akdak

المقالات

قسم القانون

حماية الأطفال الأحداث من ممارسات التعذيب عند الاحتجاز

236

جميل عوده ابراهيم

يحدث في كثير من البلدان أن يُدخل الأطفال إلى السجون والمؤسسات الإصلاحية، تحت ظروف مختلفة، وهناك يتعرض الأطفال الأحداث إلى اعتداءات متكررة من السجناء ممن يكبرونهم سنا، ومن رجال الأمن الذين يتولون إدارة السجون. وبالنظر إلى المعاملة غير الإنسانية التي يُعامل بها الأطفال السجناء؛ يجد هؤلاء الأطفال أنفسهم مضطرين إلى أن يكتسبوا (العدوى الإجرامية) فيصبحوا -بين ليلة وضحاها- جزء من عالم الجريمة المنظمة، ما يشكل خطرا إضافيا جسيما على المجتمع كله.

ومع أن اتفاقية حقوق الطفل برهنت على أنها معلم رئيسي على طريق تعزيز وحمايـة حقوق الطفل على الصعيد العالمي، فإن هناك العديد من التحديات الواجب التغلب عليها في العديد من البلدان قبل القول بأن هذه الحقوق أصبحت حقيقة واقعة، بما في ذلك بوجه خاص في الحـالات التـي يخالف فيها الأطفال القانون السائد، ويُزجوا في السجون.

لاشك أن عنف الشرطة ضد الأطفال أمر شائع، وكذلك حالات اختفائهم غيـر الطوعي، واعتقالهم التعسفي، واستخدام السجن لمخالفات بسيطة من طرف صغار السن للقانون، بالرغم من أن المفروض ألا يستخدم السجن إلا كملجأ أخير. وغالبا ما يتعرض الأطفال للاحتجاز في ظروف غير مقبولة، ويتعرضون للعنف أثناء الاحتجاز، في مخالفة للقانون الدولي والوطني على حد سواء، بما يشمل العقوبة البدنيـة كـإجراء تأديبي. وفي بعض البلدان يعدم الأطفال لجرائم ارتكبت عندما كان سنهم يقـل عـن الثمانيـة عشـرة.

من هم الأطفال الأحداث الذين يُدخلون السجن عند ارتكابهم جرما ما؟ ومتى تتحقق المسؤولية الجنائية للأطفال الأحداث؟ وكيف؟ وهل تُعد السجون والمؤسسات الإصلاحية هي الملاذ الأول للدول والحكومات في السيطرة على الجرائم التي يرتكبها الأطفال الأحداث؟ وماهي حقوقهم في السجون؟ وما هو الموقف القانوني من أعمال الانتهاكات التي تُرتكب بحق هؤلاء الأطفال قبل المحاكمة وبعدها؟ وماذا ينبغي أن تفعل المؤسسات الأمنية والقضائية من أجل المحافظة على الأطفال الأحداث من التحاق بعالم الجريمة والجريمة المنظمة، فيصبحوا على ما فعلوا نادمين؟

الحدث هو طفل أو شخص صغير السن تنسب إليه تهمة ارتكاب جرم أو ثبت ارتكابه له. والجرم هو أي سلوك (فعل أو إهمال) يخضع للعقوبة بحكم القانون بموجب النظم القانونية ذات العلاقة. والطفولة مرحلة ذات فترة زمنية تبدأ بالميلاد وتنتهي ببلوغ سن الثامنة عشرة، أما في حالة إذا تجاوز الطفل سن الثامنة عشرة من عمره أصبح بالغا، وعليه؛ ويسأل مسئولية جزائية طبقا لقانون العقوبات.

وتحدد بعض التشريعات العديد من الفئات التي تندرج تحت مفهوم الأحداث، حيث ينص قانون الأحداث العراقي في المادة 3/ثانيا على أنه "يعتبر حدثا من أتم التاسعة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة"، ونصت الفقرة الثالثة من المادة المذكورة على أنه "يعتبر الحدث صبيا إذا أتم التاسعة من عمره، ولم يتم الخامسة عشرة." والفقرة الرابعة نصت على أن "يعتبر الحدث فتى إذا أتم الخامسة عشرة من عمره، ولم يتم الثامنة عشرة".

