المقالات
قسم علم النفس
تسونامي الامراض النفسية: هذا ما ينتظره العالم بعد فيروس كورونا
يحذر أطباء نفسيون من موجة هائلة "تسونامي" من الأمراض العقلية التي تنتج بسبب المشكلات التي تتراكم أثناء فترة الإغلاق والحجر المنزلي بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، ويقلق الأطباء النفسيون بشكل خاص من أن الأطفال وكبار السن لا يحصلون على الدعم الذي يحتاجونه بسبب إغلاق المدارس والعزل الذاتي والخوف من الذهاب إلى المستشفيات.
وبحسب استطلاع أجري مؤخرا، كشف أطباء عن ارتفاع في حالات الطوارئ التي تحتاج إلى دعم نفسي بينما انخفضت نسبة جلسات العلاج النفسي الروتينية، وشددوا على أن خدمات الصحة العقلية لا تزال مفتوحة لممارسة العمل.
فيما تظهر دراسات وإحصاءات ناشئة بالفعل تأثير كوفيد-19 على الصحة النفسية والعقلية عالميا، بينما يقول خبراء علم النفس إن الأطفال يعانون من القلق كما زادت حالات الاكتئاب والتوتر في عدة بلدان، ويتزايد العنف المنزلي، ويتحدث العاملون في قطاع الصحة عن تزايد الحاجة لدعم نفسي، في حي حذّرت الأمم المتحدة من أن وباء كوفيد-19 قد يثير أزمة عالمية كبرى في مجال الصحة العقلية داعية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة المشكلات النفسية الناجمة عن الفيروس.
وكان التركيز الأكبر على حماية الصحة الجسدية خلال الأشهر الأولى من الأزمة، إلا أنها تضع أيضا ضغوطا ذهنية هائلة على عدد كبير من سكان العالم، وتشير التقارير المتخصصة أيضا إلى التأثير النفسي على أعداد كبيرة من الأشخاص الذين فقدوا عملهم أو أنهم معرضون لفقدانه، وانفصلوا عن أحبائهم أو عانوا من تدابير الإغلاق الصارمة.
من جهتهم يقول الخبراء علم النفس والصحة العقلية نحن نعلم أن الأوضاع الحالية والخوف وحالة عدم اليقين والاضطراب الاقتصادي، قد تسبب ضائقة نفسية"، وتابعوا مشيرا إلى التقارير التي تفيد بارتفاع حالات الانتحار بين العاملين في المجال الطبي أن العاملين في مجال الرعاية الصحية والمستجيبين الأوائل الذين يعملون تحت "ضغوط هائلة"، معرضون أكثر من غيرهم للخطر.
وتواجه مجموعات أخرى تحديات نفسية سببتها الأزمة أيضا، مثل التلاميذ المتوقفين عن الدراسة والذين يواجهون حالة من عدم اليقين والقلق إضافة إلى النساء اللواتي يواجهن خطرا متزايدا من التعرض للعنف المنزلي ع بقاء الناس فترات طويلة في المنزل.
ويؤكد الباحثون أن التدابير التي اتُخذت آنذاك للحدّ من انتشار وباء سارس كان لها آثار خطيرة على الصحة النفسية؛ إذ زادت معدلات البطالة، وزاد الشعور بعدم الأمان المالي والفقر.
يحدد الباحثون ثماني فئات قد تتأثر بالوباء أكثر من غيرها من فئات المجتمع، الأطفال، وصغار السن، والعائلات (إغلاق المدارس، العنف الأسري، لا وجبات مدرسية مجانية، المسنون ومَن يعانون مشكلات صحية (العزل، الوحدة، الفقد)، الذين يعانون مشكلات في الصحة النفسية (التوقف عن العلاج وحدوث انتكاسات)، الصفوف الأمامية من الطواقم الطبية (مخاوف من العدوى، والتوتر بسبب العمل)، الذي يعانون صعوبات في التعلم (تغير في الروتين والدعم)، أصحاب الدخول المتدنية (الوظيفة وعدم الأمان الاقتصادي)، السجناء، والمشردون، واللاجئون (النبذ الاجتماعي)، المجتمع بشكل عام قد يستشعر زيادة في فروق المستويات الصحية وقد يشهد إقبالا على استخدام بنوك الطعام.
