akdak

المقالات

قسم الفكر الاسلامي

بعد السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة: ماذا عن حقوقها الأخرى؟

275

عبد الامير رويح

العادات والتقاليد ووصاية الرجل على المرأة السعودية، في مختلف شؤون الحياة من تعليم وبيع ورعاية صحية وزواج وسفر وغير ذلك من أمور حياتية، قضية متجذرة في المجتمع السعودي وهو اثرت سلبا على حياة جميع النساء في المملكة حتى باتت المرأة السعودية وكما يرى بعض المراقبين، مجرد مخلوق مسلوب الارادة تتحكم به اراء واهواء الرجال، الامر الذي اثار موجة غضب وانتقادات استمرت لسنوات طويلة، دفعت السلطات الحاكمة بقيادة الامير محمد بن سلمان، الى اجراء تغيرات وصفت بالشكلية من اجل تلميع صورة المملكة أمام المجتمع الدولي، وإظهارها اعلاميا على انها دولة منفتحة، ولعل من اهم تلك القرارات التي اصبحت محط اهتمام واسع هو قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، ورفع الحظر عن دخول النساء إلى بعض الملاعب الرياضية، قرارات مايزال تطبيقها صعب في مجتمع قبلي يعمل بفتوى رجال الدين، يضاف الى ذلك ان السلطات في المملكة ماتزال مستمرة بنهجها السابق الخاص بتقيد الحريات الشخصية، وتواصل حملتها التعسفية ضد المدافعين عن حقوق المرأة.

حيث قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن السعودية اعتقلت ناشطتين من المدافعات عن حقوق المرأة وفرضت حظر سفر على آخريات في إطار حملة صارمة بالمملكة. جاءت الاعتقالات قبل إلغاء حظر على قيادة النساء للسيارات. وجددت الاعتقالات الانتقادات الموجهة لنهج ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يهدف لإجراء إصلاحات طموحة في إطار سعيه لتنويع اقتصاد أكبر بلد مصدر للنفط. ويسعى ولي العهد نحو انفتاح المملكة من خلال تخفيف القواعد الاجتماعية الصارمة، لكن الإصلاحات التي لاقت إشادة باعتبارها توجها تقدميا تزامنت مع حملة على المعارضة، مما أفسد المشهد.

وتكهن نشطاء ودبلوماسيون بأن الهدف من موجة الاعتقالات الجديدة قد يكون استرضاء محافظين مناهضين للإصلاحات وأنها قد تكون رسالة للنشطاء بعدم الدفع باتجاه تحقيق مطالب لا تتفق مع الأجندة الخاصة بالحكومة. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن السلطات اعتقلت الكاتبة والناشطة نوف عبد العزيز في السادس من يونيو حزيران بعد أن عبرت عن تضامنها مع سبعة نشطاء اعتقلوا في مايو أيار.

وأضافت المنظمة أن السلطات اعتقلت أيضا مياء الزهراني بعد ما تردد عن نشرها رسالة على الإنترنت طلبت منها عبد العزيز نشرها في حالة اعتقالها. وتابعت المنظمة قائلة إن الناشطتين ممنوعتان من التواصل مع ذويهم. وأكثر من تم اعتقالهم في مايو أيار نساء شاركن من قبل في حملات تطالب بحق المرأة في قيادة السيارات. واتهمتهن السلطات بالتواصل المشبوه مع ”أفراد ومنظمات معادين للمملكة... وتقديم الدعم المالي والمعنوي لعناصر معادية في الخارج“، وقالت إنها تلاحق آخرين تدور حولهم الشبهات.

وجرى اعتقال نحو 12 من النشطاء البارزين منذ مايو أيار، بحسب أشخاص على صلة بهم، مما دفع مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان للتعبير أكثر من مرة عن قلقه. وقالت سارة ليا ويتسون المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط بمنظمة هيومن رايتس ووتش ”تبدو الحكومة السعودية عازمة على ألا تترك لمواطنيها أي فرصة لإظهار مجرد الدعم الخطابي للناشطين المسجونين في حملة قمع المعارضة، التي لا ترحم“. وأضافت ”يبدو أن جريمة نوف عبد العزيز ومياء الزهراني الوحيدة هي التعبير عن التضامن مع زملائهم الناشطين المعتقلين“.

المرأة وقيادة السيارة

وفي هذا الشأن انطلقت النساء بسياراتهن في شوارع السعودية إيذانا برفع آخر حظر مفروض في العالم على قيادة المرأة ويعتبره كثيرون منذ وقت طويل رمزا لقمع المرأة في المملكة. وقالت سيدة الأعمال سماح القصيبي وهي تقود في شوارع مدينة الخبر بشرق المملكة ”اليوم يوم تاريخي.. شكرا للقيادة وشكرا لهذا القرار... يوم جميل... فرق بين الأمس واليوم... نحن اليوم هنا (مقعد السائق) وأمس كنا نجلس هنا“ بينما كانت تشير إلى المقاعد الخلفية.