ومن الملاحظ أن الغالبية العظمى من تشريعات الدول العربية والأوربية لجأت الى رفع الحد الأقصى لسن الحدث إلى سن الـ18 سنة متأثرة في نهجها بالسياسة الجنائية والعقابية الحديثة، والتي تنظر إلى الحدث على أنه ضحية، وليس متهم وسلك الجريمة نتيجة لظروف اجتماعية وبيئية محيطة به، وهي أقوى من إرادته وإدراكه.

ولكي يكون تجريد الطفل من حريته متماشياً مع المعايير الدولية يجب أن يكون هذا التجريد أو هذا الحرمان من الحرية قانونيا وغير اعتباطي؛ وأن يفرض كملجأ أخير، أي عندما لا تتاح البتّة أي تدابير بديلة ملائمة تكون في متناول السـلطات، ويمكن لها أن تتخذها من أجل التصدي للطفل المعني، وأخيراً أن يمتد هذا التجريد لأقصر فترة زمنية مناسبة.

فقد نصت المادة ٣٧(ب) من اتفاقية حقوق الطفل على (أولاً-على ألا يحرم أي طفـل مـن حريتـه بصورة غير قانونية وتعسفية. وثانياً- يجب أن يجري اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقا للقانون، ولا يجوز ممارسـته إلا كملجأ أخير، ولأقصر فترة زمنية مناسبة.) ووفقا للمادة ٣٧(أ) من اتفاقية حقوق الطفل (لا ينبغي أن يتعرض أي طفل للتعذيب أو لغيـره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة) كما يتمتع الطفل أيضا بالحماية العامة من التجاوزات البدنية والعقلية المنصوص عليهـا فـي المادة( ٧ ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

وهذا المنع مطلق، ولا يمكن التحلل منه، في أي ظرف من الظروف. وحظر سوء المعاملة لـه بطبيعة الحال أهميته الخاصة بالنسبة للأطفال المجردين من حريتهم، ولكنه يتعلق أيضاً بالأطفال الذين هم، على سبيل المثال، يخضعون للتحقيق من قبـل الشـرطة دون أن يعتقلوا أو يحتجزوا. بل إن أشد الفترات حرجاً بالنسبة لطفل مشتبه به أو متهم بارتكابـه جريمـة مـن الجرائم هي فترة التحقيق والاحتجاز السابق للمحاكمة، وهي الفترة المحتمل أن يتعرض فيهـا للمعاملـة السيئة ولغيرها من أشكال التجاوزات.

إن الهدف المعلن من نظام قضاء الأحداث ككل في قانون حقوق الإنسان الدولي هو إعادة تأهيل الطفل وإدماجه من جديد في المجتمع، ويتضح ذلك بوجه خاص من المادة (140) من اتفاقية حقوق الطفل التي تنص على ما يلي: (تعترف الدول الأطراف بحق كل طفل يدعى أنه انتهك قانون العقوبات أو يتهم بذلك أو يثبت عليه ذلك في أن يعامل بطريقة تتفق مع رفع درجة إحساس الطفل بكرامته وقدره، وتعزيز احترام الطفل لما للآخرين من حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتراعى سن الطفل واستصواب تشجيع إعادة اندماج الطفل وقيامه بدور بناء في المجتمع).

تؤكد منظمة (هيومن رايتس ووتش) أنه ينبغي معاملة الأطفال الذين يُزعم ارتكابهم أعمالا غير قانونية وفقا للمعايير الدولية لقضاء الأحداث. يسمح القانون الدولي للسلطات باحتجاز الأطفال قبل المحاكمة في حالات محدودة، ولكن فقط إذا وُجهت إليهم تهم رسمية بارتكاب جريمة، وليس كمشتبه بهم فحسب. ينبغي للسلطات إطلاق سراح جميع الأطفال الذين لم توجه إليهم تهم رسمية.