ويقول خبراء الصحة النفسية من السابق لأوانه الوقوف على مدى الضرر الواقع، لكننا نسمع أن هناك مَن يعاني بالفعل في سبيل الحصول على الدعم الذي يحتاجه، وينبهون ما تحتاج الحكومات والهيئات الخدمية معرفته ليس فقط كيف تقدم الدعم المناسب للناس أثناء الأزمات، وإنما كذلك ما الأثر المترتب على المدى الطويل وما الخدمات التي يمكن تقديمها عندئذ لمساعدة الناس على العودة لحياتهم الطبيعية.
قال خبراء صحة بالأمم المتحدة إن أزمة صحة نفسية تلوح في الأفق إذ يحاصر الموت والمرض الملايين في أنحاء العالم مما وضعهم في حالة عزلة وفقر وقلق بفعل جائحة كوفيد-19، وقالت ديفورا كيستل مديرة إدارة الصحة العقلية بمنظمة الصحة العالمية ”الانعزال والخوف والضبابية وعدم الاستقرار الاقتصادي تتسبب جميعها أو قد تكون سببا في أزمة نفسية“.
وخلال عرض تقرير وتقديم خط استرشادي للأمم المتحدة بشأن كوفيد-19 والصحة العقلية رجحت كيستل زيادة عدد الأمراض النفسية وشدتها وطالبت الحكومات بوضع هذا الأمر ”في صدارة ومحور“ خططها لمكافحة الجائحة.
وقالت في إفادة للصحفيين ”تضررت الصحة النفسية ورفاهية المجتمعات بأسرها بشدة بفعل هذه الأزمة وهما أولوية يتعين معالجتها على نحو عاجل“.
ويلقي التقرير الضوء على عدة فئات وقطاعات في المجتمع مهددة بمشاكل نفسية وتشمل الأطفال والشباب المعزولين عن أصدقائهم ومدارسهم وكذلك العاملين في الرعاية الصحية الذين يشهدون إصابة وموت الآلاف بفيروس كورونا.
ونشرت رويترز في الأسبوع الماضي ما ورد في مقابلات مع أطباء وأطقم تمريض في الولايات المتحدة قالوا إنهم أو زملاء لهم عانوا من مزيجا من الذعر والقلق والاكتئاب والتنميل وسرعة الانفعال والأرق والكوابيس.
وخارج قطاع الصحة يقول تقرير منظمة الصحة العالمية إن كثيرين يشعرون بالقلق بشأن التداعيات الصحية الفورية وتبعات العزلة فيما يخشى آخرون العدوى والموت وفقد أفراد الأسرة، وأضاف التقرير أن الملايين يواجهون عدم استقرار اقتصادي إذ فقدوا أو يواجهون خطر فقد الدخل ومصادر الرزق. كما يشعر البعض بالقلق والإحباط من المستقبل مع كثرة المعلومات الخاطئة والشائعات بشأن الجائحة والضبابية الشديدة المتعلقة بفترة استمرارها، وأورد التقرير نقاط عمل يمكن لصناع القرار الاستعانة بها بهدف ”تقليل المعاناة الشديدة بين مئات الملايين والحد من التبعات الاجتماعية والاقتصادية طويلة الأمد على المجتمع“.
قالت منظمة للأعمال الخيرية إن واحدا من كل ستة أطفال تقريبا في إسبانيا مر بفترات اكتئاب خلال أزمة كورونا وكان الأطفال الأكثر فقرا هم الأكثر معاناة، وطبقت إسبانيا أحد أشد إجراءات العزل العام في العالم والتي شملت إبقاء الأطفال في المنازل على مدى أسابيع للحد من تفشي الفيروس الذي أودى بحياة نحو 28 ألفا هناك.
