المقالات
قسم الصحة والتغذية
رؤية إستراتيجية لإدارة الموارد المائية في العراق للحد من شحة المياه
المحور الرابع: قطاع الزراعة والري والمياه والثروة الحيوانية
تختلف مناطق العراق من ناحية الظروف المناخية وكمية الأمطار الساقطة من جهة ومن اختلاف التضاريس الأرضية من جهة أخرى ومن وجود الأراضي والمشاريع الزراعية والحقول النفطية من جهة ثالثة ومن ناحية توفر وتنوع المصادر المائية ونوعيتها من جهة رابعة. ومن النظر بشكل ايجابي لهذه الاختلافات مجتمعة يمكن الخروج بخطة لإدارة الموارد المائية وإستراتيجية لإدارة العرض والطلب على المياه المتوفرة.
1- اعتمادا على الاختلافات التي ذكرت في أعلاه يمكن تقسيم العراق بشكل عام الى ثلاث مناطق متميزة هي:
- المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية من العراق: وتمتاز هذه المنطقة غالبا بتضاريسها الجبلية الوعرة ونسبة الأمطار العالية التي تصل إلى (1400) ملم في السنة وبمياهها الجوفية الوفيرة وذات النوعية الجيدة والمتجددة والصالحة للاستعمالات المختلفة وبدرجات الحرارة المعتدلة بالنسبة لبقية مناطق العراق.
- المنطقة الغربية: وتمتاز هذه المنطقة من العراق بمناخها الصحراوي الحار والجاف حيث يتراوح معدل سقوط الأمطار ما بين (50-150) ملم في السنة وبتضاريسها الأرضية المتموجة إلى المنبسطة وبمياهها الجوفية المالحة وعدم وجود مصادر مياه سطحية فيها.
- المنطقة الوسطى المحصورة ما بين نهر دجلة والفرات وحولهما والمنطقة الجنوبية: وتمتاز هذه المنطقة بأرضها المنبسطة ومناخها الأقل حرارة من المنطقة الغربية والأكثر حرارة من المنطقة الشمالية ومياهها السطحية المتمثلة بنهر دجلة والفرات ومياهها الجوفية المالحة الى شديدة الملوحة.
2- ان اغلب المشاريع الزراعية والأراضي المزروعة التي تروى بالسقي تقع في المنطقة الوسطى المحصورة ما بين دجلة والفرات وحول هذه الأنهار وفي المنطقة الجنوبية إضافة إلى بعض المناطق الزراعية والمشاريع الزراعية التي تعتمد وسائل الري وعلى الأمطار (الزراعة الديمية) التي تقع في المنطقة الشمالية وفي سهل نينوى. وتستهلك الزراعة المروية أكثر من (80%) من جملة الموارد المائية لنهر دجلة والفرات وروافدهما.
3- ان اغلب المشاريع الصناعية وخاصة النفطية منها بحاجة إلى كميات كبيرة من المياه اللازمة لاستخراج النفط والعمليات الاخرى (الحاجة إلى برميل ونصف من المياه لاستخراج برميل واحد من النفط). وتقع اغلب الحقول النفطية في جنوب العراق مع بعض الحقول في المنطقة الشمالية.
4- يسكن اغلب السكان في العراق في المدن الواقعة على نهر دجلة والفرات وروافدهما أو القريبة منها حيث تبلغ نسبتهم حوالي (90%) من المجموع الكلي للسكان.
تعتمد الرؤية الإستراتيجية لإدارة الموارد المائية العراقية على مراعاة الاختلافات الموجودة ما بين مناطق العراق التي ذكرت في أعلاه والتي لا يمكن تجاوزها بسهولة حيث يمكن إدارة الطلب والعرض على الموارد المائية بالشكل التالي:
- تلبية اغلب الاحتياجات البلدية والزراعية والصناعية والبيئية من المياه في المنطقة الشمالية عن طريق استغلال المياه الجوفية وحفر الآبار والاستفادة من مياه الأمطار وقيام هذه المنطقة بخزن المياه في السدود وهو أمر يفرضه الواقع الحالي اضافة الى معالجة مياه الصرف الصحي وفقا للمعايير البيئية والاستفادة منها في الاغراض المختلفة وترك المياه السطحية للمناطق التي تليها وبالخصوص المنطقة الوسطى والجنوبية.
- جعل اعتماد المنطقة الغربية على المياه الجوفية بعد إجراء دراسة مستفيضة لكمياتها ونوعياتها ونسب تجددها السنوية والقيام بتحلية هذه المياه عن طريق نصب محطات تحلية في المناطق التي بحاجة إلى المياه لأغراض الشرب والزراعة وتربية الحيوان والأحزمة الخضراء.