وفي حال إيداع الطفل الحدث في السجون؛ تحظر جميع التدابير التأديبية التي تنطوي على معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، بما في ذلك العقاب البدني والإيداع في زنزانة مظلمة، والحبس في زنزانة ضيقة أو انفراديا، وأي عقوبة أخرى يمكن أن تكون ضارة بالصحة البدنية أو العقلية للحدث المعني. ويحظر تخفيض كمية الطعام وتقييد الاتصال بأفراد الأسرة أو الحرمان منه، لأي سبب من الأسباب. وينظر إلى تشغيل الحدث دائما على أنه أداة تربوية ووسيلة للتعزيز احترامه لذاته لتأهيله للعودة إلى المجتمع، ولا يفرض كجزاء تأديبي. ولا يعاقب الحدث أكثر من مرة واحدة على نفس المخالفة التي تستوجب التأديب. وتحظر الجزاءات الجماعية.

وعلى وفق المبادئ العامة في التعامل مع الأحداث يُفترض أن الأحداث المقبوض عليهم أو الذين ينتظرون المحاكمة (الذين لم يحاكموا بعد) أبرياء، ويحاكمون على هذا الأساس، ويُجتنب، ما أمكن، احتجازهم قبل المحاكمة، ويقصر ذلك على الظروف الاستثنائية، ولذلك يبذل قصارى الجهد لتطبيق تدابير بديلة. ولكن إذا استخدم الاحتجاز الوقائي، تعطى محاكم الأحداث وهيئات التحقيق أولوية عليا للتعجيل إلى أقصى حد بالبت في هذه القضايا لضمان أقصر فترة ممكنة للاحتجاز، ويُفصل بين الأحداث المحتجزين الذين لم يحاكموا، والذين أدينوا.

وبناء على القواعد القانونية الدولية في التعامل مع الأطفال الأحداث، وضرورة عدم إيداعهم السجون والمؤسسات الإصلاحية إلا للضرورة القصوى التي تراعي أوضاع الأطفال الأحداث، ولاسيما عدم التعرض لهم بالتعذيب والإهانة وغيرها من الأفعال التي يرتكبها الشرطة أثناء الاحتجاز وقبل المحاكمة وبعدها، فان هناك مجموعة من التوصيات أهمها:

1. ينبغي أن تتعامل المؤسسات الأمنية والإصلاحية، لاسيما قوات حفظ النظام والشرطة مع الأطفال على أساس أنهم فئة خاصة، ولهم قوانين وقواعد خاصة للتعامل معهم، وأي خرق لتلك القواعد القانونية يعرضهم للمساءلة والمحاسبة؛

2. ينبغي وضع مناهج التدريـب والقيام بـدورات تدريبية لكل الجهـات الفاعلة في مجـال العدالة الجنائية المتعاملين مع الأحداث الموجودين في نزاع مع القانون وأولئك المهددين، لاسيما الشرطة أو قوات حفظ النظام؛

3. ينبغي أن يكون خيار السجن للأطفال الأحداث هو آخر الخيارات، وعلى الحكومات والمؤسسات الإصلاحية أن تشجع بدائل السجن الأخرى من أجل تفادي تعرض الأطفال إلى عوامل خارجية وداخلية داخل السجون يمكن أن تعطي بل هي تعطي في الغالب نتائج عكسية من إيداعهم السجن؛

4. ينبغي أن يحترم جميع الموظفين حق الحدث في أن تكون له خصوصياته، ويحمون، على وجه الخصوص، جميع المسائل السرية المتعلقة بالأحداث أو أسرهم والتي يطلعون عليها بحكم وظيفتهم؛

5. على جميع الموظفين احترام هذه القواعد. وعلى الموظفين الذين لديهم سبب للاعتقاد بأن انتهاكا خطيرا لهذه القواعد قد وقع أو بسبيله إلى الوقوع أن يبلغوا الأمر إلى سلطاتهم العليا أو للأجهزة المخولة صلاحية إعادة النظر والتصحيح؛

6. محاسبة موظفي مؤسسات الاحتجاز والإصلاحيات على أي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة أو التأديب، المؤلمة أو القاسية أو لا إنسانية، أو أن يحرض على القيام به، أو أن يتسامح بشأنه، أيا كانت الذريعة أو الظروف.

7. وضع برامج لرعاية الأطفال المفرج عنهم بمشاركة المصالح المجتمعية غير الحكومية.