وقالت هيئة إنقاذ الطفولة إن المسح الذي أجري في أبريل نيسان يكشف أن العزل العام سمح للعديد من العائلات بالاستمتاع بمزيد من الوقت معا لكن على الرغم من ذلك شعر 17 بالمئة من الأطفال بالاكتئاب على نحو متكرر أو يومي فيما زادت أوجه عدم المساواة بفعل الصعوبات الاقتصادية الجديدة.
وفي الأسر الأكثر فقرا واجه 32.3 بالمئة من الأطفال صعوبة في النوم فيما كان 30.1 بالمئة منهم يخافون من مرض كوفيد-19. وتزيد هذه النسب بنحو الثلث عن الأسر الأقل احتياجا. كما كشف المسح أن المنتمين لأسر أكثر فقرا كانوا يبكون بوتيرة أكثر، وشمل المسح إجراء أكثر من 1800 مقابلة مع الأطفال والعائلات.
وقال أندرس كوندي مدير هيئة إنقاذ الطفولة في إسبانيا لرويترز ”العزل في شقق ضيقة للغاية مع أشخاص ليسوا من عائلتك هو مخاطرة حقا لأن هذه العائلات تواجه نوعين من الضغوط، فهم فقدوا وظائفهم ومعزولون في أماكن شديدة الضيق“.
وحثت المنظمة السلطات على دعم الأسر الفقيرة لتغطية احتياجاتها الأساسية، وأعلنت الحكومة الإسبانية مرارا أنها لن تتخلى عن أحد وأنها تعتزم توفير دخل شهري أساسي لنحو مليون من الأسر الأشد فقرا.
قالت البروفيسورة ويندي بيرن، رئيس الكلية الملكية للأطباء النفسيين: "إننا نشهد بالفعل التأثير المدمر لمرض كوفيد 19 على الصحة العقلية، مع معاناة المزيد من الناس من التأزم".
وأضافت: "لكننا قلقون بشأن الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الآن لكنهم لا يحصلون عليها. خوفنا من أن الإغلاق يراكم المشكلات التي قد تؤدي بعد ذلك إلى تسونامي من إحالات المرضى للعلاج".
ووجد الاستطلاع الذي أجري على 1300 طبيب صحة نفسية من جميع أنحاء بريطانيا أن 43 في المئة منهم لديهم ارتفاع في الحالات التي تتطلب مساعدة عاجلة بينما أفاد 45 في المئة بانخفاض في المواعيد الروتينية للعلاج النفسي.
وقال أحد الأطباء النفسيين: "يبدو أن مرضانا من كبار السن قد تبخروا، أعتقد أن الناس يخشون طلب المساعدة"، بينما قال آخر: "يعاني العديد من مرضانا من اضطرابات نفسية كنتيجة مباشرة لاضطراب ناتج عن فيروس كورونا المستجد، على سبيل المثال العزلة الاجتماعية، وزيادة التوتر، ونفاد الأدوية"، وقالت الدكتورة برنادكا دوبيكا، التي ترأسقسم الطب النفسي للأطفال والمراهقين في الكلية الملكية للأطباء النفسيين: "نحن قلقون من أن الأطفال والشباب الذين يعانون من مرض عقلي قد يواجهوا صعوبات كبيرة ولا يحصلوا على الدعم الذي يحتاجونه".
وأضافت: "نحن بحاجة إلى نشر رسالة مفادها أن الخدمات لا تزال مفتوحة لممارسة العمل"، وقالت الدكتورة أماندا تومبسل، الخبيرة في الطب النفسي للمسنين، إن استخدام التكنولوجيا في الاتصال بالطبيب أثناء الإغلاق أمر صعب بالنسبة لبعض كبار السن.
وأضافت أنهم كانوا في الغالب "مترددين" في طلب المساعدة، ومن المرجح أن تكون حاجتهم إلى دعم نفسي حاليا أكبر من أي وقت مضى، وقالت مؤسسة "إعادة التفكير في المرض العقلي" الخيرية المهتمة بالصحة العقلية، إن المخاوف التي أثيرت كانت مدعومة بأدلة من الأشخاص الذين يعانون من مرض عقلي.