وهذه الخطوة، التي صدر بها أمر ملكي من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في سبتمبر أيلول الماضي، تأتي في إطار إصلاحات واسعة النطاق يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يسعى لتنويع اقتصاد أكبر مصدر للنفط في العالم وتحقيق انفتاح في مجتمع شديد التحفظ. وقالت سميرة الغامدي (47 عاما) وهي من مدينة جدة وتعمل أخصائية نفسية وقادت السيارة متوجهة إلى العمل ”إنه حقنا وأخيرا أخذناه. وتقبل المجتمع للأمر بشكل عام مسألة وقت“. وكانت سميرة من بين مجموعة صغيرة من النساء استصدرن رخصة قيادة قبل رفع الحظر.

ورحب حلفاء غربيون للسعودية برفع الحظر ووصفوه بأنه دليل على اتجاه تقدمي جديد في المملكة بعد أن كان سببا في انتقادات عالمية ومقارنات مع حكم حركة طالبان في أفغانستان على مدى أعوام. لكن رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة تزامن مع حملة قوية على المعارضين ومنهم بعض النشطاء الذين بذلوا جهودا في السابق ضد الحظر. وبينما يقبع هؤلاء في السجن تقود النساء السيارات بشكل قانوني لأول مرة في المملكة.

ويظل عدد السائقات منخفضا إذ بدأت سعوديات حائزات على رخص قيادة أجنبية في تحويلها إلى محلية. وامتنع متحدث باسم وزارة الداخلية عن تحديد عدد الرخص التي تم إصدارها، لكنه قال إن 120 ألف امرأة تقدمت بطلب لاستصدار الرخصة، من بين حوالي تسعة ملايين امرأة مؤهلة للحصول على الرخصة في المملكة. وسيتعين على معظم هؤلاء النساء التدرب على القيادة في مدارس جديدة تديرها الدولة، ومن المتوقع أن يصل عدد من يقدن السيارات منهن إلى ثلاثة ملايين بحلول عام 2020.

وما زالت بعض النساء يواجهن ممانعة من أقاربهن في المجتمع المحافظ. كما لا تميل كثيرات ممن اعتدن على توظيف سائق خاص للقيادة على الطرق السريعة المزدحمة في المملكة. وتقول فايزة الشمري (22 عاما) ”أكيد أنا مو حابة أسوق طبعا، حابة أكون أميرة حد يسوقلي يفتحلي الباب ويشوف أغراضي“.

وصدر قانون في وقت سابق يقضي بالحبس ودفع غرامة ضخمة كعقوبة لجريمة التحرش الجنسي بسبب مخاوف من تعرض النساء أثناء القيادة للإيذاء في بلد يطبق قواعد صارمة في الفصل بين الجنسين حيث تمنع النساء عادة من التواصل مع رجال من غير الأقارب. وتعتزم وزارة الداخلية تعيين نساء في شرطة المرور لأول مرة لكن لم يتضح متى سيتم ذلك. وقال أحد سكان الرياض إن النساء في عائلته سينتظرن لاستكشاف كيف يعمل النظام قبل أن تبدأن في القيادة.

ومن المتوقع أن يؤدي قرار رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارات إلى انتعاش اقتصادي في المملكة، التي كانت تحظر وجود دور سينما وإقامة الحفلات الموسيقية من قبل لكنها باتت تسمح بوجودها الآن. وارتفع مؤشر سوق الأسهم السعودية نحو اثنين بالمئة وحققت أسهم شركات تأمين مكاسب قوية مع توقعات بأن الطلب من النساء سيعزز قطاع السيارات. كما ستوفر هذه الخطوة مليارات من الدولارات تنفقها الأسر على السائقين وستشجع المزيد من النساء على الانضمام للقوة العاملة وزيادة الإنتاجية وإن كان ذلك على نحو متواضع في البداية.

واغتنمت شركات السيارات الفرصة بنشر إعلانات بمناسبة انتهاء الحظر كما خصصت أماكن خاصة في ساحات الانتظار ”للسيدات“ تتميز بلافتات وردية اللون. وكان العنوان الرئيسي لصحيفة (أراب نيوز)، وهي أبرز صحيفة تصدر بالإنجليزية في المملكة، هو ”يوم الاستقلال“. وظهر احتفاء واسع النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي برفع الحظر لكن بعض ردود الفعل كانت تهكمية بينما عكست أخرى القلق بشأن الآثار الاجتماعية للقرار.

وقال مستخدم على تويتر إنه لن يسمح لزوجته بالقيادة ”والله لن تقود وهي على ذمتي.. إذا بغت تقود تروح لأبوها وإن شاء الله تسوق تريلات... قرارات مثل هذي تعتمد على الحريات الشخصية #لن_تقودي“. وتلقى الإصلاحات تأييد كثير من جيل الشباب في المملكة، الذين يطغون على التركيبة السكانية، لكن يخشى كثيرون من وتيرتها ويخشون أن تثير رد فعل معاكسا من المحافظين الذين كانوا يهيمنون يوما على المشهد. وأيدت المؤسسة الدينية أسرة آل سعود الحاكمة، حيث نشرت هيئة كبار العلماء تغريدة على تويتر تدعم فيها ما سنته الدولة من أنظمة تكفل ”المحافظة على قيمنا الإسلامية“.

