المقالات
القسم الاجتماعي
حق التعبير عن الرأي وحرية الإعلام
"لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود" المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
على المستوى الفردي، تُعد حرية التعبير أمراً رئيسياً لحياة وكرامة وتنمية كل شخص، فهي تتيح لكل شخص أن يفهم ما يحيط به والعالم الأوسع من خلال تبادل الأفكار والمعلومات بحرية مع الآخرين. وبالتالي، تجعله قادرا أكثر على تخطيط لحياته وأنشطته، فضلا عن أن قدرة الشخص على التعبير بما يدور في ذهنه من أفكار توفر له مساحة واسعة من الأمن الشخصي والاجتماعي.
وعلى المستوى الاجتماعي والوطني، تضمن حرية التعبير أن يتم النظر بدقة في أي سياسات وتشريعات جديدة، تنوي الدولة تشريعها من خلال مشاركة المواطنين، وأخذ أفكارهم وملاحظاتهم. وتساعد حرية التعبير على احترام القانون وتنفيذه، كونه يحظى مقدما بدعم وتأييد الشعب. كما تدعم حرية التعبير مفهوم الحكم الرشيد من خلال تمكين المواطنين من طرح مخاوفهم لدى السلطات، وبالتالي تحسين جودة الحكومة من خلال توكل مهمة إدارة الدولة إلى الأشخاص الأكثر كفاءة ونزاهة.
وتسهم حرية التعبير في كشف نقاط القوة والضعف لدى المؤيدين والمعارضين للسلطة، وهذا يمكن الناخبين من اتخاذ قراراتهم الواعية حول من هو الشخص الأكثر تأهيلاً لإدارة البلد ويصوتون بناءً على ذلك. كما وتساهم حرية التعبير وحرية المعلومات على تنفيذ حقوق الإنسان الأخرى، وتمكن الصحفيين والناشطين من لفت الانتباه إلى قضايا وانتهاكات حقوق الإنسان، وإقناع الحكومة باتخاذ إجراءات حيالها إلى غير ذلك من فوائد لحرية التعبير عن الرأي.
ليس هناك مفهوم محدد لحرية الرأي، وإنما هناك تعريفات متناثرة حول هذا المفهوم، إذ حاول كثير من الفقهاء التعرض له. فيمكن تعريف حرية الرأي بأنها التعبير الخارجي عن الفكر الباطني والتعبير يكون عادة بالقول أو الفعل أو الخطابة أو الكتابة والنشر، وكذا بالحركات الدالة والصور والرسوم. وذلك بدون أية رقابة حكومية بشرط ألا يمثل الطريقة ومضمون الأفكار ما يمكن اعتباره خرقا للقوانين وأعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية الرأي.
في حين ذهب فريق آخر إلى تعريفها بأنها قدرة الإنسان في تكوين رأيه بناءا على تفكيره الشخصي، دونما تبعية أو تقليد لأحد، أو خوفا من أحد وأن يكون له كامل الحرية في إعلان هذا الرأي بالأسلوب الذي يراه مناسبا.
وهناك تعريف آخر لحرية الرأي والتعبير وفق القانون الدولي العام وهي حرية الشخص في أن يقول ما يفكر به دون أن يطارد وتشمل الحرية في استقصاء الإخبار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون التقيد بالحدود الجغرافية وبأي شكل سواء كانت مكتوبة أو شفهية أو مطبوعة وبأي وسيلة يختارها الشخص.
تجد حرية الرأي سندها في القرآن الكريم في قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وقوله تعالى (والذين مكناهم في الأرض وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر).
هناك عدة مبررات تطرح كأساس تقوم عليه حرية التعبير والرأي، وهي:
طبيعة الإنسان: الفرضية الأساسية في الديمقراطية هي أن الناس قادرون على اختيار الرأي الذي يؤمنون بصحته من بين مجموعة آراء.
حرية التعبير هي أداة لاكتشاف الحقيقة: المس بحرية التعبير يمنعنا من تغيير موقف خاطئ بموقف أكثر صحة منه.
منع ظلم السلطة: لا تملك السلطة دائما الحقيقة، والمس بحرية التعبير قد يمنع انتقادات ضرورية تجاه النظام.
تحقيق الذات: يشكل كم الأفواه مسا خطيرا بكرامة الإنسان وحريته.
يرتبط الحق في حرية الرأي والتعبير بحقوق وحريات أخرى، بعـضها لازم يعتمد عليها، والأخرى من مظاهره ووسائل ممارسته. فلا يمكن أن نتصور ممارسة هذا الحق بدون حرية الحصول على المعلومات، أو حرية الإعـلام بكافة أشكاله المطبوع والمرئي والمسموع والالكتروني، أو حرية التجمـع السلمي... مع ذلك هناك جدل لا يزال قائما حول ما يمكن أن يعد من حرية الرأي، وبين ما يعتبر انتهاكا لها واعتداءا على حريات الآخرين. ومن مظاهر التعبير عن الرأي هي:
• حرية الطباعة والنشر حيث يعتبر الحق في الطباعة والنشر من أولى الحقوق التي أولتها العهود والمواثيق الدولية الأهمية الكبرى وحرصت على تثبيتها وإلزام الدول النص عليها في دساتيرها المحلية حيث أن الضمانة الأساسية للأنظمة الديمقراطية هي حرية طباعة الكتب والمجلات والصحف اليومية ومن خلالها يمكن للكتاب والمثقفين والناشطين المدنيين الكتابة وإيصال وجهات آرائهم في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية إلى الرأي العام ومن خلالها يمكن التأثير في المجتمعات المحلية ودفعها لرص الصفوف وشحذ الهمم والضغط باتجاه تصحيح وتصويب السياسات العامة.