التحق أكثر من نصف مليون شخص بدورة تدريبية على الإنترنت تهدف لمكافحة الميول الانتحارية، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، بحسب منظمة خيرية، وقال "تحالف القضاء على الانتحار" - الذي يكافح الانتحار في بريطانيا وأنحاء أخرى من العالم - إن 503 آلاف شخص أتموا دورة التي يوفرها خلال فترة الإغلاق العام المفروض لمواجهة وباء فيروس كورونا. وتهدف الدورة إلى التعرف على المؤشرات التي تنبه إلى أن شخصا ما بحاجة لمساعدة، ويأتي هذا في وقت حذر مسؤولون في قطاع الصحة من أن العاملين في الصفوف الأمامية في القطاع في مواجهة فيروس كورونا قد يواجهون أزمات نفسية.
وفي الشهر الماضي، دشنت هيئة الرعاية الصحية في بريطانيا (الخدمات الصحية الوطنية) خطا ساخنا للشؤون النفسية لمساندة العاملين في القطاع.
وهذه الزيادة في عدد الراغبين بإتمام برنامح مكافحة الانتحار - الذي تموله جزئيا وزارة الصحة البريطانية - تعني أن العدد الإجمالي للمشاركين في الدورة التدريبية وصل إلى مليون شخص من شتى أنحاء العالم منذ تأسيس "تحالف القضاء على الانتحار" في عام 2017.
ويستغرق البرنامج التدريبي 20 دقيقة تقريبا، ويستعرض مع المستخدمين المهارات التي قد يحتاجونها لمساعدة شخص قد يفكر في الانتحار، وكيفية التعامل مع الإحساس بالوصمة، والتشجيع على التواصل.
وهناك نسخة تعريفية موجزة من البرنامج تستغرق ما بين 5 و10 دقائق، وقال جو رافرتي، من "تحالف القضاء على الانتحار"، إن التأثير الحقيقي لفيروس كورونا على الصحة النفسية للناس لن يتضح إلا بعد أن ينحسر الوباء، لكنه استدرك قائلا "لابد أن للتوتر والقلق بسبب الفيروس تأثير على الصحة النفسية للناس".
وأضاف أن "الانتحار قضية صحة عامة في غاية الجدية"، وأن "كل حالة وفاة تتسبب بدمار عائلات وأصدقاء"، في هذه الأثناء، حذر عاملون صحيون من أن الوباء سيتسبب بأمراض نفسية بعيدة المدى، داعين إلى ضرورة استعداد القطاع الصحي للتعامل معها، وحذرت "شبكة المسؤولين الطبيين" بهيئة الرعاية الصحية في بريطانيا من تأثير محتمل للوباء على الصحة النفسية للعاملين الصحيين في الصفوف الأمامية وغيرهم.
يكون الهذيان والارتباك أمراً شائعاً لدى المرضى، المصابين بأعراض حادة بفيروس كورونا المستجد، عند إدخالهم إلى المستشفى، وذلك بحسب دراسة جديدة نشرت يوم الاثنين.. فما تفاصيلها؟
وتقول الدراسة إن المشاكل النفسية طويلة الأمد، بعد محاربة فيروس كورونا، قد لا تحدث مع غالبية المرضى، ولكن ما تزال هناك حاجة لإجراء مزيد من البحث، وأوضح المؤلف المشارك، جوناثان روجرز، في بيان: "تحليلنا لأكثر من 3 آلاف و550 حالة مصابة بفيروس كورونا، تشير إلى أن معظم المرضى لن يعانوا من مشاكل عقلية، بعد إصابتهم بعدوى الفيروس"، وتناولت الدراسة، التي نُشرت في مجلة "لانسيت" للطب النفسي، 72 دراسة مختلفة حول فيروسين تاريخيين، إضافة إلى دراسات حالية حول فيروس كورونا، في محاولة للتركيز على أي روابط بين الأمراض والمشاكل النفسية.