- الاستفادة من مياه دجلة والفرات لأغراض الشرب والزراعة وتغذية الاهوار في المنطقة الوسطى والجنوبية. كما يتم الاستفادة من مياه المصب العام ومياه الصرف الصحي في هذه المناطق عن طريق معالجتها وتحليتها وفقا للمعايير البيئية بإنشاء محطات للمعالجة والتحلية حسب الحاجة واستعمال المياه المعالجة في سد الاحتياجات الصناعية وخاصة النفطية وسد جزء من الاحتياجات الزراعية. ان من الضروري في هذه المنطقة إجراء الخزن الجوفي الاصطناعي للمياه من اجل توفير خزين استراتيجي للحالات الطارئة.
- استخدام مياه الخليج العربي والمياه المالحة من اجل توفير المياه اللازمة لقطاع الصناعة وحقول النفط في جنوب العراق والاستغناء الكلي عن مياه دجلة والفرات لاستعمالها فقط لأغراض الشرب والزراعة وتغذية الاهوار.
1- المطالبة وبإصرار دؤوب بحقوق العراق المائية من مياه نهر دجلة والفرات وروافدهما من دول الجوار كما أقرتها الأعراف والشرائع والاتفاقات الموقعة سابقا والقوانين الدولية السارية المفعول واستخدام جميع وسائل الضغط الممكنة من اجل تحقيق ذلك.
2- إن إدارة المياه عملية معقدة وتشمل العديد من القطاعات فهي ليست من مهام وزارة الموارد المائية حصرا وإنما تخضع أيضا لعمل وزارة الزراعة (القطاع الزراعي هو القطاع الأكثر استهلاكا للمياه في العراق) ووزارة البلديات وتشمل حتى ابسط مواطن في المجتمع العراقي فالجميع يشتركون في إدارة الموارد المائية بشكل او بآخر وضرورة توعية الجميع بمشكلة شحة المياه في العراق وإلزامية الترشيد.
3- ينبغي تطبيق القوانين والتشريعات المائية بعزم وحزم. ان عدم القدرة على تطبيق القوانين والتشريعات في مجال الموارد المائية يجعل من وضع خطة لإدارة الموارد المائية أمرا لا فائدة منه حيث تتصارع المصالح الفردية والفئوية وينعدم القرار المركزي الضروري لتطبيق الخطة الموضوعة من اجل مصلحة الجميع.
4- المحافظة على نوعية مياه نهر دجلة والفرات وروافدهم على طول مسارهم داخل العراق وعدم تلويث مياههما بمياه البزل أو بمياه الصرف الصحي وذلك عن طريق إكمال ربط جميع المبازل بالمصب العام ومعالجة مياه الصرف الصحي قبل رميها في الأنهار.
5- لا بد لأي خطة لإدارة الموارد المائية في العراق من أن تأخذ بنظر الاعتبار وجود تقنيات عديدة للمحافظة على المياه (منع التلوث وتقليل التبخر) أو الحصول على الماء عن طريق حصاد المياه (الاستمطار الاصطناعي للسحب, حصاد الضباب, حصاد مياه الأمطار والسيول, ...) أو الحصول على المياه الصالحة من مصادر غير تقليدية (تحلية المياه المالحة ومعالجة مياه الصرف الصحي). إن المصادر غير التقليدية تمثل في العراق مصدرا مهما لا ينبغي الاستغناء عنه وذلك بالعمل الجدي على صيانة محطات معالجة مياه الصرف الصحي العاملة حاليا وزيادة عددها بما يتناسب مع كميات المياه المنتجة حاليا والمستقبلية وإنشاء محطات تحلية للمياه المالحة سواء أكانت مياه المبازل أو مياه الخليج العربي.
إن الشحة المائية الحالية في العراق والمتوقع زيادتها في المستقبل نتيجة لسياسات دول الجوار والتغيرات المناخية السلبية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي تفرض اتخاذ الإجراءات اللازمة والضرورية لتجنب كارثة مائية وتأثير ذلك على الأمن الوطني في العراق. ونظرا لمحدودية كمية المياه المتوفرة مستقبلا في العراق ينبغي التفكير الجدي ووضع خطة شاملة لجميع مناطق العراق لغرض إدارة المياه المتوفرة وتوزيعها بما يضمن توفير وإشباع الاحتياجات المائية الضرورية لجميع محافظات الوطن من الناحية البلدية والزراعية والصناعية والبيئية وضمان الأمن المائي والغذائي لجميع سكان العراق.
اكثر قراءة