المقالات
قسم القانون
حيازة السلاح الناري أو استعماله خارج إطار القانون
تشكل ظاهرة حيازة الأسلحة في العراق جزء من تقليد موروث وثقافة متأصلة في بعض المجتمعات لا سيما الميالة إلى النمط الريفي أو العشائري، وبالرغم من انتقال عدد كبير من هؤلاء الأفراد للعيش في المدن إلا أن ثقافة حمل وحيازة واستعمال السلاح بالركون إليه في حل المشكلات أو التعبير عن الفرح أو الحزن أو ما سوى ذلك ظل ملازماً لفئة كبيرة من الناس، ولعل الإشكالية تعمقت عندما ضعف دور الأجهزة الأمنية في السنوات التي تلت الاحتلال الأمريكي للعراق، حيث شهد البلد رواجاً لتجارة السلاح وانتشاراً له في كل الأوساط حتى بات خطراً ماثلاً للجميع.
والمشكلة المتقدمة تضع السلطات العامة أمام تحدي كبير جداً يحتم عليها النهوض بواجباتها المنطقية والدستورية وعلى رأسها حماية وتعزيز حقوق الإنسان العراقي في مواجهة الخارجين عن القانون في حيازة أو استعمال السلاح، لاسيما الحق في العيش بهناء بعيداً عن كل المنغصات التي من شأنها التضييق على الإنسان، وان يشعر الفرد بالأمن في البيت أو الشارع أو المحل العام لا أن ينتظر حتفه أو موت أحد أولاده برصاص طائش يطلق من بعض الأفراد المتهورين، فقد شهدنا في الأيام الفائتة حوادث مؤسفة لأطفال وشباب راحوا ضحية هذا السلوك غير السوي فطفل يقتل برصاصة وهو يمارس لعبة كرة القدم مع زملائه وشاب يصاب بمقتل وهو بطريقه إلى المنزل أو العمل أو المدرسة، وما تقدم يحتم علينا مع ما سمعناه وما رأيناه التحذير من خطورة هذه الظاهرة غير الحضارية، ولعلنا نلتمس العذر للبعض ممن هو جاهل بالقانون أو من غلبت عليه العصبية القبلية فراح يستعمل السلاح للتهديد وحل الإشكاليات مع الغير أو راح يعبر عن مشاعر الفرح أو الحزن بطريقة الكاوبوي، بيد إننا لا نجد عذرا لنواب البرلمان العراقي حين يمارسوا هواية إطلاق الأعيرة النارية في الهواء أو ما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بقيام أفراد من الشرطة العراقية بهذا السلوك بعد نهاية مباريات بكرة القدم أو ما شاكل ذلك.
وللظاهرة المتقدمة آثاراً سلبية عديدة لا تقتصر على الإصابات المباشرة التي تقع على المواطنين بل قد تتمظهر بسلب الناس الراحة في منازلهم أو محال عملهم وتبدلهم حالة الأمن بحالة الخوف والقلق، الذي يورث بعضهم أمراضاً نفسية وجسدية لا تقل خطورة عن الموت أو العاهات المستديمة التي تخلفها الإصابات المباشرة بالأعيرة النارية الطائشة، ومن هنا حق لنا ان نتساءل ألم يضمن الدستور العراقي وسائر الوثائق الدولية ذات الصلة ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين وغيرها حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والحريات الأساسية وان التقصير بالقيام بالواجبات الملقاة على كاهل السلطة يقيم مسؤوليتها لفشلها في أداء وظيفتها في ضبط السلاح وتنظيم حيازته واستعماله وحصره بيد أجهزتها الرسمية؟، والسكوت عن الانتشار غير المبرر للسلاح على أقل تقدير في المحافظات الآمنة مساهمة ولو بطريق المساعدة غير المباشرة من السلطات العامة في ارتكاب جرائم بحق النساء والأطفال الذين يقعون ضحية العنف الأسري أو الأخطاء المتعمدة أو غير المتعمدة في استعمال السلاح، وفضلاً عما تقدم استشراء السلاح خارج منظومة الدولة الرسمية يشعر الجميع بغياب حالة الأمن العام وتعثر إقامة النظام.
ولو قدر للحكومة العراقية أن تنهض بهذه المسؤولية بشكل صحيح ستتجنب نفقات كبيرة وكبيرة جداً في أحوال المعالجة الطبية للمصابين أو المتضررين من إطلاق النار في غير موارده الحقيقية، ومن غير المخولين قانوناً بفعل ذلك، أضف لما تقدم إن الجماعات الإجرامية والإرهابية لن تجد صعوبة في شراء الأسلحة وتكديسها وتوزيعها على أفرادها طالما إنها متوفرة بكثرة في الأماكن السكنية وتباع في بعض الأماكن بشكل علني ما يتطلب الوقوف عند هذه الظاهرة الخطرة التي تهدد أمن المجتمع واستقراره، وان التسامح أو التراخي في التعامل بحزم مع هذا الملف سيفتح الباب واسعا أمام ممارسات غير قانونية أخرى إذ ستنتعش تجارة السلاح وجرائم تهريب السلاح من الخارج، وجرائم سرقة السلاح من مخازن الدولة وغيرها كثير بسبب إقبال فئات اجتماعية كبيرة على اقتنائه واستعماله في حالات تعد بحد ذاتها جريمة تقلق المجتمع وتضع الأجهزة المعنية بحفظ الأمن والنظام في موطن لا تجد أمامها إلا التحرك الفوري والتصدي بحزم لهذه المشكلة، وما أثير مؤخراً في العراق من اعتبار التهديد بالسلاح لغرض الانتقام العشائري جريمة إرهابية ما هو في الحقيقة إلا نتيجة طبيعية لانتشار الأسلحة النارية غير المسيطر عليه من قبل الدولة وأجهزتها المختصة ونتيجة طبيعية لتنصلها من مسؤوليتها في تطبيق القواعد القانونية ذات الصلة التي وردت في قانون الأسلحة وغيره، فلو طبق قانون الأسلحة والقرارات ذات الصلة التي تعاقب كل من أطلق النار في الهواء على شاكلة قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (570) لسنة 1982 لكان في ذلك ردع عام، وتحقيق للأمن والنظام.
