زال عنه وما تخطّى قيد أنملة حتى سقط إلى الأرض مضرَّجاً بدمائه الزكية وهو يقول: اللّهم، العنهم لعن عادٍ وثمود، اللّهم، أبلغ نبيّك عنّي السلام، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت ثوابك في نصرة ابن بنت نبيِّك، ثم قضى نحبه رضوان الله عليه[61].
وفي رواية: «إنّه لمّا سقط قال: يا سيدي يا بن رسول الله، هل وفيت؟ فاستعبر الإمام الحسين عليه السلام باكياً وقال: نعم، رحمك الله! وأنت أمامي في الجنّة»[62].
[1]* دكتور متخصص في علوم القرآن، أُستاذ في جامعة آل البيت عليهم السلام العالمية.
ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج 3 ص 250. وابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص 60.
[2] اُنظر: ابن شهر آشوب، محمّد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص250.
[3] تتكوَّن الماهية من جزأين، وهما: الجنس والفصل، فعند تعريفنا للإنسان تعريفاً حقيقيّاً لابدّ أن يكون بجنسه وهو الحيوان، وبفصله وهو الناطق، فنقول: (الإنسان حيوان ناطق)، والجنس هو الجزء المشترك، والفصل هو الجزء المختصّ.
[4] المائدة: آية52.
[5] محمد: آية20.
[6] الأنفال: آية60
[7] الأحزاب: آية13.
[8] الصف: آية10ـ12.
[9] الصف: آية13.
[10] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج6، ص249.
[11] لما أحسَّت السيّدة ديلم بنت عمرو زوجة زهير أنّ زوجها قد تباطأ بالاستجابة لدعوة الإمام إليه قالت له متعجّبة: «سبحان الله! أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه؟! لو أتيته فسمعت من كلامه». اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج 2 ص 73. وأبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين عليه السلام : ص 161.
[12] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص73. الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5 ص396. أبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين عليه السلام : ص75. وغيرها من المصادر.
[13] التوبة: آية40.
[14] اُنظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج14، ص234. الواقدي، محمد بن عمر، المغازي: ج1، ص263.
[15] الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج4، ص186، ح159.
[16] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص84، ح2.
[17] طه: آية84.
[18] اُنظر: الأزدي، أبو مخنف، وقعة الطف (مقتل الحسين عليه السلام ): ص142.
[19] الكوفي، محمد بن سليمان، مناقب الإمام أمير المؤمنين: ج2، ص270، ح 738.
[20] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص116، ح11.
[21]
إذ ورد
عنه‘هذا التعبير في روايات كثيرة. اُنظر: الطبري،
محمد بن جرير (الشيعي)، نوادر
المعجزات: ص81. ابن شهر آشوب، مناقب
آل أبي طالب: ج3، ص109. وغيرها من المصادر الكثيرة.
[22] اُنظر: التستري، جعفر بن الحسين، الخصائص الحسينيّة: ص21.
[23] اُنظر: ابن شهر آشوب، محمّد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص222.
أقول: بكى الأعرابي لمجرَّد احتماله أن يأكل التراب جود الحسين عليه السلام ، فكيف به في يوم اجتمع فيه اللئام على الكريم ابن الكرام، فتركوه مرمَّلاً بدمائه الزكية في عرصة كربلاء، مُلقىً على رمضائها مقطوع الرأس، ذبُلت شفاهه وتخشَّب لسانه من شدَّة العطش؟
[24] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص220.
[25] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص157.
[26] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص38.
[27] العاملي، عبد الحسين شرف الدين، المجالس الفاخرة: ص230. الشريفي، محمود، كلمات الإمام الحسين عليه السلام : ص407. الأشوس هو المقاتل الشديد الجريء في القتال، والأقعس هو الثابت الذي لا يلين.
[28] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص220.
[29] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج52، ص308. اليزدي الحائري، علي، إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: ج2، ص258.
[30] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال: ج1، ص293. المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الإمام الحسين عليه السلام : ص216.
[31] شرف الدين، عبد الحسين، المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة: ص231.
[32] اُنظر: ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص57.
[33] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص89.
[34] اُنظر: المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الإمام الحسين عليه السلام : ص209.
[35] اُنظر: ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص 162. والسماوي، محمد بن طاهر، إبصار العين في أنصار الحسين: ص 104.
[36] اُنظر: القرشي، باقر شريف، حياة الإمام الحسين عليه السلام : ج2، ص301.
[37] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص43.وأيضاً: شرف الدين، عبد الحسين، المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة: ص297.
[38] اُنظر: المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الإمام الحسين عليه السلام : ص151.
[39] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص326.
[40] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج3، ص326. وأيضاً: السماوي، محمد بن طاهر، إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام : ص179.
[41] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص27ـ 28. وأيضاً: المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الإمام الحسين عليه السلام : ص151.
[42] اُنظر: المصدر السابق: ص220.
[43] عَزَرة بن قيس الأحمسي، من قادة عمر بن سعد، أمره ابن سعد بالسير إلى الإمام الحسين عليه السلام ؛ ليسأله عمّا جاء به، فاستحيا عَزَرة؛ لأنّه كان ممّن كاتبه وبايعه، فسأل مَن معه من الرؤساء أن يلقوه فأبوا؛ لأنّهم كاتبوه، فلم يجد غير الحرّ الرياحي ليرسله؛ لأنّه لم يكاتب الإمام عليه السلام .
[44] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص316
[45] المصدر السابق: ص324.
[46] اُنظر: شرف الدين، عبد الحسين، المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة: ص226.
[47] اُنظر: السماوي، محمد بن طاهر، إبصار العين في أنصار الحسين: ص 166.
[48] الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص223.
[49] السماوي، محمد بن طاهر، إبصار العين في أنصار الحسين: ص 209.
[50] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج 6، ص 248 وص50. وأيضاً: ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج 3، ص250.
[51] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص80.
[52] المصدر السابق.
[53] المصدر السابق. وقيل: إنّ الإمام الحسين عليه السلام هو الذي رثاه بذلك. اُنظر: الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص223
[54] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص99.
[55] اُنظر: المصدر السابق: ج2، ص99ـ100.
[56] الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص223.
[57] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص100.
[58] وهو غير أبي الحتوف الجعفي الشقيّ الملعون الذي رمى الإمام الحسين عليه السلام بذلك السهم المشؤوم فوقع في جبهته الشريفة، فنزعه وسالت الدماء على وجهه ولحيته، فقال صلوات الله عليه: «اللّهم، إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة، اللّهم، أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً. ثم حمل عليهم كالليث المغضب، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلا بعجه بسيفه». اُنظر: البحراني، عبد الله، عوالم العوالم: ص294.
[59] اُنظر: السماوي، محمد بن طاهر، إبصار العين في أنصار الحسين: ص 159.
[60] اُنظر: السماوي، محمد بن طاهر، إبصار العين في أنصار الحسين: ص 162.
[61] اُنظر: شرف الدين، عبد الحسين، المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة: ص318.
[62] المصدر السابق.
اكثر قراءة