akdak

المقالات

قسم التراجم

خروج نساء النبي (صلى الله عليه واله) من اية التطهير

920

باقر شريف القرشي .

ليس لنساء النبي (صلّى الله عليه وآله) أيُّ نصيب في هذه الآية ؛ فقد خرجن عنها موضوعاً أو حكماً كما يقول علماء الاُصول وللتدليل على ذلك نذكر ما يلي :

1 ـ إنّ الأهل في اللغة موضوع لعشيرة الرجل وذوي قرباه ولا يشمل الزوجة وأكّد هذا المعنى زيد بن أرقم حينما سُئل عن أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله) هل يشمل زوجاته؟ فأنكر ذلك وقال : لا وايم الله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها ؛ أهل بيته أصله وعصبته الذين حُرموا الصدقة بعده .

2 ـ إنّا لو سلّمنا أنّ الأهل يشمل الزوجة ويطلق عليها فلا بدّ من تخصيصه بالأخبار المتقدّمة ؛ فإنها توجب التخصيص من دون شكّ فقد بلغت حدّ التواتر اللفظي أو المعنوي.

وهناك جماعة من صنائع بني اُميّة ودعاة الخوارج حاولوا صرف الآية عن العترة الطاهرة واختصاصها بنساء النبي (صلّى الله عليه وآله) ؛ متمسّكين بسياق الآية ومن الذاهبين إلى ذلك عكرمة ومقاتل بن سليمان ؛ وكان عكرمة من أشدّ الناس تحاملاً على أصحاب الكساء وكان ينادي بذلك في السوق وبلغ من إصراره وعناده أنه كان يقول : مَن شاء باهلته أنّها نزلت في أزواج النبي ؛ ومن الطبيعي أنّ نداءه في السوق وعرضه للمباهلة إنّما يدلّ على بغضه الشديد للعترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم ولا بدّ لنا من النظر في شؤون عكرمة ومقاتل حتى يتبيّن اندفاعهما لِما زعماه.

و عكرمة البربري هو أبو عبد الله المدني أصله من البربر كان مولى للحصين بن أبي الحر العنبري فوهبه لابن عباس لمّا ولي البصرة من قِبَل الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) وبقى رقّاً حتى توفّي ابن عباس فباعه علي بن عبد الله ثمّ استردّه ؛ وقد جُرح في عقيدته واتّهم في سلوكه ؛ فقد ذكر المترجمون له ما يلي :

1 ـ أنّه كان من الخوارج وقد وقف على باب المسجد فقال : ما فيه إلاّ كافر ؛ لأنّ الخوارج ذهبوا إلى كفر المسلمين ؛ أمّا موقفهم من الإمام أمير المؤمنين فمعروف بالنصب والعداء.

2 ـ أنّه عُرف بالكذب وعدم الحريجة منه وقد اشتهر بهذه الظاهرة ، فعن ابن المسيّب أنه قال لمولاه برد : لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس ، وعن عثمان بن مرة أنّه قال للقاسم : إنّ عكرمة حدّثنا عن ابن عباس كذا فقال القاسم : يابن أخي إنّ عكرمة كذّاب ؛ يحدّث غدوة حديثاً يخالفه عشيّاً .

ومع اتّهامه بالكذب لا يمكن التعويل على أيّ رواية من رواياته ؛ فإنّ اقتراف الكذب من أظهر الأسباب التي توجب القدح في الراوي.

3 ـ أنّه كان فاسقاً يسمع الغناء ويلعب بالنرد ويتهاون في الصلاة وكان خفيف العقل .

4 ـ أنّ المسلمين قد نبذوه وجفوه وقد توفّي هو وكثير عزة في يوم واحد فشهد الناس جنازة كثير ولم يشهدوا جنازته .

ومع هذه الطعون التي احتفت به كيف يمكن الاعتماد على روايته والوثوق بها؟ وقد اعتمد عليه البخاري وتجنّبه مسلم ؛ قال البخاري : ليس أحد من أصحابنا إلاّ وهو يحتجّ بعكرمة ومن الغريب أنّ البخاري يعتمد في رواياته على عكرمة وأمثاله من المطعونين في دينهم ويتحرّج من رواية العترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم.

