المقالات
قسم الصحة والتغذية
حقوق المرضى وواجباتهم
تظهر بين الحين والآخر أمراض معدية، تنتقل من الحيوان إلى الإنسان، أو من الإنسان إلى إنسان آخر. وقد لا تقتصر العدوى على إصابة عدد قليل من الناس، بل تنتقل -بسرعة فائقة- إلى أعداد كبيرة من غيرهم، تشمل سكان مدينة بكاملها، أو دولة بكاملها، وربما تنتقل العدوى، من بلد إلى أخر، في ظل التواصل المستمر بين أبناء الشعوب والبلدان المتعددة.
إذ تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى انتشار وباء الكوليرا؛ والحصبة؛ والحمى الصفراء بسرعة كبيرة، والتي تتسبب بوفيات كثيرة، وتستوطن الملاريا في أكثر من 100 بلد. بينما يعيش الملايين مع فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والسل، أما الأمراض النزفية الفيروسية، مثل الإيبولا أو ماربورغ فهي أكثر ندرة، ولكنها قد تكون قاتلة.
ولذلك؛ فإن ظهور مرض معد في دولة ما سرعان ما يتحول إلى مصدر لتهديد سكان العالم أجمع، مما يجعل التعاون الدولي ملزماً. هذا فضلا عن ضرورة تنفيذ إرشادات الوقاية الصحية على مستوى الأفراد والمجتمعات، وتطبيق إجراءات الاستعداد للأزمات الصحية، وتفشي الأمراض المعدية عبر الحدود.
وإذا كان من المهم أخذ الإجراءات الوقائية الطبية المناسبة للحد من انتقال العدوى وانتشارها بين الأفراد والمجتمعات، من خلال الحجر الطبي، أو منع الانتقال أو السفر، أو غلق المنافذ والمعابر الحدودية والمطارات، فان ثمة موضوع في غاية الأهمية عادة ما لا يُلتفت إليه في ظل أجواء القلق والخوف والهلع الذي يصيب الناس جميعا، لا سيما مع التضخيم الإعلامي والسياسي المبالغ فيه، في كثير من الأحيان.
نعم؛ لا يحظى العديد من مرضى الأمراض المعدية بالاهتمام النفسي والمعنوي بالتوازي مع ما يقدم لهم من عناية مادية تستهدف القضاء على المرض والحد من انتشاره. والسؤال هنا ما هي الواجبات التي تقع على عاتق الدولة والمجتمعات المحلية والمنظمات الإنسانية إزاء مرضى الأمراض المعدية؟
وبتعبير آخر؛ ما هي الحقوق التي ينبغي أن يتمتع بها المصابون بالأمراض المعدية؛ وكيفية التعامل معهم، ليس من الناحية الصحية فقط، وإنما من الناحية النفسية والاجتماعية، بما يعزز قدرة المريض على الصمود ومواجهة المرض المعدي، وعودته إلى الحياة الطبيعية مجددا بدعم المجتمع وإسناده؟
فليس ثمة شك أن مقاومة المريض للمرض لا تعتمد على العلاجات التي يتلقاها المريض للقضاء على المرض وحسب، إنما تعتمد إلى حد كبير على الدعم والمساندة التي يحصل عليها المريض من أقرباءه وأصدقاءه وجيرانه ومجتمعه، فالاحتياطات والإجراءات الوقائية التي ينبغي أخذها لتجنب الإصابة بالعدوى؛ لا يجب أن تحول دون تقديم العون والمساعدة المطلوبة للمريض.
فالمرض -لا سيما المرض المعدي- يعد مشكلة خطيرة، يمكن أن يٌصيب أي إنسان رغما عنه، إذ من البديهي أن الإنسان لا يحب أن يمرض، ولا يتمنى أن يصاب بأي مرض عادي أو معدي، بل الكثير من الناس يعمل -نهارا جهارا- على تحسين صحته، من خلال ممارسة الرياضة؛ والعادات الغذائية الصحية، ومراجعة الأطباء والعيادات الطبية لغرض التأكد من سلامتهم البدنية، وينفق الناس جميعا -كل حسب قدرته المالية- الكثير من الأموال من أجل استعادة صحته أو جزء منها، فالصحة نعمة مجهولة، لا يشعر بها الإنسان ولا يتحسس أهميتها حتى يفقدها أو يفقد جزء منها، ولكن المرض يظل زائرا لابد منه في فترات عمر الإنسان المختلفة، ولا يكاد يسلم إنسان من وعكة صحية أو عارض صحي يلم به.
وإذا كان الأمر كذلك؛ فان من المهم التركيز على ما ينبغي أن يقوم به الآخرون، كالمؤسسات الصحية والمجتمعية من مساندة ودعم للمرضى، للانتقال بهم من حالة المرض إلى حالة الشفاء التام، حيث يتعين على المؤسسات الصحية والاجتماعية أن تعمل على توجيه أفراد المجتمع إلى طرائق التعامل مع المرضى، لاسيما الأمراض المعدية، بما يعزز قدرة المريض على الصمود، ومغادرة حال المرض.
ومن بين الحقوق المعنوية والاجتماعية التي ينبغي أن يتمتع بها المرضى ومرضى الأمراض المعدية هي:
1. أن تتولى المؤسسات الصحية عملية التعريف بالمرض من الناحية العلمية، وطرق التعامل مع المصابين به، من حيث تسمية المرض؛ وآثاره؛ وطرق الوقاية منه وعلاجاته، من أجل الحدّ-قدر الإمكان- من الآثار السلبية غير الضرورية التي تقع على البلدان والاقتصادات والناس.
