akdak

المقالات

قسم القانون

حقوق وحريات المواطن العراقي الأساسية في مشروع قانون الأحزاب

198

د علاء ابراهيم محمود الحسيني

كفل الدستور العراقي لعان 2005 حريات وحقوق المواطن العراقي الأساسية ويعد ما أورده في هذا الخصوص هو الحد الأدنى منها وألزم السلطات العامة بعدم تقييدها أو الحد منها إلا بقانون وبما لا يصادر جوهر الحق أو الحرية، ومن الحريات الأساسية التي جرى التأكيد عليها في الإعلانات والمواثيق والعهود الدولية إضافة للدساتير الوطنية حرية تأسيس الأحزاب والانضمام إليها أو الانسحاب منها، والدستور العراقي شأنه شأن أقرانه من دساتير الدول أورد نص المادة (39) التي نصت على (أولا/ حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية أو الانضمام إليها مكفولة وينظم ذلك بقانون. ثانياً/ لا يجوز إجبار احد على الانضمام إلى أي حزب أو جمعية أو جهة سياسية أو إجباره على الاستمرار في العضوية فيها).

واليوم يصبو المواطن العراقي نحو مجلس النواب مؤملاً صدور قانون ينظم تأسيس وعمل الأحزاب ويبين الأحكام القانونية الخاصية بآلية اكتساب العضوية فيها أو فقدها، كما لابد من تبيان الحكم القانوني لاندماج وانصهار أكثر من حزب لتأسيس حزب جديد أو تحالفها مع بعض لولوج ساحة العمل السياسي لاسيما في الأوقات الحاسمة وبالتحديد في فترة الانتخابات، والملاحظ إننا وبعد عشر سنوات لازلنا بلا قانون أحزاب ينظم ويضبط عمل وأداء هذه المؤسسات المهمة التي تعد عنصراً وجزءً لا يتجزأ من النظام السياسي في العراق، ومؤخراً تداولت الأوساط البرلمانية وجود مشروع قانون للأحزاب السياسية تقدمت به الحكومة بعد طول انتظار بيد انه كان محط انتقادات بعض الساسة والأوساط الشعبية والأكاديمية، فبادر السيد رئيس الجمهورية بطرح مشروع قانون حاول من خلاله تجنب أهم الانتقادات الموجهة إلى سلفه لاسيما ما يتعلق بتبعية دائرة الأحزاب فاقترح ربطها بالمفوضية العليا للانتخابات بدل وزارة العدل الأمر الذي يبدو أكثر منطقية من مشروع مجلس الوزراء.

ومشروع القانون الأخير هو الآخر لا يخلو من الملاحظات التي يحلو للسياسيين أن يسموها خلافية وحقيقة الأمر هي انتهاكات صارخة لحقوق المواطن العراقي وحرياته الأساسية وتفرق بين المواطن وحرياته وفي أحيان أخرى هي صياغات قانونية غير سليمة قد تستغل مستقبلاً فتتسبب بأضرار لا يحمد عقباها، فعلى سبيل المثال عرف المشروع الحزب السياسي بأنه مجموعة أشخاص منظمين...، وهذا التعريف تعوزه الدقة ويباعد بينه وبين المنطق القانوني السليم بعد المشرقين، فالأولى النظر للحزب بأنه منظمة سياسية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري عن مؤسسيه وأعضائه، هدفه الاشتراك بالعملية الانتخابية للوصول إلى السلطة أو المشاركة بها عبر الوسائل السلمية والإيمان المطلق بالتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع.

وسنعطي بعض الأمثلة على مخالفات جاء مشروع القانون زاخراً بها فهنالك ثوابت دستورية سنحاول أن نحددها وهل استطاع المشروع المزمع تشريعه تطبيقها أم انه تجاوزها:-

أولاً// مبدأ المساواة بين العراقيين ومشروع قانون الأحزاب (م14) من الدستور:-

اشترط مشروع القانون على الهيأة المؤسسة للحزب أن لا يقل عددهم عن (7) وان يستصحبوا تواقيع ما لا يقل عن (2000) عراقي في ست محافظات عراقية، وان يكون كل منهم عراقياً كامل الأهلية وأتم الخامسة والعشرين من العمر، والمتأمل بالنصوص أعلاه يجد إنها تخالف مبدأ المساواة لأنها حرمت العراقي في الخارج من الانتماء للأحزاب العراقية في حين قانون الانتخابات لمجلس النواب العرقي رقم (45) لسنة 2013 لم يفرق بين عراقيي الداخل والخارج ولم يعالج حالة الأحزاب القائمة حالياً والتي تملك ممثليات لها في الخارج بل إن اغلب قادتها يعيشون في الخارج، أضف إلى ذلك إن اشتراط سن (25) من العمر ما هو إلا استنساخ لما ورد بالمادة (7) من قانون الأحزاب السياسية العراقي رقم (30) لسنة 1991 المعدل وهي محاولة لإقصاء الشباب الطامح للعمل السياسي وترسيخ للمخالفات الدستورية الواردة في قوانين الانتخابات على مستوى المحافظات أو البرلمان عندما اشترط المشرع إكمال (30) سنة للترشح بينما الدستور العراقي لم يشر لذلك في المادة (49).

