المقالات
قسم الاقتصاد
دور القطاع الخاص في العراق: هامشي أم حقيقي؟
في الوقت الذي يلعب القطاع الخاص دوراً مهماً في ظل سيادة النظام الرأسمالي، يكون اقل أهميةً في ظل سيادة النظام الاشتراكي، لان الأول يعدّهُ مرتكزاً رئيسياً في الاقتصاد والثاني يعدّهُ مرتكزاً ثانوياً، وذلك استناداً للفكر الاقتصادي الذي ينبع منه كل نظام.
ونظراً للترابط الوثيق بين السياسة والاقتصاد، نلاحظ دائماً، إن النظام الاقتصادي الاشتراكي ينمو ويتطور في ظل النظام السياسي الشمولي، كما هو حال دول الاتحاد السوفيتي سابقاً، وكذا العكس، ينمو النظام الاقتصادي الحر ويتطور في ظل النظام السياسي الديمقراطي، كما هو حال الولايات المتحدة، والواقع يشير إلى إن الثاني أفضل من الأول لأنه لا يزال موجوداً وأخذ ينتشر عالمياً.
يُعد العراق من بين الدول التي تبنت وانتهجت النظام الاشتراكي منذ خمسينيات القرن المنصرم وحتى عام 2003، عندما تدخلت الولايات المتحدة لإسقاط النظام الشمولي سياسياً واقتصادياً، بمعنى أن النظام الاشتراكي استمر لأكثر من أربعة عقود من الزمن، كان لها الأثر الكبير في إعاقة التحول الاقتصادي، من الدولة إلى القطاع الخاص، لاحقاً. مما جعل دور القطاع الخاص في العراق هامشيا لا حقيقيا وكما سيتضح من خلال تناول المؤشرات بعد قليل.
إن تبني النظام الاشتراكي من قبل الدولة، يعني قيام الدولة بدور كبير في الاقتصاد، من خلال قيامها بأغلب العمليات الاقتصادية انطلاقاً من الملكية ومروراً بالإنتاج والتوزيع والاستهلاك وانتهاء بالتصدير والاستيراد، هذا الدور أسهم في نشوء ثقافة اقتصادية لدى المجتمع هي ثقافة الاتكالية والاعتماد على الدولة بدلاً من ثقافة الإنتاجية والاعتماد على الذات في تسيير شؤونه الاقتصادية.
ليس هذا فحسب، بل إن طول مدة النظام الاشتراكي في العراق أسهمت في تجذير ثقافة الاتكالية لدى المجتمع والاعتماد على الدولة، يصعب التخلص منها لان "مَن شبَّ على شيء شاب عليه"، فلا يكفي التخلص منها بإسقاط رأس الهرم المتمثل بالنظام الشمولي بشكل عام والاشتراكي بشكل خاص، بل لابُد من إزاحتها من قاعدة الهرم، أي العمل في بداية الأمر على التحول الاجتماعي في مجال الثقافة الاقتصادية، التخلص من ثقافة الإتكالية وإحلال محلها ثقافة الإنتاجية والاعتماد على الذات بدلاً من الاعتماد على الآخر سواء أكان الأب أم بالدولة.
إضافةً إلى ذلك، إن إسقاط النظام الشمولي في العراق بشكل مفاجئ ومزدوج وتبنى الديمقراطية والسوق بشكل مفاجئ ومزدوج أيضاً، يعني ضخامة الجرعة التي تلقاها المجتمع العراقي فلم يتحملها مما أدى إلى خلق الاضطرابات التي انعكست على عملية التحول الاقتصادي سلباً، لأنه لم يتم الإعداد مسبقاً لهذا التحول حتى يتم استقباله من قبل المجتمع بشكل سلس وانسيابي والتفاعل معه ليكسب مزاياه أخيراً.
فتبني النظام الاشتراكي ونشوء ثقافة الاتكالية، واستمراره لمدة زمنية طويلة وتجذير ثقافة الاتكالية، وإسقاطه بالتزامن مع إسقاط النظام السياسي من راس الهرم دون قاعدة الهرم، وإحلال محله نظام اقتصاد السوق بالتزامن مع أحلال الديمقراطية على مستوى رأس الهرم دون قاعدة الهرم. هذه هي الأسباب التي أعاقة عملية التحول الاقتصادي، من الدولة إلى القطاع الخاص، وجعلت دور الأخير هامشياً وليس حقيقياً في الاقتصاد العراقي.