أمّا مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني فهو كصاحبه عكرمة كان متّهماً في دينه وذكر المترجمون له ما يلي :

1 ـ أنّه كان كذّاباً ؛ قال النسائي : كان مقاتل يكذب وكذلك ؛ قال وكيع: وقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي : أخرجت خراسان ثلاثة لم يكن لهم نظير يعني في البدعة والكذب : جهم ومقاتل وعمر بن صبح ؛ وقال خارجة بن مصعب : كان جهم ومقاتل عندنا فاسقَين فاجرين ومع اتّهامه بالكذب لا يصحّ الاعتماد على روايته ويسقط حديثه عن الاستدلال به.

2 ـ أنّه كان متّهماً في دينه وكان يقول بالتشبيه .

قال ابن حبان : كان مقاتل يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم وكان مُشبّهاً يشبّه الرب سبحانه بالمخلوقين وكان يكذب في الحديث ؛ وقد استحلّ بعض الأخيار دمه. يقول خارجة : لم استحلّ دم يهودي ولا ذمّي ولو قدرت على مقاتل بن سليمان في موضع لا يرانا فيه أحد لقتلته .

3 ـ عُرف مقاتل بالنصب والعداء لأمير المؤمنين (عليه السّلام) وكان دأبه صرف فضائل الإمام (عليه السّلام) وقد اُثر عن الإمام أنّه كان يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ؛ فأراد مقاتل أن يجاريه في ذلك فكان يقول : سلوني عمّا دون العرش ؛ فقام إليه رجل فقال له : أخبرني عن النملة أين أمعاؤها؟ فسكت ولم يطق جواباً ، وقال مرة : سلوني عمّا دون العرش ، فقام إليه رجل فقال له : أخبرني مَن حلق رأس آدم حين حجّ؟ فحار ولم يطق جواباً .

وهذه البوادر تدلّ على فساد آرائه وعدم التعويل على أيّ حديث من أحاديثه.

استدلّ عكرمة ومقاتل بسياق الآية على أنّها نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله) ولا تشمل أهل بيته وقد عرض الإمام شرف الدين بصورة موضوعية إلى إبطال ذلك ؛ قال (رحمه الله) : ولنا في ردّه وجوه :

الأوّل : إنّه اجتهاد في مقابل النصوص الصريحة والأحاديث المتواترة الصحيحة.

الثاني : إنّها لو كانت خاصّة في النساء كما يزعم هؤلاء لكان الخطاب في الآية بما يصلح للإناث ولَقال عزّ مَن قائل : عنكنّ ويطهّركنّ كما في غيرهما في آياتهن ؛ فتذكير ضمير الخطاب فيها دون غيرها من آيات النساء كافٍ في ردّ تضليلهم.

الثالث : إنّ الكلام البليغ يدخله الاستطراد والاعتراض وهو تخلّل الجملة الأجنبية بين الكلام المتناسق كقوله تعالى في حكاية خطاب العزيز لزوجته إذ يقول لها : {إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} [يوسف: 28، 29]  فقوله : {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} مستطرد بين خطابيه معها كما ترى ؛ ومثله قوله تعالى : {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 34، 35] فقوله : {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} مستطرد من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس ؛ ونحوه قوله عزّ مَن قائل : {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } [الواقعة: 75، 77]  تقديره أفلا أقسم بمواقع النجوم إنّه لقرآن كريم وما بينهما استطراد على استطراد وهذا كثير في الكتاب والسنّة وكلام العرب وغيرهم من البلغاء.

وآية التطهير من هذا القبيل جاءت مستطردة بين آيات النساء فتبيّن بسبب استطرادها أنّ خطاب الله لهنّ بتلك الأوامر والنواهي والنصائح والآداب لم يكن إلاّ لعناية الله تعالى بأهل البيت أعني الخمسة ؛ لئلاّ ينالهم ولو من جهتهن لَوم أو ينسب إليهم ولو بواسطة هناة أو يكون عليهم للمنافقين ولو بسببهن سبيل ؛ ولولا هذا الاستطراد ما حصلت النكتة الشريفة التي عظمت بها بلاغة الذكر الحكيم وكمل إعجازه الباهر كما لا يخفى .

ورأي الإمام شرف الدين رأي وثيق فقد قطع به تأويل المتأوّلين ودحض به أوهام المعاندين وتمّت به الحجّة على المناوئين.