• حرية والنشر الالكتروني: وهي من الحريات التي بدأت تأخذ مكانها حديثا نتيجة للتطور الكبير والواسع في وسائل الاتصال وانتشار شبكة الانترنت العالمية وظهور وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر واليوتيوب والتي أتاحت للمواطنين مساحات واسعة لنشر المعلومات بضمان سرعة وصولها لأكبر عدد من القراء والمتلقين خلال فترات قصيرة جدا مع ضمان مساحات واسعة من التأثير والتفاعل من قبل القراء والمتابعين في اي مكان من العالم
• الحق في الحصول على المعلومة: يعتبر هذا الحق من الحقوق الأصيلة للإفراد والجماعات وهو مدخل لممارسة بقية مظاهر الحق في حرية التعبير عن الرأي حيث إن تمكين الأفراد والجماعات من تلقي مختلف المعلومات وتسهيل عملية تداولها يغني معلومات الأفراد ويساعد في تنضيج مواقفهم لممارسة الحق في التعبير والتظاهر والمشاركة في حملات المدافعة والمناصرة.
تعد قضية حماية حقوق الإنسان بشكل عام وحرية الرأي والتعبير بشكل خاص من أهم القضايا المطروحة على الساحة الدولية في إطار منظومة الأمم المتحدة، خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وحصول الشعوب على استقلالها، وبناء دولها وظهور هيئات ومنظمات المجتمع الدولي المعنية بحقوق الإنسان وحرياته وحمايتها وتدوين هذه المبادئ والحقوق في العديد من الإعلانات والاتفاقيات الدولية في شتى المجالات وإنشاء آليات دولية لحماية وتعزيز الإنسان.
يحتوي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة التاسعة عشرة منه على أول بيان معترف به بشكل واسع للحق في حرية التعبير حيث تنص المادة على ما يلي: "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية."
كما نصت المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسي "1- لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. 2- لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
تواجه حقوق الإنسان وحرياته بصفة عامة جملة من القيود عند ممارستها، ومنها حرية الرأي والتعبير، إذ أن هذه الحرية تقيد بمجموعة من القيود القانونية لغرض تنظيم ممارستها ولضمان احترام حقوق أو سمعة الآخرين أو من اجل حماية الأمن الوطني والنظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق العامة.
وهذا ما أكدته جميع الاتفاقيات الدولية ومنها على سبيل المثال العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إذ نصت المادة(19/3) أنه "تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هـذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة وعلى ذلك يجوز إخضاعها لـبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: أ- لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم. ب- لحماية الأمن القـومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة".
وتضع الفقرة 19 (3) شروطا، لا يجوز فرض القيود إلا بمراعاتها بحيث يجب أن "ينص القانون" على هذه القيود وأن يكون النص في القانون في غاية الوضوح والدقة بحيث يسمح لأي فرد أن يعلم متى تكون أفعالا معينة مخالفة للقانون. ولا يجوز أن تفرض القيود إلا لأحد الأهداف المبينة في الفقرتين الفرعيتين (أ) و(ب) من الفقرة 3؛ ويجب أن تكون "ضرورية" لتأمين أحد تلك الأهداف. ومن الضروري حماية حق الشخص في التعبير عن رأيه/ها أو عدم الإفصاح عن هذه الآراء. أي انه من غير المسموح أن يجري إكراه شخص ما على الإفصاح عن آراءه/ها.
وبناءً على ذلك، فإن حرية التعبير وإن لم تكن مطلقة فإن القيود الـواردة عليها في هذه الفقرة، كمعيار دولي، يجب أن تكون في أضـيق الحـدود، لضبط ممارسة الأفراد لها وللحيلولة دون استغلالها بشكل مغـاير للغايـة والأهداف التي أُقرت من أجلها، وهو الوصول إلى توازن منـصف بـين حقوق الفرد وحرياته في مجتمع ديمقراطي، كما أنها مؤشر علـى احتـرام الدولة لهذا الحق لأن التفاعل بين مبدأ حرية الرأي والتعبير وهذه القيـود يوضح النطاق الفعلي لحرية الفرد، أن تكون تلك القيود محـددة بـنص القانون.
نخلص مما تقدم أن حرية الرأي والتعبير واحدة من أهم حقوق الإنسان، وهي أساس لنظام الديمقراطي لأي دولة من دول العالم. وهذا واضح من خلال النص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، إذ اقترنت حرية الرأي والتعبير بمقاصد الأمم المتحدة، ومنها حفظ الأمن والسلم الدوليين. وهذا يدل على عالمية هذه الحرية وأهميتها؛ وان كانت هذه الحرية مقيدة ببعض الضوابط والإجراءات لغرض تنظيم استخدامها والمحافظة على القوانين الوطنية والأخلاق العامة والصحة العامة والنظام العام وحقوق الغير وغيرها. والعناصر الأساسية لحرية التعبير، هي:
1- حرية اعتناق الآراء دونما أي تدخل (حرية الرأي)؛
2- حرية استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها (حرية الكلام وحرية الإعلام) وذلك:
3- بالوسائل الصوتية أو المكتوبة أو المطبوعة على شكل أعمال فنية
4- من خلال وسائل الإعلام أيّاً كانت (حرية وسائل الإعلام)
5- دون التقيد بالحدود الجغرافية (حرية الاتصالات الدولية)
...................................................
اكثر قراءة