akdak

المقالات

القسم الولائي

زيارة الإمام زين العابدين لمرقد امير المؤمنين

360

د.صلاح الفرطوسي

لا شك ان وَقْع مصاب واقعة الطف على الامام زين العابدين عليه السلام لا يعد كمثله مصاب، ولا أستبعد ان تكون الرواية التي ذكرها ابن طاووس في (فرحة الغري 2/57) التي تذهب الى اعتزال الامام في خيمة خارج المدينة لكي ينفرد بعبادته واحزانه قريبة الى الواقع، وقد يكون اتخذ من جوار قرية بليد التي لا تبعد عن المدينة كثيرا معتزلا له عليه السلام.

فقد ذكر ياقوت في معجم بلدانه 1/493، انها (ناحية قرب المدينة بوادي يدفع، وهي قرية لآل علي بن ابي طالب رضي الله عنه) ولا يستبعد مطلقا ان تلك الاحزان العارمة دفعته الى زيارة ابيه وجده واهل بيته عليهم السلام الذين تركهم صرعى على رمضاء كربلاء كي يجدد العزاء بهم، ويطفئ حر سعير احزانه بالبكاء على قبورهم. وقد ذكر ابن طاووس روايات عدة بشأن زيارته قبر جده عليه السلام، منها رواية عن جابر بن يزيد الجعفي عن الامام ابي جعفر محمد الباقر عليه السلام قال: (مضى ابي علي بن الحسين عليه السلام الى قبر امير المؤمنين عليه السلام بالمجاز -وهو من ناحية الكوفة- فوقف عليه، ثم بكى وقال..) ثم ذكر ابن طاووس في الفرحة( 2/57) طريقاً اخر للزيارة السابقة عن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام، وفي اطار الرواية السابقة ذكر الجعفي ان الامام الباقر عليه السلام قال: (كان علي بن الحسين عليه السلام قد اتخذ منزله بعد مقتل ابيه الحسين بن علي عليهما السلام بيتا من الشعر، واقام بالبادية، فلبث بها عدة سنين كراهية لمخالطة الناس وملابستهم.

وكان يصير من البادية بمقامه بها الى العراق زائرا لأبيه وجده عليهما السلام، ولا يشعر بذلك من فعله، قال محمد بن علي: (فخرج عليه السلام متوجها الى العراق لزيارة امير المؤمنين وانا معه، وليس معنا ذو روح الا الناقتين، فلما انتهى الى النجف من بلاد الكوفة، وصار الى مكان منه فبكى حتى اخضلت لحيته بدموعه ثم قال..) والرواية السابقة ان صح سندها عن الامام الباقر فانها توثق ايضا زيارته الضريح المقدس برفقة ابيه عليه السلام، وما زال احد المقامات في النجف الاشرف ينسب الى الامام السجاد عليه السلام، وروى الشيخ حرز الدين في كتابه (معارف الرجال 1/257) عن مصادره انه في محلة المسيل غربي النجف مما يلي الجرف، وقال: ان الامام علي بن الحسين لما جاء الى زيارة قبر جده امير المؤمنين عليه السلام نزل في ذلك الموضع، ليوهم من رآه انه جاء حاجا الى بيت الله الحرام من هذا الطريق العام ببادية العراق، وانه يريد الوضوء من القليب -البئر- والقليب يقع قرب المقام، وذكر ايضا انه في حدود الألف للهجرة اوصلوه بمياه الآبار التي حفرها الشاه عباس الصفوي، وفي رحبة المقام دفن بعض المؤمنين منهم جدنا (الشيخ حسن ابن الشيخ عيسى ابن الشيخ حسن الفرطوسي النجفي المعروف بالفرطوسي الكبير) الذي ترجم له تلميذه الشيخ محمد في كتابه المذكور (1/255-275).

