المقالات
قسم الاقتصاد
ركود الاقتصاد السعودي: من تأثيرات التقشف الى السياسية النفطية
تأثرت المملكة العربية السعودية التي تعتبر واحدة من أبرز الاقتصاديات في الشرق الأوسط، كغيرها من الدول الاخرى بعد هبوط أسعار النفط في الاسواق العالمية، حيث أصبح الاقتصاد السعودي وكما نقلت بعض المصادر أكثر دول الخليج تأثرا بانخفاض أسعار النفط، الامر الذي دفع الحكومة السعودية الى اتخاذ تدابير وقائية والإصلاحات المالية تهدف لتجنب التدهور الحاد والتأثير السلبي لانخفاض أسعار النفط، وعلى الرغم من قيام الحكومة بإجراء بعض الإصلاحات المالية إلا أن ارتفاع الدين العام ظل مستمرا، كما انخفضت أرصدة الحكومة في مؤسسة النقد العربي السعودي في عام 2016، وهو ما دفع الحكومة إلى التدخل بشكل أكبر للحفاظ على الوضع المالي من التدهور والهروب من عجز مالي طويل الأجل يصعب الخروج منه.
وبدأت المملكة في وضع خطط كثيرة لعمل اصلاحات اقتصادية، بعضها إجراءات سريعة ، والجزء الآخر والأهم من خطط الاصلاح اختص بوضع رؤية شاملة ومتكاملة للإصلاح الاقتصادي للدولة، وذلك من خلال مخططات اقتصادية طويلة الأجل، حيث أعلنت الحكومة عن "رؤية المملكة لسنوات القادمة، تحت مسمى "برنامج التحول الوطني"، والذى تضمن إجراءات تفصيلية للنهوض بكل قطاع من قطاعات الدولة، وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية مستقبلا.
منها إجراءات وقائية مؤقتة لتجنب الوقوع في مزيد من هذه الأزمة بقدر المستطاع، حيث لجأت الدولة إلى تخفيض الانفاق الحكومي خاصة بعد العجز المادي الذى واجهته السعودية في العام المالي 2015/2016 والمقدر بـ 98 مليار دولار، وخفض الموازنة الجديدة للدولة بنسبة 25%، والعمل على زيادة الرسوم والضرائب على بعض الخدمات كرفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه. وبالرغم من محاولات الدولة إلا أنه لا يزال وضع المملكة مهدد باتساع هذه الأزمة، خاصة إنها تعتمد بشكل تام في تحقيق فائض مالي على العائدات النفطية والتي تراجعت بنسب كبيرة وبشكل متتال خلال الأشهر الأخيرة.
وفي هذا الشأن قالت وزارة الإعلام السعودية إن حكومة المملكة تُسرع وتيرة إصلاحاتها الاقتصادية بينما تعكف على مراجعة بعضها لمنح الوزارات مزيدا من المرونة في تحقيق أهدافها. وتهدف خطة الإصلاح ”رؤية 2030“ التي أطلقها محمد بن سلمان العام الماضي إلى تخليص الاقتصاد من الاعتماد على النفط. وبدأت الخطة تحقق أهدافها في احتواء الوضع المالي العام لكنها لم تخلق حتى الآن أي مصادر جديدة كبيرة لتحقيق النمو خارج قطاع النفط.
وفي يونيو حزيران 2016، أعلنت الحكومة برنامج التحول الوطني الذي يتضمن مئات من الخطوات لتحديث الاقتصاد والمجتمع، من تسريع إجراءات المحاكم إلى تحسين ظروف الحجاج والمعتمرين وتطوير قواعد التجارة الألكترونية وتشجيع السعوديين على ممارسة المزيد من الألعاب الرياضية. لكن يبدو أن من غير المرجح أن تتحقق بعض هذه الأهداف بحلول الموعد النهائي المحدد لها في 2020 لأسباب من بينها أنها معقدة وطموحة، إضافة إلى صعوبات في تنفيذها بسبب ضعف كفاءة بعض الوزارات.
ولذا قام مسؤولون ومستشارون بوضع نسخة مركزة من الخطة تعرف باسم برنامج التحول الوطني 2 بحسب المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لأن الحكومة لم تعلن بعد الخطة الجديدة. ولم يرد مسؤولون حكوميون على طلبات للتعقيب. وقال أحد المستشارين ”القيادة غير راضية عن أداء بعض الوزارات بسبب ضعف الالتزام وتريد انطلاقة جديدة“. وقال مصدر آخر إن بعض الأهداف يجرى تخفيفها بينما يجري تصحيح أخطاء بالبيانات في الوثيقة الأصلية.
من جانب اخر أظهر استطلاع أن من المتوقع انكماش الاقتصاد السعودي هذا العام للمرة الأول في ثماني سنوات متأثرا بانخفاض أسعار النفط وسياسات التقشف التي تضر بنمو القطاع الخاص. وخلص الاستطلاع الذي شمل 15 اقتصاديا إلى أن الخبراء خفضوا متوسط توقعاتهم للناتج المحلي الإجمالي السعودي في 2017 إلى انخفاض نسبته 0.5 بالمئة. وفي الاستطلاع السابق الذي أجري في يوليو تموز، كانوا قد توقعوا نموا نسبته 0.1 بالمئة.