وتعد المعلومات حول حالة المرضى بعد الشفاء، نادرة في الوقت الحالي، لذلك لم تقدم الدراسة أي بيانات عن التأثير العقلي طويل المدى لفيروس كورونا.
ويقول دام تيل ويكس، نائب عميد علم النفس وعلوم الأنظمة في كلية "كينجز" لندن إن المتعافين من فيروس كورونا قد يعانون من مشاكل جسدية وعقلية مختلفة، حتى بعد الشفاء من المرحلة الحادة.
وأفاد ويكس، الذي لم يشارك في الدراسة: "يعودون أيضاً إلى بيئة مختلفة، مع استمرارهم في البقاء بالمنزل، ومواجهتهم لمخاوف مالية محتملة، وشبكة دعم اجتماعي ضعيفة جداً"، وأضاف: "هذه الآثار الاجتماعية الإضافية قد تضاعف من تحديات الصحة العقلية. وحقيقة أننا جميعاً معاً في هذا الأمر قد يشعرنا بدعم المجتمع، ما يمكن أن يقلل من الآثار النفسية"، وفي هذه المراجعة، ينظر الباحثون إلى دراسات سابقة حول التأثير العقلي لكل من "سارس" و"ميرس" على المرضى بعد شفائهم، لتقدير التأثير المحتمل لفيروس كورونا.
وبناءً على ذلك، قالت الدراسة إنه يجب على الأطباء أن يكونوا على دراية باحتمالية الإصابة بالاكتئاب، والقلق، والتعب، ومتلازمات الأمراض العصبية والنفسية النادرة، على المدى الطويل، ويقول مايكل بلومفيلد، الذي يرأس مجموعة أبحاث الطب النفسي الانتقالي بكلية لندن الجامعية، إن نتائج الدراسات السابقة مثيرة للقلق.
وأضاف: "من الأسباب التي تدعو للقلق هو اكتشاف أن ثلث المرضى من الأوبئة السابقة يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، ويبدو أنه من المعقول توقع معدلات مماثلة من اضطراب ما بعد الصدمة جراء كوفيد-19".
وحول سبب وقوع مشاكل صحية عقلية، أشار الباحثون إلى مجموعة متنوعة من العوامل المختلفة، قد يكون بعضها مرتبطاً بشكل مباشر بالفيروس، مثل الاستجابة المناعية. ولكن، يمكن أن يشعر المرضى أيضاً "بالقلق حيال مرضهم، وفقدان الذاكرة، أو حتى الذكريات المؤلمة من المرض الشديد.
وقال الباحثون إن مشاكل أخرى، تتعلق بالصحة العقلية، يمكن أن تنشأ أيضاً خلال الوباء، كما يُتوقع تأثر الأشخاص الذين لم يتعرضوا للفيروس أبداً.، وقالت الدراسة إن "الأشخاص المصابين وغير المصابين هم عرضة للشعور بالقلق، والعزلة الاجتماعية، ومواجهة البطالة، والصعوبات المالية".
التباعد الاجتماعي طويل الأمد قد يكون مؤلما.. إليك ما يمكن توقعه وما يجب فعله خلال جائحة فيروس كورونا
المناسبات والأعياد التي عادة ما تجمع العائلات معاً للصلاة والإحتفال ستبدو مختلفة هذا العام مع استمرار جائحة فيروس كورونا، والإلتزام بالتباعد الإجتماعي، ما يؤثر على التقاليد والعادات والدوائر الإجتماعية والحياة الطبيعية.
ويقول خبراء الصحة النفسية إن الاضطراب الذي طال أمده في الحياة يمكن أن يجلب مشاعر الغضب والاكتئاب والقلق وحتى الحزن.
وقال الدكتور فايلي رايت، مدير البحوث السريرية في الجمعية الأمريكية لعلم النفس: "هناك حزن بسبب فقدان الأحباء". "ولكن هناك حزن من التجارب التي نخسرها الآن. يمكن أن نشعر أن هناك الكثير من الخسائر في الوقت الحالي، وفقدان الحرية، والكثير من الأشياء التي اعتبرناها من المسلمات"، ويقول الخبراء إن الأشهر القليلة المقبلة قد تؤثر سلبًا على الصحة العقلية، ولكن من الممكن تخفيف التوتر.