وللتذكير نقول إن السياسة التشريعية التي تهدف إلى الحد من ظاهرة تمثل خطراً على الإنسان بأي شكل من الأشكال في نفسه أو ماله أو مجتمعه ينبغي ان تحظى بدراسة متكاملة تمكن من تفادي الأضرار أو التقليل منها إلى الحد الأدنى، وتنظيم حيازة السلاح أو استعماله في العراق تكفل بتنظيمها المشرع العراقي في قانون الأسلحة رقم (51) لسنة 2017 بيد ان المعالجة جاءت أقل ما يقال عنها انها غير متوازنة وقاصرة عن المنع لهذه الظاهرة والحد من النتائج التي أفضت إليها فالقانون حدد الجهات التي تمنح الإجازة بحمل السلاح وسماها سلطة الإصدار وهي تتمثل بوزير الداخلية أو من يخوله، وفي المادة السادسة حددت شروط الإجازة وهي تتمثل في (الجنسية بان يكون عراقيا، والعمر بان يكمل (25) سنة من عمره، وبان يكون قويم الأخلاق وحسن السمعة والسلوك، ولم يسبق ان حكم عليه بجناية غير سياسية أو جنحة مخلة بالشرف، وشرط الصحة بان لا يكون مصاب بعوق بدني أو مرض عقلي أو نفسي، وأخيراً ان يكون مؤهل فنياً لحمل السلاح) واستثنى المشرع من أحكام الإجازة وفق ما ورد بالمادة (14)كل من (رئيس الجمهورية ونوابه، رئيس مجلس النواب ونائبيه وأعضاء المجلس، رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ومن هم بدرجتهم، رئيس مجلس القضاء الأعلى والقضاة وأعضاء الادعاء العام، أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي العاملين في العراق وفقاً لقاعدة المقابلة بالمثل) كما من القانون ضباط القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والاستخبارية بما فيها الحشد الشعبي إمكانية حمل السلاح بوثيقة مجانية يصدرها الوزير المعني، وليس فيما تقدم أي غرابة، ولكن المستغرب ان البند رابعاً من المادة الرابعة عشر سمح للضباط ممن هم برتبة مقدم فما فوق وأعضاء مجلس النواب والوزراء بالاحتفاظ بالوثيقة المجانية وتعد بمثابة إجازة دائمة لحيازة وحمل السلاح الناري، والسؤال ماذا عن القضاة وأعضاء الادعاء العام؟؟.
والسؤال الأكثر إلحاحاً لماذا الاحتفاظ بالنسبة للوزراء والنواب بالإجازة مدى الحياة وهم أصبحوا مواطنين عاديين ممكن ان يحصلوا على الإجازة من وزير الداخلية شأنهم شأن أي مواطن أخر؟ والسؤال الأخر كيف سمح المشرع العراقي لنفسه أن يجعل الإجازة جزء من التركة إذ إن الفقرة (ب من البند رابعاً) قضى بانتقال الوثيقة المجانية التي هي بمثابة الإجازة الدائمة إلى أكبر الأولاد أن توافرت في الولد شروط حمل السلاح؟ وهل يعقل أن يأتي المشرع بمثل هذا الحكم؟ فالفقه الإداري مجمع إن القرارات الإدارية ومنها قرارات الإجازات لا يمكن بحال من الأحوال أن تؤبد، بل هي من القرارات المستمرة التي يعاد النظر بها أو تلغى في أي وقت.
لعلنا لا نخطأ التوصيف إن قلنا إن النواب في الدورة الثالثة من دورات مجلس النواب العراقي تفننوا في خلق الامتيازات الخرافية لهم ولذريتهم ومنها ما تقدم وهذا ما نصطلح عليه باستغلال السلطة والنفوذ، ليس هذا وحسب، بل إن إعادة النظر بالقوانين ومنها قانون الأسلحة رقم (13) لسنة 1992 انطوى على تخفيف للعقوبات بحق المتاجرين بالأسلحة النارية وهذا بحد ذاته إنعطافة سلبية من شأنها أن تشجع البعض على هذه الأفعال الخطيرة، وعند التذكير بما قدمنا أعلاه حول سلوك بعض البرلمانيين والذي انبرى له العديد من النواب والمسؤولين لتبريره والتذرع بمختلف الذرائع لتسويغ الفعل المخالف للقانون، بل إن بعض وسائل الإعلام خصصت حيزاً كبيراً من وقتها لتحليل الظاهرة وكأنها ظاهرة صحية ومطابقة للقانون، نفهم من كل ذلك إننا لازلنا بعيدين عن دولة المواطنة الحقة ونحن أقرب إلى دولة الامتيازات لذوي النفوذ والسلطة.
اكثر قراءة