وسيكون هذا الانخفاض السنوي الأول من نوعه للاقتصاد السعودي منذ الأزمة المالية العالمية عام 2009 وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي وقد يزيد المخاوف بشأن برنامج الإصلاح الاقتصادي بالمملكة. ويهدف برنامج خصخصة وإصلاحات اقتصادية أخرى طموح إلى تقليص الاعتماد على صادرات النفط من خلال تحفيز النمو في القطاع الخاص. لكن خفض الإنفاق وزيادة الضرائب لتقليص عجز الموازنة الضخم يضغطان بشدة على القطاع. وأبدى المحللون الذين استطلعت آراءهم نظرة أكثر قتامة للنمو في السعودية مقارنة مع نظرة صندوق النقد الدولي الذي يتوقع نمو الاقتصاد 0.1 بالمئة هذا العام. لكن مسؤولا بارزا في الصندوق أقر بأن توقعاته قد تكون صعب التحقق بسبب ضعف غير متوقع في القطاع غير النفطي.
وقال المحللون إن من المتوقع أن ينمو الاقتصاد السعودي 1.3 بالمئة العام القادم بدلا من 1.9 بالمئة في توقعات الاستطلاع السابق. وتوقعوا تسارع النمو لاحقا إلى اثنين بالمئة في 2019. والتراجع السعودي يعود لأسباب منها انخفاض إنتاج النفط. وقلصت المملكة إمداداتها هذا العام بموجب اتفاق عالمي لدعم الأسعار سيستمر حتى مارس آذار العام القادم ويبحث المنتجون تمديده.
لكن الاقتصاد يتعرض لضغوط أيضا من تباطؤ أكثر من المتوقع في القطاع غير النفطي. وتوقفت الاستثمارات الخاصة الجديدة إلى حد كبير ونما القطاع غير النفطي 0.6 بالمئة فقط على أساس سنوي في الربع الثاني من 2017. وقال جيسون توفي خبير اقتصاد الشرق الأوسط لدى كابيتال إيكونوميكس في لندن، والتي تتوقع حاليا انكماشا نسبته 1.3 بالمئة للعام بأكمله، ”مؤشرنا لتتبع الناتج المحلي الإجمالي يرجح أن يكون الاتجاه النزولي قد تعزز في بداية الربع الثالث“. وأضاف ”الانخفاض النابع من قطاع النفط زاد فيما يبدو بينما فقد القطاع غير النفطي بعضا من زخمه“.
ويصر صناع السياسات في السعودية على أن الاقتصاد متين وأن النمو سيتجه إلى الارتفاع. لكن توفي قال إنهم سيكونون قلقين من أن تخفيفا محدودا في إجراءات التقشف خلال الربع الثاني، يتمثل في الرجوع عن خفض المزايا التي يحصل عليها موظفو الدولة، لم يعزز القطاع غير النفطي. وقد يضطر هذا الأمر السلطات إلى تخفيف إجراءات التقشف أكثر، ربما من خلال الكف عن زيادات أسعار الوقود والكهرباء المحلية التي كان مخططا لها في البداية أن تجري هذا العام. ويدرس المسؤولون المضي قدما في تنفيذ تلك الزيادات من عدمه.
وأظهر الاستطلاع أن خبراء الاقتصاد يتوقعون أن تسجل الحكومة السعودية عجزا ماليا نسبته 8.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام في تحسن كبير مقارنة مع 12.3 بالمئة في العام الماضي وفق البيانات السعودية لكنه يظل مستوى غير مستدام للأجل الطويل. وأوضح أن العجز سيتقلص قليلا إلى 7.5 بالمئة العام القادم وإلى 7.3 بالمئة في 2019 حيث من المستبعد أن تحقق الرياض الهدف المعلن بالتخلص تماما من العجز بحلول 2020. بحسب رويترز.
وعلى صعيد دول الخليج الثرية الأخرى، خفض المحللون متوسط توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي القطري هذا العام إلى 1.8 بالمئة مقارنة مع 2.3 بالمئة في توقعات استطلاع الرأي السابق. وأضرت العقوبات التي فرضتها دول عربية على قطر في يونيو حزيران بالاقتصاد حيث تسببت في زيادة تكاليف الاستيراد وتفاقم التباطؤ في سوق العقارات. لكن المحللين يتوقعون تعافي النمو ليصل إلى 3.4 بالمئة العام القادم.
على صعيد متصل تستعد المملكة السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، لخفض اضافي في انتاجها من الخام قبيل طرح اسهم شركة "ارامكو" للاكتتاب العام، أملا في أن يسهم ذلك في زيادة قيمة عملاقة النفط وان يرفع الاسعار. وكان المنتجون الكبار خارج وداخل منظمة الدول المصدرة للنفط "اوبك"، ومن ضمنهم السعودية، توصلوا الى اتفاق لخفض الانتاج بمعدل 1,8 مليون برميل يوميا في تشرين الثاني/نوفمبر 2016. وفي ايار/مايو الفائت، تم تمديد اتفاق خفض الانتاج حتى اذار/مارس 2018.