الصدمة الجماعية، وقالت الدكتورة دانا غارفين، طبيبة نفسية صحية، إن العزلة والضغوط الناتجة عن الوباء يمكن أن تؤثر على الجميع بشكل مختلف، وأضافت غارفين أن ذلك قد يضغط على العائلات والأطفال، ويجعل أولئك الذين يعيشون بمفردهم يشعرون بالعزلة، ويهدد شعور الناس من خلال منعهم من العمل.
وقال الدكتور باروخ فيشهوف، عالم النفس في جامعة كارنيغي ميلون، إن أولئك الذين يعانون من انعدام الأمن المالي في خضم الوباء لديهم ضغط إضافي يصعب حله، وقالت غارفين، التي تدرس الصدمات الجماعية مثل الأعاصير والهجمات الإرهابية والزلازل، إنه على الرغم من هذه الاختلافات، فإن تجربة البقاء في المنزل معًا من خلال جائحة يمكن اعتبارها صدمة جماعية، وقالت غارفين إن الأشخاص في الحجر الصحي تظهر عليهم علامات الارتباك والاكتئاب والغضب، وقال فيشهوف: "نحن ندير معظم حياتنا بالعادة، حيث نعرف ما لدينا على وجبة الفطور، نعرف كيف نعد الأطفال للمدرسة، وهذا يمكننا من قضاء اليوم بشكل جيد ومعقول، ولكن، الآن نظرا لأن العديد من الأشخاص لا يستيقظون ويذهبون إلى المدرسة والعمل، فقد يكون من الصعب معرفة كيفية إعادة هيكلة حتى أكثر العادات اليومية الشائعة التي لن تعود إلى طبيعتها قبل أسابيع.
الإغلاق القسري، والحزن، والخسارة، والعزلة عن الأصدقاء والأحباء، وفقدان الوظيفة والدخل والإستقرار الاقتصادي، ازدادت الأوقات العصيبة سوءًا بسبب الخوف من عدو غير مرئي وقاتل يضرب من خلال الهواء الذي نتنفسه.
وهذا هو واقع العديد من الناس حول العالم المليء بالقلق بظل العيش في زمن فيروس كورونا. وبينما أن البعض منا قد يتأقلم بشكل جيد حالياً، إلا أن الخبراء يشعرون بالقلق من أن المرونة العاطفية ستبدأ بالتلاشي مع استمرار تهديد الفيروس.
وقالت جين ويبر، أستاذة في تعليم الإرشاد النفسي في جامعة كين في نيوجيرسي: "نحن نعيش باستمرار بمستوى من الخوف، وحالة من الإثارة الشديدة"، وأضافت ويبر، والتي قدمت المشورة للناجين والعائلات خلال أحداث 11 سبتمبر المأساوية: "قد يبقى نظامنا العصبي العاطفي في تلك الحالة المرهقة لفترة طويلة قبل أن نتحطم".
وقالت أخصائية علم النفس شاونا سبرينغر، التي أمضت عقداً في العمل مع قدامى المحاربين الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة: "تعتبر الإستجابة للتهديدات المزمنة تصعيداً للعديد من الأعراض نفسها المرتبطة بالإجهاد اللاحق للصدمة مثل مشاكل النوم، والقلق، وحدة الطباع وصعوبات التركيز"، ولكن، ما هي بعض العلامات التي تدل على أن مهاراتنا في التأقلم تضعف وأن مخاوفنا قد تصبح مظلمة وأكثر خطورة؟
وأوضحت سبرينغر، مؤلفة كتاب "المحارب: كيف ندعم أولئك الذين يحموننا"، "عندما تصبح الكوابيس شيئاً عادياً وتكون جودة نومنا سيئة باستمرار، غالباً ما تكون هذه العلامة الأولى على أننا قد نحتاج إلى اتخاذ إجراءات لتحسين صحتنا العقلية"، وقلة النوم سيف بحدين: لا يؤدي القلق فقط إلى قلة النوم. فقلة النوم الجيد يمكن أن تؤدي إلى القلق والتوتر والاكتئاب. والخبر السار هو أن ممارسة الرياضة وجودة النوم يمكن أن تساعدنا في كثير من الأحيان على العودة إلى المسار الصحيح.