ويا حبذا لو ان المشرع ألزم الأحزاب جميعاً بان يكون مقرها في بغداد ولها فتح فروع في المحافظات وان يكون قادة الأحزاب من المقيمين إقامة دائمة في العراق.

ثانياً// مبدأ المساواة بين العراقيين أمام الإجراءات القضائية والإدارية (م19 من الدستور):-

فقد اعتبر المشروع تقديم طلب التأسيس لمفوضية الانتخابات وقيام الأخيرة بنشره بصحيفتين محليتين وبعدها يعد الحزب قائماً من تأريخ النشر وهذا خلاف للإحكام القانونية فالاعتراف للحزب بالشخصية المعنوية لا يكون من تأريخ النشر بل من تأريخ صدور القرار الإداري من الجهة الإدارية المختصة، وليت إن المشرع العراقي يحدد موعداً للمفوضية بان يلزمها بضرورة الرد على الطلب المقدم من المؤسسين في مدة أقصاها ثلاثون يوماً من بعد النشر لتتلقى خلال هذه المدة الاعتراضات من الأفراد والأحزاب الأخرى عند وجود مبرر ومصلحة معتبرة كما لو شابه الحزب المراد إنشائه في اسمه أو شعاره أو برنامجه حزباً آخر قائم أو مزمع إقامته، وضرورة ان يتم نشر قرار الإنشاء في الجريدة الرسمية للدولة.

من جهة أخرى اشترط مشروع القانون تقديم الاعتراض أمام القضاء وسماه المحكمة المختصة ولا ندري اي محكمة يقصد أهي محكمة القضاء الإداري أم محكمة البداءة؟ كما حدد رسم الدعوى بمبلغ مقداره (500,000) ألف دينار وفي ذلك إجحاف وانتهاك لمبدأ المساواة أمام القضاء فلماذا رسوم الدعاوى وفق قانون الرسوم العدلية رقم (114) لسنة 1980 لا تتجاوز في أفضل الأحوال (50000) دينار وهذا تمييز بلا مسوغ قانوني، كما ان المشرع أجاز الطعن بقرار المحكمة المختصة لدى المحكمة الاتحادية العليا بعد دفع رسم مقداره (1000000) والمشروع في هذه النقطة بالتحديد بدل أن يضع ضوابط وشروط تمثل ضمانات حقيقية كتحديد ميعاد هذه الدعاوى بان لا تسمع بعد مرور (60) يوماً من تأريخ النشر بالصحف وان على المحكمة البت بالدعوى بشكل مستعجل، قام برفع مبالغ الرسوم وهذا المسلك محاولة لوضع عراقيل أمام المتقاضين لا غير.

ثالثاً/ مبدأ تكافؤ الفرص والكيل بمكيالين في مشروع قانون الأحزاب (م16 من الدستور):-

ورد في الدستور العراقي لعام 2005 في المادة (45/ أولا/ تحرص الدولة على تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني ودعمها وتطويرها واستقلاليتها بما ينسجم مع الوسائل السلمية لتحقيق الأهداف المشروعة لها وينظم ذلك بقانون) ففي الوقت الذي يلزم الدستور السلطات العامة بتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني ودعمها وتطويرها وهذا ليس تلميحاً بل تصريح بان الحكومة يجب أن تمد يد العون لهذه المؤسسات، وعند قراءة قانون مؤسسات المجتمع المدني رقم (12) لسنة 2010 والتعليمات الصادرة بناءً عليه نجد محاولة للحد من حرية هذه المؤسسات بل التضييق على مؤسسيها وإلزامهم بإتباع وسائل معقدة للحصول على إجازة التأسيس وعدم وجود أدنى حد من حدود الدعم لها، وبالمقابل نجد مشروع قانون الأحزاب يمد يد العون للأحزاب ويلزم الحكومة بإعفاء الأحزاب من الضرائب والرسوم بل يمنحها إعانة مالية بنسب سخية جداً تصل إلى (10%) بالتساوي لجميع الأحزاب المسجلة و(90%) للأحزاب الممثلة في مجلس النواب وفقاً لمتوسط عدد المقاعد التي يحصل عليها، ولعمري هذا المنهج التشريعي سيسيل لعاب الكثير من الانتهازيين والنفعيين والسياسيين الفاسدين من الذين اعتادوا امتصاص خيرات البلد تحت ذرائع واهية كما انه سيرهق الموازنة العامة للدولة وسيؤدي إلى هدر العديد من الحقوق.

..........................................