المقالات
قسم الفقه
حكم الإشارات في الفقه الاسلامي
يعير الفقه الإسلامي للإشارات أهمية كبيرة وتعد الإشارة من الدوال على الكثير من الإيقاعات التي تستلزم أحكاما معينة، وقالوا: الإشارة إذا أطلقت دخلت تحتها الأفعال وكيفياتها، لأن كيفياتها وصفاتها كالجزء منها(الانتصار، الشريف الرضي: 1/103). وقال الشيخ الأنصاري وهو يعطي الإشارة مقام اللفظ في أحكام الشريعة: (لو عجز احد عن النطق كفت الإشارة معه، ولعله لما استفيد من تتبع أحكام الشارع من قيام الإشارة مقام اللفظ في العبادات والمعاملات)(كتاب النكاح، الشيخ مرتضى الأنصاري: 87)
وقال المحقق الرشتي: إشارة الأخرس قائمة مقام فعله في جميع أبواب
الفقه حتى العبادات حتى ان بعضهم حكم بأن إشارته في الصلاة بمنزلة
كلامه(ن.م: 88).
وذهب
الشيخ برهان الدين بن فرحون المالكي إلى ابعد من ذلك، فعدّ إشارة
الأخرس ليست كناية عن الموافقة بل هي صريح الموافقة، وقال: في كتاب
أبي العلاء الحسن بن محمد المالكي قال: الأخرس يلاعن عند مالك، فإن
قيل له: ليس يحتاج إلى اللعان ان يرمي المرأة بالزنا، وليس يقع
اللعان بالكناية قيل له: إنما يقع لنفي الولد عن نفسه، وليس ما يكون
من ذلك كناية بل هو صريح، وذلك ان الصريح يكون بحسب الآلة، فآلة
الصحيح لسانه وآلة الأخرس ايماؤه، ألا ترى ان الإقرار لا يكون الا
بالصريح ولو قال الحاكم لصحيح الآلة: ألزيد عليك ما ادعى؟ فأومأ
برأسه، لم يجز ذلك، ولو أومأ الأخرس لزمه إقراره، فبان ان صريح
الأخرس ايماؤه عن مسألته عن صريح ذلك(تبصرة الافهام، برهان الدين
المالكي: 2/81).
ولعل
فقهاءنا استندوا في قيام إشارة الأخرس مقام التلفظ عند غيره الى
رواية علي بن ابراهيم عن ابيه عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن
ابيه عليه السلام: ان عليا صلوات الله عليه قال: تلبية الأخرس تشهده
وقراءة القرآن في الصلاة تحريك رأسه واشارته باصبعه(فقه الحج، لطف
الله الصافي: 3/52).
وقيد
صاحب الجواهر الإشارة عند الآخرين بإفادتها اليقين فقال: (لزوم
الإشارة لليقين وبناء على الحاق اشارة الأخرس باللفظ الذي يكتفى
بالظن المراد منه)(جواهر الكلام، محمد حسن النجفي:
4/211).
وردّ
السيد الأردبيلي على هذا القيد بالقول: ان العقلاء يكتفون في
المحاورة بالألفاظ وكذلك الإشارات بالوثوق والاطمئنان ولا يعتنون
بالاحتمال في مداليل الكلام والإشارة، ولا فرق في ذلك بين اشارة
الأخرس والناطق المتكلم، وعليه ديدنهم في المعاملات وغيرها، وإلا
اختلت النظم والحياة الاجتماعية(فقه القضاء، السيد عبد الكريم
الموسوي الأردبيلي: 2/161).
وهناك
تطبيقات فقهية حكم فيها الفقهاء بقيام الإشارة مقام اللفظ، نأخذ
أمثلة منها:
أ. الإشارة في القضاء:
تعد
اشارة الأخرس او العاجز عن النطق بمنزلة اللفظ في الشهادة امام
القاضي، قال المحقق الحلي: الأخرس ويبنى على ما يتحققه الحاكم من
اشارته، وان جهلها اعتمد على ترجمة العارف بإشارته، نعم لا يكون
الترجمان شاهدين على شهادته(ن.م: 2/162).
