المقالات
قسم الفقه
دور العلامة الحلي في تطور الدراسات الفقهية المقارنة
بين سنة(403- 545هـ) في الحلة الفيحاء، نشأت دولة صغيرة قوية أعادت
للعراق عزته واستقلاله ووحدته بعدما كان مشتتاً بفعل (السلاجقة)
وأذنابهم، واهتمت بالشؤون الادارية والعمرانية والثقافية فنشرت
العدل في البلاد وكانت تحترم العلماء والأدباء وتجزل لهم العطاء
لذلك انتعشت الحركة العلمية فيها.
لقد
اتخذ سيف الدولة صدقة بن منصور بن علي بن دبيس من الحلة عاصمة
لإمارته التي امتد نفوذها إلى البصرة وواسط والكوفة وهيت وعانة
وحديثة، وخضعت لها قوى القبائل، حتى انه قد نفي الشيخ الاكبر الشيخ
المفيد (ت413هـ) إليها في فترة ملتهبة من تأريخ بغداد. كان التوصيفُ
(الإمامي) لها أكثر وضوحاً في الدولة الحمدانية، ففي الشطر الأخير
من الدولة العباسية قامت دول عدة في المغرب والشام والموصل ومصر
وبعض شمال أفريقيا والعراق وايران، ولعل السمة السائدة والصفة
المشتركة بين هذه الدول انها شيعية.
والحلة
يومذاك موئل الأسر العلمية الشيعية كآل البطريق، وآل نما- آل طاووس
، وآل المطهر، آل معية وغيرها.
ونتيجة
لقيام (المزيدية) وتحرك العلماء في هذه الفترة سياسياً، اصبحت الحلة
مركزاً علمياً رئيساً وصارت فيها حوزة علمية
كبرى.
وكان
من اعلامها: العلامة الحلي وكفى بذلك فخراً فهو من الفقهاء المجددين
الذين كانوا يعدُون صياغة جديدة لمنظومة (الاجتهاد) ولهم قصب السبق
في إحداث منهجيةٍ متقدمةٍ سواءً على صعيد المباحثة والدراسة أو على
صعيد التدوين الفقهي.
ان
المعالجة التاريخية لتطور الدرس الفقهي من الموضوعية والاكاديمية
بمكان، إذ يعد العلامة جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي بن
المطهر(648- 726هـ) من أعلام الفقه الاسلامي في القرن (8 هـ) ليس
على صعيد المدرسة الإمامية فحسب إذ انه قرأ على جملة من علماء
المذاهب الاخرى وأجازوه، وهو بحق استاذ الفقهاء وكانت هذه الاسرة
الحليّة (ولوداً للفقهاء) كموطنها، فخاله المحقق الحلي (ت 676هـ)
وأخوه رضي الدين كان عالماً فاضلاً، والسيدان العميدان ابنا اخته
استاذا الشهيد الاول وهكذا… والمبرز الذي لا تفوتني الاشارة اليه هو
نجله فخر المحققين(ت771هـ)، الذي اجاز الشهيد الاول في الحلة وهو
ابرز أساتذته.
واما
تراث العلامة الفقهي فهو: تذكرة الفقهاء والقواعد ومنتهى المطلب في
تحقيق المذهب والمختلف وغيرها الكثير، وما يهمنا هن: التذكرة
والمختلف، فـ(التذكرة) من أضخم كتب الإمامية في الفقه الاستدلالي
المقارن يبدأ من الطهارة وينتهي بكتاب النكاح فهو بحق تذكرة للفقهاء
عموماً ولجميع المذاهب الاسلامية بدراسة مقارنة.
أما
(المختلف) فقد بحث فيه المسائل الخلافية بين فقهاء الشيعة بصورة
مستقلة أي انه (فقه مقارن) ضمن المذهب الامامي فقد كثر الاختلاف
العلمي بين فقهاء الإمامية لابتعادهم عن عصر النص او اختلافهم في
فهم النص وتفاوتهم في الايمان بسلامة بعض الروايات سنداًً او دلالة
فكان لابد للفقيه من الإحاطة والاستيعاب لمختلف وجوه الرأي في
المسألة الواحدة من أجل استنباط الحكم وكان (المختلف) من المحاولات
الرائدة في جميع المسائل المختلف فيها بين علماء
الامامية.
ان
الامتدادات الفقهية المؤثرة ظهرت ضمن تجليات عدة في الشهيد الاول
محمد بن مكي العاملي صاحب (اللمعة الدمشقية) فهو تلميذ (فخر
المحققين) من خلال منهجية (المقارنة التي طبعت نتاجات الشهيد
ولاسيما مع المذاهب الاخرى وكذلك في تصنيفه في القواعد الفقهية:
(القواعد والفوائد) الذي عدَّه بعض الباحثين سبّاقاً في هذا المضمار
بيد ان الجهود الحلية اسبق في (قواعد العلامة) وفي إيضاح الفوائد في
شرح اشكالات القواعد لابن العلامة فخر المحققين ولكن التأسيسات
النظرية كانت للشهيد الاول وقد اتّبع الشهيد الاول التبويب الفقهي
الذي بلورته المدرسة الحليّة: (عبادات، عقود، إيقاعات، أحكام) وهو
ما نراه في (لمعته) سُنَّةً جرى عليها الفقهاء الى يومنا
هذا.
ومن
اجل تعضيد البحث وتوثيق اطروحته نذكر ما وصفه به معاصره ابن داود
الرجالي المعروف آنذاك بقوله: (انتهت رئاسة الامامية اليه في
المعقول والمنقول)، ومن المذاهب الاخرى ذكره ابن حجر في لسان
الميزان: (علامة الشيعة وامامهم ومصنفهم).
في
عام (726هـ) انتقل الى رحاب بارئه (جل وعلا) ودفن في الحرم العلوي
المطهّر في الرواق الصغير جنب المئذنة الشمالية، فسلام عليه يوم ولد
ويوم توقف قلمه ويوم يبعث حياً.
نشرت في الولاية العدد 80
اكثر قراءة