akdak

المقالات

القسم الاجتماعي

دور حقوق الإنسان في تحقق العدالة الاجتماعية

226

جميل عوده ابراهيم

أقرَّت الهيئة العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول من العام 1948الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤلف من ثلاثين بندًا. وقد شكلت بنود هذا الإعلان العالمي مادة لصياغة اتفاقيات دولية رسخت حقوق الإنسان، سواء على صعيد الحقوق المدنية والسياسية، أو على صعيد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

السؤال هنا ما علاقة حقوق الإنسان بأسس المساواة ومبدأ العدالة الاجتماعية؟ وكيف يمكن أن تساهم هذه الحقوق في تحقق قيم المساواة والعدالة بين أبناء البشر جمعيا؟

لا شك في أن حق المساواة بصفة عامة يعد أهم المبادئ الإنسانية التي تحرص الأمم والشعوب على التمسك به، ومن الأسس الجوهرية التي استند لها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويعتبر حق المساواة من أهم الحقوق الإنسانية والصقها بالإنسان وأقدمها، وأكثرها أصالة على الإطلاق، فهذا الحق هو أساس كل الحقوق. فلا ينبغي أن تقوم في المجتمع البشري أي فوارق نابعة من اختلاف الأصل أو الجنس أو الدين. وبحسب (رين كاسين) الأب الفعلي لحقوق الإنسان، أن هذا الإعلان هو بداية طريق طويل لإرساء أسس المساواة والعدالة بين البشر.

تنص المادة (1) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على المبدأ الأساسي الخاص بالمساواة في الحقوق بين كافة الناس. ويعتبر هذا المبدأ من منظور الأخصائيين الاجتماعيين حجر زاوية بالنسبة لمبدأ العدالة البالغ الأهمية، والذي يقضي إمعان النظر فيما هو عدل أو ظلم ومساواة، وذلك على أساس العوامل البيولوجية والاحتياجات النفسية والاجتماعية والثقافية والروحية والمساهمات الفردية في رفاه الآخرين.

إن المساواة في الحقوق تشير إلى أن فكرة العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن فكرة حقوق الإنسان. فالعدالة الاجتماعية استحقاق أساسي للإنسان نابع من جدارته كإنسان بالتمتع بمجموعة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وذلك على ما هو مقرر في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفى طائفة واسعة من العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية كالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والاتفاقات الخاصة بحقوق الطفل والنساء والأقليات. كما أن فكرة العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن مبدأ الوفاء بالحاجات الإنسانية للبشر. ذلك أن إنسانية الإنسان لا تكتمل، وكرامته لا تتحقق، ما لم يمكن من إشباع حاجاته الإنسانية.

يخضع تحديد ما تعنيه العدالة الاجتماعية وأفضل السبل لتحقيقها في كثير من الأحيان لجدل كبير، كما يخضع حدود مفهوم العدالة الاجتماعية لتغيير مستمر؛ لأن الفكرة هي في حد ذاتها ثمرة لنظام قيمي وثقافي متغير. لكن رغم التنوع الكبير في مفهوم العدالة الاجتماعية، والتعريفات التي لا تحصى للعدالة الاجتماعية، يجمع عدد كبير من البحوث الأكاديمية، والمؤلفات العلمية على عدد من العناصر الواجب توافرها لتحقيق العدالة الاجتماعية أبرزها: المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص؛ التوزيع العادل للموارد والأعباء؛ الضمان الاجتماعي؛ وتوفير السلع العامة.

أحد المقاربات الشائعة هي تعريف العدالة الاجتماعية بأنها تكافؤ الفرص وفرص الحياة المتساوية. أي يجب أن يكون لديك نفس الفرصة في الحصول على تعليم جيد وعمل جيد كما أي شخص آخر. ويجب أن يكون لديك نفس فرص التمتع بحياة لائقة. بنفس الطريقة، كل شخص يجب أن يكون محميا من مخاطر الحياة، مثل المرض والحوادث وفقدان السكن والبطالة…الخ.

يقول السيد أمين عام الأمم المتحدة، بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية (العدالة الاجتماعية مبدأ أساسي من مبادئ التعايش السلمي داخل الأمم وفيما بينها الذي يتحقق في ظله الازدهار. ومن ثم فعندما نعمل على تحقيق المساواة بين الجنسين أو تعزيز حقوق الشعوب الأصلية والمهاجرين يكون ذلك إعلاءً منا لمبادئ العدالة الاجتماعية. وعندما نزيل الحواجز التي تواجهها الشعوب بسبب نوع الجنس أو السن أو العرق أو الانتماء الإثني، أو الدين أو الثقافة أو العجز نكون قد قطعنا شوطا بعيدا في النهوض بالعدالة الاجتماعية).

وهذا يعني أن مفهوم العدالة الاجتماعية يشمل من بين ما يشمل إشباع حاجات الإنسان الأساسية واقتسام الموارد المادية على أساس المساواة وتستهدف إتاحة الفرصة للجميع للوصول إلى الخدمات الأساسية في مجالات الصحة والتعليم وتوفير الحماية للأفراد والمجموعات المحرومة. ومن هذا المنطق يعتبر الاجتماعيون أن العدالة والعدالة الاجتماعية وسيلة الدفاع الرئيسية ضد كافة أشكال القمع وأساسا لتنمية البشرية الأكثر إنصافا.

في المحصلة يمكن القول إن العدالة الاجتماعية التي تسعى مبادئ حقوق الإنسان للوصول إليها وتحقيقها، هي:

- تلك الحالة التي ينتفي فيها الظلم والاستغلال والقهر والحرمان من الثروة أو السلطة أو من كليهما، والتي يغيب فيها الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي وتنعدم فيها الفروق غير المقبولة اجتماعيا بين الأفراد والجماعات والأقاليم داخل الدولة؛

- والتي يتمتع فيها الجميع بحقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية متساوية وحريات متكافئة ولا تجور فيها الأجيال الحاضرة على حقوق الأجيال المقبلة، والتي يعم فيها الشعور بالإنصاف والتكافل والتضامن والمشاركة الاجتماعية؛

- والتي يتاح فيها لأفراد المجتمع فرص متكافئة لتنمية قدراتهم وملكاتهم ولإطلاق طاقاتهم من مكامنها ولحسن توظيف هذه القدرات والطاقات بما يوفر لهؤلاء الأفراد فرص الحراك الاجتماعي الصاعد، وبما يساعد المجتمع على النماء والتقدم المستدام؛

- وهى أيضا الحالة التي لا يتعرض فيها المجتمع للاستغلال الاقتصادي وغيره من آثار التبعية لمجتمع أو مجتمعات أخرى، ويتمتع بالاستقلال والسيطرة الوطنية على القرارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

يقول السيد الأمين العام للأمم المتحدة في رسالته بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية الخميس 20 شباط/فبراير 2014 ".. علينا أن نفعل المزيد من أجل تمكين الأفراد عن طريق توفير فرص العمل الكريم، ودعم الناس من خلال توفير الحماية الاجتماعية، وكفالة سماع أصوات الفقراء والمهمشين. ولنعمل في سياق مواصلة جهودنا من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية ووضع خطة للتنمية لما بعد عام 2015 على أن نجعل من العدالة الاجتماعية أداة أساسية في تحقيق النمو المنصف والمستدام للجميع".