المقالات
القسم الولائي
الإمام الحسن (عليه السّلام)
هو ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنّة
وسبطه الأوّل ، وكانت ولادته في النصف من شهر رمضان المبارك للسنة
الثالثة من الهجرة ، وقد شوهدت في طلعته شمائل النبوّة وأنوار
الإمامة ، وهو أوّل مولود سعدت به الاُسرة النبوية ، فقد عمّها
السرور بهذا المولود المبارك .
وقد سارع النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى بيت بضعته وحبيبته السيدة
فاطمة الزهراء (عليها السّلام) فهنّأها بوليدها ، وأجرى عليه مراسيم
الولادة الشرعيّة فأذّن في اُذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، فكان
أوّل صوت اخترق سمعه صوت جدّه العظيم داعية الله في الأرض ،
واُنشودة ذلك الصوت : الله أكبر ، لا إله إلاّ الله .
وهل في دنيا الوجود كلمات هي أسمى وأعظم من هذه الكلمات ، وقد غرسها
النبي (صلّى الله عليه وآله) في قلب وليده لتكون منهجاً له في حياته
؟
وفي اليوم السابع من ولادته عقّ عنه النبي (صلّى الله عليه وآله)
بكبش ، وحلق رأسه ، وتصدّق بزنة شعره فضّة على المساكين ، وكان ذلك
سنّة في الإسلام لكلّ وليد .
تسميته
وأقبل النبي (صلّى الله عليه وآله) على الإمام أمير المؤمنين (عليه
السّلام) ، فقال له : هل سمّيت الوليد المبارك ؟ .
فأجابه الإمام بأدبٍ واحترام قائلاً : ما كنت لأسبقك يا رسول الله
.. . وانبرى النبي (صلّى الله عليه وآله) قائلاً : ما كنت لأسبق
ربّي .
وهبط الوحي على النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو يحمل تسميته من
السماء ، قائلاً : سمّه حسناً.
وكفى بهذا الاسم جمالاً وعظمةً أنّ الخالق العظيم هو الذي اختاره
لسبط النبي وريحانته .
وكنّاه النبي (صلّى الله عليه وآله) ( أبا محمّد ) ، ولا كنية له
غيرها .
أمّا ألقابه فهي : السبط ، الزكي ، المجتبى ، السيّد ، التقي
.
أمّا ملامحه فكانت تحكي ملامح جدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله) ،
تقول عائشة : مَنْ أحبّ أن ينظر إلى رسول الله (صلّى الله عليه
وآله) فلينظر إلى هذا الغلام ، يعني الحسن (عليه السّلام)
.
ويقول أنس بن مالك : لم يكن أحد أشبه بالنبي (صلّى الله عليه وآله)
من الحسن بن علي .
لقد كان الإمام الحسن (عليه السّلام) صورة مشرقة عن جدّه الرسول
الأعظم (صلّى الله عليه وآله) لا في ملامحه وصورته فحسب ، وإنّما
كان يحكيه في نزعاته وصفاته ، ومعالي أخلاقه التي امتاز بها على
سائر النبيّين .
ونتحدّث ـ بإيجاز ـ عن بعض مظاهر شخصية الإمام الحسن (عليه السّلام)
، وهي :
الحلم : من ذاتيات الإمام السبط ( الحلم ) ، فقد كان من أحلم الناس
، وقد تعرّض لموجات عاتية من الإساءة من الاُسرة الاُمويّة التي
اُترعت نفوسها بالحقد والكراهية لآل النبي (صلّى الله عليه وآله) ،
فما قابل الإمام أحداً بإساءة ، وإنّما كظم غيظه .
وقد شهد مروان بن الحكم وهو من أخبث الناس وأشدّهم عداوة للإمام
الحسن (عليه السّلام) بعظيم حلمه ، فقد أسرع بعد وفاته إلى حمل
جثمانه ، فقيل له : أتحمل جثمانه وكنت تجرّعه الغصص ؟! فأجاب : إنّي
أحمل جثمان مَنْ كان يوازي حلمه الجبال .
لقد كان الحلم من أبرز عناصره النفسيّة ، وقد أجمع الرواة على أنّه
كان من أوسع الناس صدراً ، وأنّه ما جازى مَنْ أذنب في حقّه ،
وإنّما قابله بالبرّ والإحسان ؛ شأنه في ذلك [شأن] جدّه الرسول
(صلّى الله عليه وآله) الذي وسع الناس جميعاً بمعالي أخلاقه .
الجود : وكان الإمام السبط من أندى الناس كفاً ، ومن أكثرهم برّاً
وإحساناً للفقراء ، وكان لا يرى للمال قيمة سوى ما يرد به جوع جائع
أو يكسو عريانَ .
وقد حفلت مصادر التأريخ والتراجم بذكر بوادر كثيرة من كرمه وسخائه ،
وقد لُقّب (عليه السّلام) بـ (كريم أهل البيت) ، وهم من معادن الكرم
والجود .
سمو الأخلاق : ومن عناصر الإمام الحسن (عليه السّلام) سمو الأخلاق ،
فكان آية من آيات الله العظام في هذه الظاهرة الفذة .
ومن معالي أخلاقه أنّه كان يوقّر ويحترم كلّ مَنْ قصده ، ولا يُفرّق
بين القريب والبعيد ، وكان يواسي الناس في مصائبهم ، ويشاركهم في
مسرّاتهم ، ويوقّر الكبير ، ويحنو على الصغير ، ويعطف على الضعيف ،
وكان للمسلمين أباً رؤوفاً ، وكهفاً حصيناً ، يلجأ إليه غارمهم ،
ويفزع إليهم مظلومهم .
وقد شابه جدّه الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في سموّ أخلاقه
التي مدحه الله تعالى بها ، قال الله عزّ وجلّ : {وَإِنَّكَ لَعَلَى
خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] .
هذه بعض صفات الإمام الحسن (عليه السّلام) ، وقد ألمحنا إلى الكثير
منها في كتابنا (حياة الإمام الحسن) .
نشأت سيدة النساء زينب (عليها السّلام) مع أخيها الإمام الحسن (عليه
السّلام) ، وقطعت شوطاً من حياتها مع هذا الإمام العظيم ريحانة رسول
الله (صلّى الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنّة ، وتطبّعت
بأخلاقه وآدابه ، وكان يجلّها كثيراً ، ويحدب عليها ويقابلها بمزيد
من الرعاية والعناية ؛ فقد رأى جدّه وأبويه قد أحاطوها بكلّ تبجيل
واحترام ، وأشادوا بمواهبها وفضائلها ، وقدّموها على بقيّة السيّدات
من نساء أهلها وقومها .
هذه لمحة موجزة عن علاقة الإمام الحسن بشقيقته السيدة زينب (عليها
السّلام) .
اكثر قراءة