akdak

المقالات

القسم الولائي

الإمام الحسين في شعر أدونيس

212

فاطمة فائزي

تعدّ شخصية الإمام الحسين من أبرز شخصيات الثورات والدعوات النبيّلة، ومن أكثر شخصيات الموروث التاريخي شيوعاً في الشعر المعاصر ، فقد رأى فيه الشعراء المعاصرون الممثل الفذ للفضيلة والنبل والمصلح الكبير الذي يعرف سلفاً أن معركته مع قوى الباطل خاسرة عسكرياً ولكن ذلك لم يمنعه من أن يبذل دمه الطاهر موقناً أن هذا الدم هو الذي سيحقق لقضيته الانتصار والخلود، وأنّ في استشهاده انتصاراً له ولقضيّته.

وإلى جانب هذا المدلول العام لشخصية الحسين (عليه السلام)، عبّر الشعراء عن قضية أخرى في حياة الحسين، وهي تفرّد أصحاب الدعوات الكبرى ووحدتهم وسلبية الجماهير إزاءهم وإزاء دعوتهم، لأنّ القضايا الجليلة لا يقوى على حملها إلا المجاهدون الكبار.

وقد استحضر الشاعر أدونيس هذه الخصائص في شخصية الإمام الحسين فقدّم الحسين (الرمز) والبطل والعظيم والشجاع بدلالات القيم النفسية والحسية فالحسين (عليه السلام) في شعر أدونيس بطل التراجيديا وليس مجرد بطل التاريخ الحقيقي وقد تحوّلت الحقيقة التاريخية عند الشعراء إلى أسطورة... فخلق أدونيس من الأسطورة ومن رؤيته حالة جديدة للبطل وهي حالة الحضورالحسي الوجداني، وأصبح التلاحم بين الحسين (عليه السلام) والجمهور المشبع بذكراه تمرّ من خلال قصيدة بعد أن كان يمرّ من خلال التاريخ والسيرة الشعبية.

فالحسين يحنو عليه كل حجر , وتنام كل زهرة عند كتف الحسين، كقول الشاعر في قصيدته (مرآة الشاهد):

(وحينما استقرَّتِ الرّماحُ في حشاشةِ الحسين

وازينّتِ بجسدِ الحسين

وداستِ الخيولُ كلَّ نقطةٍ في جسدِ الحسين

واستلبتْ وقسَّمتْ ملابسَ الحسين

رأيتُ كلَّ حجرٍ يحنو على الحسين

رأيتُ كلَّ زهرةٍ تنامُ عند كتفِ الحسين

رأيتُ كلَّ نهرٍ يسيرُ في جنازةِ الحسين)

يعبّر الشاعر أدونيس في هذا المقطع عن أنّ استشهاد الحسين قد أحدث أثره في كلّ مظاهر الوجود ، وكما أنّ نص أدونيس الشعري يتناصّ مع الحادثة التي تروي مقتل الحسين ، فقد نقل لنا أجواء المأساة ، حيث راحت كل الأشياء تشارك في هذا الموقف ـ الحجر، الزهرة، النهر ـ الذي يجسّد موقف التعاطف معه، كما عبر في هذه القطعة عن الخيانة التي تجسدت بأبشع صورها في قتلة الحسين وانعدام المروءة والفضيلة، فاستشهاد الحسين في سبيل الحق هو رمز لنضال الإنسان ووقوفه بوجه الباطل ، ومن خلال هذه الوقفة التي وقفها الحسين يدعو أدونيس الإنسان إلى أن يفيق من جهله ويثور على الباطل ليستعيد مكانته وقيمه الأخلاقية الرفيعة في المجتمع.

زين العابدين (عليه السلام) في شعر أدونيس

رصد الشاعر أدونيس وقائع الثورات التي قامت ضد الخلافة الأموية ، واستعرض كفاح الإمام زين العابدين (عليه السلام) في سبيل الحق، وقد أخذ موقعاً متميزاً في شعر أدونيس لأهميته من وجهتي النظر التاريخية والفنية. يقول الشاعر:

(مولاي، زين العابدين...