يقول الدكتور (كيجي فوكودا) المدير العام المساعد للأمن الصحي في منظمة الصحة العالمية (في السنوات الأخيرة، ظهرت عدّة أمراض معدية بشرية جديدة. وكان لاستخدام أسماء من قبيل أنفلونزا الخنازير، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية آثار سلبية غير مقصودة؛ بسبب وصم مجتمعات أو قطاعات اقتصادية معيّنة. وقد يبدو ذلك مسألة تافهة بالنسبة للبعض، بيد أن أسماء الأمراض شيء مهمّ بالنسبة للناس المعنيين بها مباشرة. ولقد شاهدنا كيف أدت أسماء أمراض معيّنة إلى ردّ فعل قوي ضد أفراد مجتمعات دينية أو عرقية خاصة، وأوجدت حواجز لا مبرر لها أمام السفر والتبادل والتجارة، وسببت دون داعٍ إعدام حيوانات تُستخدم كغذاء. ويمكن أن يكون لذلك آثار خطيرة على حياة الناس وأسباب معيشتهم).
في الواقع، وفي كثير من الأحيان، يُطلق الناس من خارج المجتمع العلمي أسماءً دارجةً على الأمراض. ومتى ترسخت أسماء الأمراض في الاستعمال الدارج من خلال الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي يصير من العسير تغييرها، وذلك حتى إذا كان الاسم المستخدم غير مناسب. وعليه، فمن المهمّ أن يستخدم أول شخص يبلِّغ عن مرض بشري جديد اسماً مناسباً، يكون سليماً من الناحية العلمية، ومقبولاً من الناحية الاجتماعية.
وتشمل الأسماء التي ينبغي تجنبها المواقع الجغرافية مثل (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، الأنفلونزا الإسبانية، حمى الوادي المتصدع) وأسماء الأشخاص مثل (داء كرويتسفلد- ياكوب، داء شاغاس) وأنواع الحيوانات أو الأغذية مثل (أنفلونزا الخنازير، أنفلونزا الطيور، جدري القردة) والإشارات الثقافية أو السكانية أو الصناعية أو المهنية مثل (داء الفيالقة) والمصطلحات التي تثير خوفاً لا داعي له مثل (مجهول، قاتل، وباء).
وعليه؛ تشير أفضل الممارسات على أنه ينبغي لاسم المرض أن يتكون من مصطلحات وصفية عامة، استناداً إلى الأعراض التي يسببها المرض مثل (مرض تنفسي، متلازمة عصبية، إسهال مائي) ومصطلحات وصفية أكثر تحديداً عندما تتوافر معلومات قوية عن مظاهر المرض، ومن يتأثر به ووخامته أو موسميته مثل (تدريجي، خاص بالأحداث، وخيم، شتاء). وإذا كان العامل المسبب للمرض معروفاً، ينبغي أن يكون جزءاً من اسم المرض مثل (فيروس كورونا، فيروس الأنفلونزا، السالمونيلة).
2. أن تتولى وسائل الإعلام المتعددة عملية إرشاد المصابين وغير المصابين إلى طرق العلاج والوقاية من المرض، على وفق الطرق الصحية المحددة، وفي الوقت ذاته لا تقوم بعملية التهويل والتخويف غير المبرر، لأن من شأن الإجراءات غير المدروسة أن تسهم في استفحال المرض، وفي انتشاره، وفي إحباط المعنويات لدى المرضى وغير المرضى، على حد سواء. فالكثير من المرضى مع وجود إعلام غير مهني يعتقد أنه ميت لا محال، فتضعف معنوياته، وتقل مقاومته للمرض، كما أن الكثير من الناس مع عدم وجود إعلام مضلل قد يعتقدون أنهم مرضى أيضا، أو أن المرض قادم لهم لا محال، فيصابون بالخوف والهلع ويقومون بأعمال قد تسبب الإرباك والفوضى في المجتمع.
3. أن يبدي الناس غير المصابين بالمرض تعاطفا مع المرضى من أجل رفع معنوياتهم وقدرتهم على الصمود ومقاومة المرض، فلا شك أن الدعم الاجتماعي الذي يقدمه الأهل والأصدقاء والمجتمعات المحلية لمرضاهم هو علاج فعال، بل هو الأساس في التخلص من الأمراض المعدية، بالإضافة إلى أخذ العلاجات الطبية المقررة. ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال التواصل الإلكتروني مع المرضى أو القيام بفعاليات واحتفالات اجتماعية ودينية تتضمن رفع الروح المعنوية لدى المرضى والدعاء لهم بالشفاء فان الله هو المشافي وهو المعافي.
4. لابد للمؤسسات الصحية الرسمية وغير الرسمية أن تبين بشكل واضح الواجبات التي يتعين على المريض القيام بها، في حال شعر أو تأكد أنه مصاب بمرض معدي من شانه أن يفتك به أو بأحد المقربين له، أو يتسبب بانتشار المرض في بلده، إذا لم يبادر إلى القيام بواجباته الأساس منها على سبيل المثال: تقديم كل المعلومات الخاصة بحالته الصحية، والأعراض التي ظهرت عليه والدخول فورا إلى المستشفى من أجل معاينته من الأطباء الاختصاصيين لتشخص حالته المرضية، والتعاون في إتباع الإرشادات المتعلقة بالعلاج والمقدمة له من الطاقم الصحي، ومن الواجب على المريض احترام العاملين الصحيين وجميع العاملين بالمركز الصحي، وإبلاغ المركز الصحي في حالة تغير عنوان سكنه أو حالة ترك البلاد نهائياً.
اكثر قراءة