ويمكن الإشارة لأبرز المؤشرات التي توضح مدى هامشية القطاع الخاص في العراق من خلال الآتي:
أولاً: مؤشر الحرية الاقتصادية، لا يمكن للقطاع الخاص أن يأخذ دوره الحقيقي في الاقتصاد ما لم تتوفر الحرية الاقتصادية الكافية. وعلى الرغم من تبني العراق الحرية اقتصادياً منذُ عام 2003 إلا إنه على ارض الواقع لازال يعاني من ضعف الحرية الاقتصادية بسبب الفساد وصعوبة بيئة الأعمال، حيث احتل المرتبة 168 من أصل 180دولة في مؤشر الفساد، والمرتبة 168 من أصل 190 دولة في مؤشر سهولة أداء الأعمال عام 2018. كلا الأمرين أسهما في صعوبة إيصال البيانات الموثوقة مما جعل العراق لم يدخل ضمن تصنيف مؤشر الحرية الاقتصادية خصوصاً بعد عام 2003[i]
ثانياً: مؤشر الملكية، تُعد الملكية الخاصة من العوامل الرئيسة التي تشجع القطاع الخاص على النشاط الاقتصادي، فكلما يكون للقطاع الخاص الحق في امتلاك وسائل الإنتاج كلما يكون دوره أكبر في النشاط الاقتصادي. وبما إن الدولة تملك أكثر من 80% من الأراضي[ii]، التي تعد من أهم وسائل الإنتاج، وامتلاكها لكثير من الشركات العاملة والمتوقفة، كما وتهيمن على القطاع المصرفي بشكل كبير، بحكم مؤشرات عديدة أبرزها، موجودات المصارف الحكومية أكبر (90%) من موجودات المصارف الأهلية (10%) من مجموع الموجودات في عام 2016 [iii]، لذلك كان دور القطاع الخاص في العراق دوراً ضئيلاً.
ثالثاً: مؤشر مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، يحتل القطاع النفطي نسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي العراقي، والتي تتجاوز نسبة الـ 46% منه في حال أُخذت النسبة من الناتج ككل، وتتجاوز نسبة الـ 66% في عام 2018[iv] إذا ما تم احتساب هذه النسبة من القطاعات السلعية بعيداً عن التوزيعية والخدمية. وبما إن القطاع النفطي تسيطر عليه الدولة فالناتج المحلي تقوده الدولة من خلال النفط وليس القطاع الخاص.
رابعاً: مؤشر مساهمة القطاع الخاص في الصادرات السلعية، نلاحظ من خلال الميزان التجاري إن الصادرات النفطية تهيمن على الصادرات السلعية، حيث تشكل الصادرات النفطية (النفط الخام والمنتجات النفطية) ما نسبته 99.85% من الصادرات السلعية[v]، وبما إن الدولة تهيمن على الصادرات النفطية، إذن لم يساهم القطاع الخاص في الصادرات السلعية سوى بنسبة ضئيلة جداً لم تُكاد تُذكر.
خامساً: مساهمة القطاع الخاص في راس المال الثابت، كانت نسبة مساهمة القطاع الخاص في تكوين رأسمال الثابت ما يُقارب 59.77% من إجمالي تكوين رأس المال الثابت في حين لم يشكل القطاع الخاص سوى 40.23% في عام 2017 [vi] وهذا ما يعني إن الدولة لازالت حاضرة في الاقتصاد العراقي وبنسبة كبيرة.
يتضح من خلال المؤشرات أعلاه، المتمثلة في ضعف الحرية الاقتصادية والملكية الخاصة وانخفاض مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي والصادرات السلعية وفي تكوين رأس المال الثابت، إن دور القطاع الخاص في العراق هو دور هامشي وليس حقيقي.
وبناءً على هذا الاستنتاج، لابُد أن يهتم أصحاب القرار في العمل على إصلاح دور الدولة في الاقتصاد وذلك بما يسهم في فسح المجال أمام القطاع الخاص وتشجيعه ليأخذ دوره الحقيقي في الاقتصاد العراقي بدلاً من الدور الهامشي، من أجل تحسين معدلات النمو الاقتصادي وتقليص معدلات البطالة وتحقيق التوازن الداخلي والخارجي.
اكثر قراءة