أنا جمرُ ثورتِكَ... انفجر

غيِّر نداءَك، وانفجر...

... ورأيتُ أنّي صيحة ترثُ الضحايا

و رأيتُ أنّ الجوعَ يرفعني تحيّة

لدمِ الضّحايا

للبائسينَ الطالعين من الأزقّةِ والزّوايا

موجاً يُضيء العالمين...

مولاي زين العابدين

لغتي تنوءُ كأنّ فوقَ حروفِها حجراً وطين

فبأيِّ جانحةٍ أطوفُ، بأيِّ موجٍ أستعين)

هنا يحسّ الشاعر بالأسى والحزن والندم تجاه ما يحصل في الأمة العربية والمجتمع العربي الذي يتآكل من الداخل بسبب النزاعات السياسية والقضايا الاجتماعية ، فالنّكبات التي تحصل في الأمة العربية بسبب عدم البصيرة والعقول المتزمّتة قد أثقلت كاهلها، فلهذا يبحث الشاعر عن مخلّص ينقذه من مآسيه، ويبعث الحياة من جديد بدمه الأسطوري الأحمر ، وقد وجد في الإمام زين العابدين رمز للحرية والشهادة والانبعاث، وهو بمثابة ملاذ آمن للشاعر يحاوره الشاعر ويخاطبه، راجياً أن يجد عنده بريق الخلاص والطمأنينة.

والشاعر يشعر بأنّه عاجز عن التفكير بالحقيقة وهو يطوف حول هذا المخلّص (الامام زين العابدين) بحزن شديد، يلتمس منه الحياة والأمل لقلبه الميت والمكتئب ، فزين العابدين مثل أبيه الإمام الحسين الأمل الوحيد لبعث الحياة الجديدة والحرية إلى العالم، وشجاعته وكفاحه هما الدواء اللذي سيضمد جروح المظلومين والأبرياء، وهو رمز الانتصار للقدرة الحقيقية والخالدة لدم الشهداء والمناضلين.

زيد بن علي في شعر أدونيس

تتنوّع صور الاستعمال وتوظيف الشخصيات التاريخية كثيراً في قصائد أدونيس ، فنجد مثلاً تعامل الشاعر مع (زيد بن علي) إذ يعمد إلى الملمح الخاص من هذه الشخصية ليعبّر عن تجربته في معادلة تتلاحم فيها الذات مع الموضوع، فيقول:

(بعد لحظةٍ رأوه معلّقاً

يُحرقُ فوق الماء

ينثرُ فوق الرّماد)

يعيدنا أدونيس في هذه الجملة إلى أجواء قتل زيد بن علي، وما يكتنف هذه الأجواء من تراجيديا رافقت قتله بعد قمع ثورته التي قام بها عام (122هـ) وهو يدعو إلى كتاب الله وإنصاف المظلومين ، فقتل وصلب وأخذ رأسه إلى دمشق وصلب على بابها، ثمّ أرسل إلى المدينة وصلب ببابها، وبقي مصلوباً حتى سنة (125هـ) حيث أمر (الوليد بن يزيد) بحرقه ونسفه في اليمِّ نسفاً.

وقد حاول أدونيس في تعامله مع هذه الشخصية أن يتجاوز معطيات الماضي، ويضفي عليها بُعداً جديداً، حين يقول:

(الجسمُ يصاعدُ في رماد

مهاجرٌ كالغيمةِ الخفيفة

و الرأسُ وحيُ نار

عن زمنِ الغيوبِ والثورةِ والثوار)

يبيّن أدونيس أنّه رغم من قتل وصلب زيد بن علي وحرقه ونثر رماد جثته فوق الماء إلا أنه لم يمت، بل بقي رمزاً إلى الأبد.