akdak

المقالات

قسم التأريخ

الآراميون

594

محمد حرب وعيد مرعي

التحركات الآرامية في المشرق القديم ونتائجها:

تبدو بدايات التاريخ الآرامي غامضة. حتى ان اسمي (آرام) و (آرامي) ما يزالان غير واضحين تماماً ويمكن ان نجد شواهد لغوية على هذا الاسم نصوص من عصر اور الثالثة، وحتى من عصر نرام سين (الدولة الاكدية). وعلى كل حال ليس من السهل تاريخيا التحدث عن وجود جماعات آرامية متميزة قبل عصر العمارنة كما يرى كل من إ. حلب وكوبر (1). ففي نصوص العمارنة تعثر على اسم مركب أخلامو – أرمايا (الأخلامو الآراميون). وربما كان الأخلامو هو أسلاف الآراميين، وان الآراميين تفرعوا بعدئذ عنهم (2).

إننا عندما نحاول دراسة تحركات هؤلاء الآراميين في بدايات تاريخهم ينبغي ألا يغرب عن البال انها تشكل حلقة او حلقات تتصل بما قبلها مت تحركات للبدو الذين انطلقوا في الماضي نحو المناطق الخصبة. ويربط ج. بوتشلاتي بين انطلاق الآراميين من البادية العربية السورية، وبخاصة من المناطق الواقعة بين تدمر وجبل بشري وانطلاق الاموريين قبل ذلك بأكثر من الف عام نحو شمال سورية وحوض الفرات ومن المناطق نفسها.

وقد كانت حركات البدو في المشرق القديم متصلة. وهي تصبح ممكنة عادة عندما يصل الحضر إلى درجة من الضعف تشجع البدو على التحرك باتجاه ومناطق الزراعة والأرياف والمدن العامرة. ومن هنا يمكن ان نفسر استقرار القبائل الآرامية في مناطق عديدة من سورية عامة عند اجتياح سواحل البلاد من قبل البحر وعند انهيار السلطة الحثية في الشمال وانسحاب المصريين من الجنوب. ولكن عند أواخر القرن الثاني عشر وعند منعطف القرن الحادي عشر بلغت الموجات الآرامية درجة من الاتساع وصل إلى حد الهجرة الواسعة الكثيفة. ويفهم من النصوص ومن نتائج بعض الدراسات الحديثة ان العوامل المناخية كانت لها نتائج اقتصادية دفعت بالقبائل الآرامية نحو المناطق الخصبة. ومع ذلك فان هذه العوامل الطبيعية لم تكن الوحيدة في تفسير التحرك الواسع للآراميين نحو 1085 – 1080 ولابد من التفكير بوجود تزايد ديموغرافي كبير كان قد تم احتواؤه مدة طويلة، ولكن تفجر بعد ذلك.

وقد اتخذت ضغوط الآراميين شكلا من الاتساع والشدة في زمن تكلات بلاصر (توكولتي – بل – ايسارا) الأول، الذي كان عاهلا محاربا وصل بفتوحاته إلى البحر المتوسط، مما أرغمه في بعض الفترات على التراجع إلى جبال تدعى جبال كتموحي ربما كانت في شمال الجزيرة. ولابد ان الهجمات الآرامية كانت كثيفة حتى اضطر الكثير من السكان المحليين في اشور إلى الفرات والالتجاء إلى معاقل يحتمون بها.

وقد بذل الملوك الأشوريون جهودا كبيرة لاحتوائها ولكن، فيما يبدو، دون نجاح كبير. فالملك تكلات بلاصر الأول (1115 – 1077) أمضى العقود الثلاثة الأولى من حكمه في حملات متلاحقة على الآراميين ومواقعهم في غربي الفرات واضطر إلى اجتياز النهر ثماني وعشرين مرة في محاولاته المتكررة لضرب جموع الآراميين التي كان يصعب القبض عليها، وهو ان استطاع المضي في حركة هجوم معاكس قادته إلى شواطئ البحر المتوسط فإن اشور غرقت بعده في خضم الهجوم الآرامي. ونزلت قبائل آرامية وقبائل بدوية اخرى كقبائل السوتو في منطقة الفرات الأوسط ودخلت جماعات آرامية مدينة بابل نفسها نحو 1025 وقاموا بنهب المدينة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) J R Kupper، Nomades، p 112 -113

 (2) محمد حرب فررات، الآراميون عامل اقتصادي – سياسي. مجلة دراسات تاريخية العددان 19، 20 (1985).