ويهدف خفض الانتاج الى رفع أسعار النفط بعدما خسرت الدول النفطية، وبينها السعودية، مليارات الدولارات جراء تراجع الاسعار منذ 2014 الامر الذي تسبب بعجز كبير في ميزانية المملكة. وبعد التزام تام بمعدلات خفض الانتاج منذ ولادة الاتفاق، تقف السعودية على اعتاب تحقيق خفض اضافي، في خطوة يرى محللون انها مرتبطة بقرب طرح 5 بالمئة من اسمهم شركة "ارامكو"، عملاقة النفط السعودي، للاكتتاب العام في 2018، في اكبر طرح من نوعه.
بالنسبة الى جان فرانسوا سيزنيك الخبير في "مركز الطاقة العالمية" في معهد "اتلانتيك" الاميركي، فان ارتفاع اسعار النفط "قد يكون هامشيا، الا انه سيساهم في زيادة قيمة" شركة "ارامكو". من جهته، يرى الخبير الكويتي في مجال النفط كامل الحرمي ان خطط السعودية النفطية تتركز حاليا على خدمة عملية بيع جزء من "ارامكو". ويوضح "سياسة السعودية مرتبطة بشكل مباشر بنيتها خصخصة جزء من ارامكو"، اكبر شركة في العالم والتي تقدر قيمتها بحسب خبراء بما بين تريليون دولار وترليوني دولار، ما يعني ان نسبة ال5 بالمئة قد تدر عائدات بنحو 100 مليار دولار.
وكانت الرياض أعلنت انها ستخفض انتاجها النفطي بشكل أكبر من المعدل الحالي. وبدءا من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، سيبلغ مستوى خفض الانتاج في السعودية 560 الف برميل يوميا، وهو المعدل الاكبر منذ التوصل الى الاتفاق بين الدول المصدرة. وتنتج السعودية في الوقت الحالي حوالى عشرة ملايين برميل في اليوم. وقال ابراهيم مهنا مساعد وزير النفط السعودي السابق علي النعيمي "لولا (اتفاق) خفض الانتاج، لتراجعت أسعار النفط الى أقل من 30 دولارا للبرميل"، علما ان معدل سعر برميل النفط حاليا يبلغ 55 دولارا، أي نحو نصف سعره في 2014.
واضاف في محاضرة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن ان "اوبك" وحلفاءها قدموا "نموذجا جديدا لادارة الأسواق". ومنذ تراجع الاسعار في 2014، شهدت الميزانية المالية السعودية عجزا كبيرا بلغ مجموعه على مدى السنوات الثلاث الماضية نحو 200 مليار دولار، ما دفع المملكة الى سحب نحو 245 مليار دولار من احتياطاتها، والى الاستدانة. كما فرضت المملكة مجموعة من الضرائب على عائلات العمال الاجانب، وعلى التبغ والمشروبات الغازية ومشربات الطاقة، بينما تستعد لبدء فرض الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 5 بالمئة بداية 2018.
وبعد ستة اشهر من بدء تطبيق اتفاق خفض الانتاج في اول أيام 2017، ارتفعت الاسعار، ومعها الايرادات، وقررت الدول الموقعة عليه ان تزيد مدته لتسعة اشهر اضافية حتى اذار/مارس المقبل. وتأمل السعودية التي لطالما دافعت عن مبدأ الحصص السوقية حيث تبلغ حصتها من مجموعة انتاج دول "اوبك" 31 بالمئة، ان يتم تمديد الاتفاق لفترة اطول، مؤكدة استعدادها لخفض انتاجها بشكل أكبر اذا احتاج الامر الى ذلك. وفي هذا السياق، يرى سيزنيك ان "الدفاع عن مبدأ الحصص السوقية" لم يعد عمليا. بحسب فرانس برس.
ويعتبر المحللون ان تطمينات المملكة بان صادراتها من النفط بدءا من تشرين الثاني/نوفمبر ستكون بمعدل 7,2 مليون برميل من اصل عشرة برميل براميل يتم انتاجها يوميا، وهو معدل التصدير الادنى منذ خمس سنوات، دليل على ان الرياض تبتعد نحو سياسة الحصص. ويقول الحرمي "هذه السياسة ماتت ودفنت"، مضيفا "نحن نشهد مرحلة جديدة تقوم على علاقة بين اوبك والدول النفطية خارجها، وتتمحور بشكل خاص حول تفاهم سعودي - روسي". ويرى خبراء ان هدف المملكة رفع سعر برميل النفط الى مستوى 60 دولارا، وهو ما يمكن يتحقق بحسب هؤلاء الخبراء في ظل خفض الانتاج الاضافي. وكانت أسعار النفط سجلت ارتفاعا ملحوظا خلال الاسابيع الماضية، حيث بلغت 58 دولارا، وهو احد اعلى المعدلات منذ بداية 2017.
اكثر قراءة