وقال
الشهيد الأول : تقبل شهادة الأخرس اذا عرفت اشارته(غاية المراد في
شرح نكت الإرشاد، محمد بن مكي المالكي: 4/139).
ب. يمين الأخرس:
قال
الشيخ الكلبايكاني: لأن اشارة الأخرس تقوم مقام اللفظ من غيره فكما
يبنى على ما يفهم من لفظ المتكلم كذلك يبنى على ما يفهم من اشارة
الأخرس(فقه الحج، لطف الله الصافي: 3/52).
ويستند
الفقهاء في دلالة يمين الأخرس الى صحيحة محمد بن مسلم: سئل الصادق
عليه السلام عن الأخرس كيف يحلف قال: ان امير المؤمنين عليه السلام
كتب له اليمين وغسلها وأمره بشربها فامتنع فالزم بالدين، وعلق الشيخ
الأنصاري بالقول: ووجه الدلالة ظاهر بعدم رد
اليمين.
ج. الإقرار:
ويعتمد
اقرار الأخرس على اشارته، قال ابن راشد المالكي في كتاب (المذهب):
ان الإشارة في الاقرار كافية(تبصرة الإفهام، برهان الدين المالكي:
2/81).
وقال
السيد الأردبيلي: لو كان سكوت المدعى عليه لآفة من طرش بحيث لا يسمع
ما يقال، او خرس لا يتلكم، قال المصنف: يعرف جوابه بالإشارة المفيدة
لليقين الدالة على اقراره او انكاره(فقه القضاء، السيد عبد الكريم
الأردبيلي: 2/161).
وقال
ابن ادريس الحلي في السرائر: (اذا انسان على اخرس شيئا، وكانت له
اشارة معقولة توصل الحاكم الى انها من الدعوى، فإن اقر بالإشارة او
انكر بالكناية حكم عليه بذلك) (السرائر، ابن ادريس الحلي:
2/198).
د. الحج:
اجمع
الفقهاء ان الأخرس تقبل منه اشارته وتحريك لسانه في جميع عباداته،
وقال السيد الخوئي في كتاب الحج: الأخرس يشير الى الكعبة باصبعه مع
تحريك لسانه(كتاب الحج، السيد الخوئي: 4/78).
ويقول
الفقهاء: اذا ارادت الحائض وداع البيت فلا تدخل المسجد ولتودع من
ادنى باب من ابواب المسجد وتنصرف، فإذا كان عليها زحمة فتكفيها
الإشارة ولا تزاحم الرجال(النهاية، الشيخ الطوسي:
277).
والمسائل
الفقهية في موضوع كفاية الإشارة عن اللفظ من الأخرس وغيره حفلت بها
كتب الفقه.
الإشارة في القرآن الكريم:
وفي
الختام نود ان نذكر بأنه قد وردت آيات من القرآن الكريم تدل على
الاستعانة بالإشارة للتعبير عن المعاني، منها ما أغنت فيه الإشارة
عن الكلام كما في قوله تعالى في حكاية مريم عليها السلام اذ قال:
(يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ
هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ
بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ)(مريم: 27-29)، قال السيد
الطباطبائي في الميزان: إشارتها إليه ارجع لهم إليه حتى يجيبهم
ويكشف لهم عن حقيقة الأمر (الميزان، السيد محمد حسين الطباطبائي:
14/37).
وقال
تعالى: (وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ
الْغَيْظِ)(آل عمران/119) والغيظ هو الحنق وعض الأنامل على شيء دليل
التحسر والتأسف غضبا وحنقا(تفسير الميزان، السيد محمد حسين
الطباطبائي: 14/37).
نشرت في مجلة الولاية العدد 73
اكثر قراءة