akdak

المقالات

قسم الأدب و اللغة

التشبيه الضمني

23181

د . عبد العزيز عتيق

التشبيه الضمني : تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة ، بل يلمحان في التركيب . وهذا الضرب من التشبيه

ص101

يؤتى به ليفيد أن الحكم الذي أسند إل المشبه ممكن .

 

وبيان ذلك أن الكاتب أو الشاعر قد يلجأ عند التعبير عن بعض أفكاره إلى أسلوب يوحي بالتشبيه من غير أن يصرح به في صورة من صوره المعروفة .

ومن بوعث ذلك التفنن في أساليب التعبير ، والنزوع إلى الابتكار والتجديد ، واقامة البرهان على الحكم المراد اسناده إلى المشبه ،والرغبة في اخفاء معالم التشبيه ؛ لأنه كلما خفي ودقّ كان أبلغ في النفس .

ولنأخذ مثالا لذلك ، وهو قول أبي فراس الحمداني :

سيذكرني قومي إذا جد جدهم   وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

فهو هنا يريد أن يقول : إن قومه سيذكرونه عند اشتداد الخطوب و الأهوال عليهم ويطلبونه فلا يجدونه ، ولا عجب في ذلك لأن البدر يفتقد ويطلب عند اشتداد الظلام .

فهذا الكلام يوحى بأنه تضمن تشبيها غير مصرح به ؛ فالشاعر يشبه ضمنا حاله وقد ذكره قومه وطلبوه فلم يجدوه عندما ألمت بهم الخطوب بحال البدر يطلب عند اشتداد الظلام . فهو لم يصرح بهذا التشبيه و إنما أورده في جملة مستقلة وضمنه هذا المعنى في صورة برهان .

ولنأخذ مثالا آخر وهو قول البحتري :

ضحوك إلى الأبطال وهو يروعهم

                                       وللسيف حد حين يسطو ورونق 

 

 

فممدوح البحتري يلقى الشجعان بوجه ضاحك وهو يروعهم ويفزعهم في الوقت ذاته ببأسه وسطوته ، وكذلك السيف له عند القتال والضرب رونق وفتك ، و هذا كلام يُشم منه رائحة التشبيه الضمني .

ص102

فالبحتري لم يأتِ بالتشبيه صريحا فيقول : إن حال الممدوح يضحك في غير مبالاة عند ملاقاة الشجعان و يفزعهم ببأسه وسطوته تشبه حال السيف عند الضرب له رونق و فتك ، ولكنه أتى بذلك ضمنا ، لباعث من البواعث السابقة .

ولنأخذ مثالا ثالثا وهو قول ابن الرومي :

قد يشيب الفتى وليس عجبا

                          أن يُرى النور في القضيب الرطيب (1)

 

 

فابن الرومي يود أن يقول هنا  : قد يعتري الفتى الشيب في ريعان شبابه ، وليس ذلك بالأمر العجيب لأن الغصن الغض  الندي قد يظهر فيه الزهر الأبيض قبل أوانه .

فالأسلوب الذي عبر به ابن الرومي عن فكرته هنا يتضمن تشبيها لم يصرح به ، فإنه لم يقل مثلا : إن الفتى وقد شاب مبكرا كالغصن الغض الرطيب وقد أزهر قبل أوانه ، ولكنه أتى بالتشبيه ضمنا ، لإفادة أن الحكم الذي أُسند للمشبه أمر ممكن الوقوع .

و لنأخذ مثلا أخيرا وهو قول أبي تمام :

 لا تنكري عطل الكريم من الغنى  السيل حرب للمكان العالي

يريد أبو تمام أن يقول لمن يخاطبها : لا تنكري خلو الرجل الكريم من الغني ، فإن ذلك ليس غريبا ؛ لأن قمم الجبال وهي أعلى الأماكن لا يستقر فيها ماء السيل .

فالكلام يوحي بتشبيه ضمني ، ولو صرح به لقال مثلا : إن الرجل الكريم المحروم الغني يشبه قمة الجبل وقد خلت من ماء السيل . ولكن

 

ص103

 

الشاعر لم يقل ذلك صراحة  ، و إنما أتى بجملة مستقلة وضمنها هذا المعنى في صورة برهان على إمكان وقوع ما أسنده للمشبه .

 

 

وفيما يلي طائفة من أمثلة التشبيه الضمني :

1- قال المتنبي :

وما أن منهم بالعيش فيهم    ولكن معدن الذهب الرغام (2)

 

المشبه حال الشاعر لا يعد نفسه من أهل دهره  و إن عاش بينهم ،

و المشبه به حال الذهب يختلط بالتراب ، مع أنه ليس من جنسه .

2- وقال أيضا :

ومن الخير بطء سيبك عني   أسرع السحب في المسير الجهام ُ(3)

المشبه حال العطاء يتأخر وصوله ويكون ذلك دليلا على كثرته  ، والمشبه به حال السحب تبطئ في السير ويكون ذلك دليلا على غزارة مائها .

 

3- وقال أبو العتاهية :

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها   إن السفينة لا تجري على اليبس

المشبه حال من يرجو النجاة من عذاب الآخرة و لا يسلك مسالك النجاة ، والمشبه به حال السفينة التي تحاول الجري على الظارض اليابسة .

4- وقال ابن الرومي :

ص104

 

ويلاه إن نظرت و إن هي أعرضت      وقع السهام ونزعهن أليم

 

المشبه حال المحبوبة إذا نظرت و إذا أعرضت ، والمشبه به حال السهام تؤلم إذا وقعت وتؤلم إذا نُزعت .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النور : الزهر الأبيض ، والقضيب الرطيب : الغصن الغض الندي .

(2) الرغام : التراب .

(3) السيب : العطاء ، والجهام : السحاب لا ماء فيه .