الزيارة برفقة الثمالي
وذكر ابن طاووس في المصدر السابق(2/58) رواية ثالثة مفادها ان زين العابدين عليه السلام زار ضريح جده عليه السلام ايضا برفقة ابي حمزة الثمالي صاحب الدعاء المشهور، وفيها قال ابو حمزة: (فسرت في ظل ناقته يحدثني حتى اتينا الغريين -وهي بقعة بيضاء تلمع نورا- فنزل عن ناقته ونزع خفيه وقال: يا ابا حمزة، هذا قبر جدي علي بن ابي طالب عليه السلام، ثم زاره بزيارة..) ولا يوجد مسوغ لاستبعاد الروايات السابقة مطلقا او التشكيك بصحتها بعد المصيبة الكبرى التي ألمت به عليه السلام، ولا شك انه كانت فوق القبر علامة أو شاخص من حجر أو ما الى ذلك يستدل بها عليه عند زيارته، كما سيأتي لاحقاً.

حشود من الشيعة تزور القبر
ولا أستبعد انه بعد ان هبت رياح الضعف على الدولة الاموية في العقد الثالث من القرن الثاني الهجري، وكثرت الخلايا التي تستعد لاقتلاع البيت الاموي من جذوره بدأت أسراب من شيعة أهل البيت بزيارة قبر أمير المؤمنين عليه السلام، وأزعم أنه اصبح معلوما عند خاصتهم، بل ان قسما كبيرا منهم ممن زار المدينة المنورة في تلك الفترة استوضح الامامين الباقر والصادق عليهما السلام عن موضعه، فاعلماهم به، فقد وردت روايات كثيرة في (الفرحة 2/59-108) عن غير واحد سأل الامامين عن موضعه ولا يستبعد انهما حثاهم على زيارته، ولكنهما طلبا منهم الحيطة والحذر خوفا من انتباه عيون بني امية لتلك الزيارات فيعبثون بالجسد الطاهر.
وهناك رواية وردت في الصحيفة 19 من مزار الشيخ المفيد، ونقلها ابن طاووس في فرحته (2/86) -كما نقل غالب رواياته حول الضريح- ان صحت فستزيد من توثيق ما ذهبت اليه، انه جاء فيها (.. عن منيع بن الحجاج، عن يونس بن ابي وهب القصري، قال: دخلت المدينة فأتيت ابا عبد الله عليه السلام فقلت: جعلت فداك اتيتك ولم ازر امير المؤمنين عليه السلام، قال بئس ما صنعت، لولا انك من شيعتنا ما نظرت اليك، الا تزور من يزوره الله، ويزوره الانبياء، ويزوره المؤمنون).

رواية صفوان بن مهران الجمال
بل يستفاد من رواية عن صفوان بن مهران الجمال ان المكان لم يكن مجهولا حينما اصطحب الامام الصادق وعبد الله بن الحسن لزيارة جدهما الامام عليه السلام، فقد ذكر في نهاية الرواية (وهو القبر الذي يأتيه الناس هناك) والرواية تؤكد ذهاب الناس لزيارته قبل تلك المناسبة، ومن الطبيعي ان صحت أنها كانت في زمن السفاح وليست في زمن المنصور لأن العلاقة بين البيت الحسني عامة وبينه قد انقطعت وحلت مكانها القطيعة والقتل والتعذيب.
وتقترب منها رواية اخرى ذكرها ابن طاووس ايضا عن ابي العوجاء الطائي انه سأل الامام الصادق عن القبر الذي عندهم في الظهر (أهو قبر امير المؤمنين؟ قال: إي والله يا شيخ حقا) وهي في كتاب فضائل امير المؤمنين لابن عقدة 140، وأقدِّر ان الخبر كان ايضا في زمن ابي العباس السفاح، فقد ورد في الرواية ان ابا العوجاء ذكر ان الامام جعفر بن محمد عليه السلام مضى الى الحيرة برفقة غلامين فانتظره ابو العوجاء في صباح اليوم الثاني في مكان سماه فسلم عليه ورحب به وقدم له ماء باردا وتمرا وسأله عن القبر.

نشرت في الولاية العدد 88