ونشر الأمير الوليد بن طلال الملياردير والمستثمر السعودي، الذي كان بين من دعوا لقيادة النساء منذ فترة طويلة واحتجز في الريتز لثلاثة أشهر، فيديو على تويتر لابنته وهي تقود. وقال لحفيدته الجالسة في المقعد الخلفي في الفيديو ”السعودية الحين دخلت الحمد لله القرن الواحد والعشرين... هذا الإنجاز ما في شك يشكر للملك سلمان الله يطول عمره وما في شك أن أفكار أخوي محمد بن سلمان هي اللي أدت للنتيجة العظيمة هذه“.

وحتى بعد رفع الحظر عن قيادة المرأة تظل السعودية واحدة من أكثر البلدان فرضا للقيود على المرأة التي تحتاج في المملكة لموافقة ولي أمر على القرارات المهمة مثل السفر للخارج والزواج. وقالت منظمة العفو الدولية إن رفع الحظر ”خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح“ لكنها دعت إلى إنهاء ممارسات أخرى تنطوي على تحامل على المرأة. بحسب رويترز.

وبدأ ناشطون بالفعل في تنظيم حملة لإنهاء نظام ولاية الرجل الذي يتداعى ببطء منذ سنوات. وعبر الأمير محمد بن سلمان في مقابلة أجريت معه خلال العام الحالي عن اعتقاده بأن الرجال والنساء متساوون. لكن الناشطة السعودية المعروفة هالة الدوسري تقول إن المرأة ما زالت مواطنة من الدرجة الثانية وانتقدت ”النهج التدريجي“ لولي العهد ووصفته بأنه يخدم مصالح الصفوة على حساب النساء المنتميات لعائلات أكثر تحفظا. وكتبت في صحيفة أمريكية ”أسوأ ما قد يحدث أن تؤدي هذه الإصلاحات المحدودة النطاق وإسكات المدافعات عن حقوق المرأة إلى إبطاء الزخم الذي يهدف لدفع النظام السعودي إلى إجراء تغيير أكبر“.

رفض مستمر

وسط الاحتفاء برفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة في السعودية، عبر بعض الرجال عن رفضهم لهذا التغيير الذي يخشون أن يقوض الهوية الإسلامية المحافظة للمملكة. وقال واضح المرزوقي وهو موظف حكومي متقاعد في مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر ”والله احنا شوف الدين الإسلامي حدنا يعني احنا نكون سابق لأواننا. كيف كانوا أبهاتنا وأجدادنا، ما في الكلام هادا (هذا) إنه المرأة تقود سيارة“.

وأشار إلى أنه نصح أزواج بناته الثلاثة بعدم السماح لزوجاتهم بالقيادة، مضيفا ”كيف حتكون العملية؟. حتكون صعبة، صعبة جدا بصراحة. يعني في الشهر الأول حيكون ربنا يستر حقيقة“. وكان الحظر المفروض على قيادة المرأة، والأخير من نوعه في العالم، مبررا بأسباب دينية وثقافية من بينها وجهة النظر القائلة بأن قيادة المرأة ستشجع على الاختلاط والوقوع في الخطيئة.

وقال أحد رجال الدين إن النساء لا يتمتعن بالفطنة الكافية للقيادة، بينما حذر آخر من أن النساء اللائي يقدن السيارات يعرضن أنفسهن لمخاطر تتعلق بالصحة الإنجابية وإنجاب أطفال يعانون من مشاكل صحية.

وبعد تسعة أشهر من إعلان الملك سلمان بن عبد العزيز رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة في إطار إصلاحات واسعة للاقتصاد تهدف أيضا إلى انفتاح المجتمع، لم تتبدد مثل تلك الأفكار. فقد أبدى نحو ربع السعوديين الذين استطلعت آراؤهم في مسح أجري في الآونة الأخيرة معارضتهم لرفع الحظر. وقال ثلث هؤلاء إنهم يخشون أن تهدد هذه الخطوة التقاليد الموروثة.

غير أن الانتقادات تظل نادرة، خصوصا بعد حملة على المعارضين شملت اعتقال نحو 30 من رجال الدين والمثقفين والنشطاء في سبتمبر أيلول الماضي وأكثر من عشرة ناشطين مدافعين عن حقوق المرأة خلال الشهر الماضي. ويقول مؤيدو الحكومة إن مثل تلك الإجراءات ضرورية في الوقت الذي تسعى فيه السلطات لأن تسلك طريقا صعبا يوازن بين الإصلاحات التحررية والتقاليد الاجتماعية. بحسب رويترز.

ويبدو أن بعض معارضي قيادة المرأة بدأوا يتقبلون الواقع الجديد. ورغم تخوف ابني العم قيس وعبد العزيز القحطان من آثار القرار، إلا أن أيا منهما لا يجرؤ على معارضة المرسوم الملكي. وقال قيس ”أنا على المستوى الشخصي مؤيد، لأنها احتياج ضروري لبعض العائلات اللي ما عندها أي شخص يساعدهم... أما بالنسبة لمستوى العادات والتقاليد فأتوقع أن فيه صعوبة كبيرة جدا“.