ووفقاً لسبرينغر إن التركيز على مشاهدة تقارير إعلامية مقلقة حول نمو الفيروس وتأثيره على الإقتصاد هو علامة تحذير أخرى، وقالت: "إذا كنا نقضي أيامنا منغمسين في هذا القلق العام والخوف مما قد يحدث، بانتظار أخبار سيئة، فهذه علامة أخرى على أن الأمور تدخل إلى نطاق سريري أكثر."
وأوضحت سبرينغر أن العلامة الأكثر خطورة هي عندما نفقد الإتصال بالآخرين ونتوقف عن التواصل مع الأصدقاء والعائلة، وتابعت: "عندما لا نجد متعة في أي شيء ونبدأ بالشعور بالخدر، بدلاً من التواصل مع الآخرين والقيام بأشياء نقدرها أو نرغب في القيام بها في حياتنا، فهذه علامة على أننا قد نحتاج إلى المساعدة والدعم".
وإذا كان التهديد الحالي لكورونا قد أيقظ مشاعر العجز، مثل العنف في المنزل، أو فقدان الهوية والهدف بعد فقدان العمل، فقد يكون ذلك أيضاً علامة رئيسية على الخطر كما قال الخبراء.
وقالت سبرينغر: "الشعور بالعجز هو الذي يؤدي غالباً إلى أعراض الصدمة. وقد يشعر أولئك الذين تركوا وظائفهم كما لو أنهم فقدوا هوياتهم، بسبب غياب الأدوار والعلاقات التي تعطي حياتهم معنى، وبالتالي الشعور بالعجز"، ويمكن أن يتحول العجز إلى قلق مظلم، وهو علامة أخرى على أننا بحاجة إلى المساعدة.
وقال الخبراء إن كشعورنا باليأس لدرجة أننا بدأنا نفكر في إنهاء حياتنا هو بالطبع علامة على الحاجة إلى مساعدة فورية.
وقالت سبرينغر: "لقد قال المحاربون القدامى أن هذا هو الوقت الذي تبدأ فيه "همسات شياطيننا بالسيطرة" حين نبدأ بكتابة قصة في رؤوسنا حول كيف أننا نشكل عبئاً على من نحبهم، فهذه علامة حاسمة على أننا بحاجة إلى الحصول على المساعدة على الفور".
التواصل: أول شيء يجب فعله هو البقاء على تواصل اجتماعي مع الأصدقاء والأحباء على الرغم من التباعد الجسدي. والتكنولوجيا طريقة رائعة للقيام بذلك، وقالت سبرينغر: "إن التواصل مع الناس، وخاصة أولئك المعزولين، وإعطائهم مساحة للتحدث عن قلقهم خلال هذا الوقت غير المسبوق من القلق ومن ثم مشاركة تجربتنا الخاصة سيساعدنا بالتغلب على ذلك".
نصائح لمواجهة الحزن والكآبة في الأوقات العصيبة
ما الأمور التي تساعد على تحسّن حال الصحة النفسية؟
بحسب أقوال عينات البحث:
- الإبقاء على اتصال بالأصدقاء والعائلات، عادة عبر الإنترنت
- شَغْل النفس بالهوايات، والقراءة، ومشاهدة الأفلام، والقيام بأعمال صيانة منزلية
- ممارسة أنشطة بدنية، كالمشي، والجري والتمرينات الرياضية
- الحفاظ على الهدوء النفسي، عبر القيام بأنشطة مساعدة كالصلاة والتأمل
- الحصول على حصة من المعلومات - الوصول إلى الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي
- الحفاظ على الروتين عبر اتباع خطة يومية
ماذا عن أثر أزمة الوباء على المخ؟، يقول الباحثون إنهم لا يكادون يعلمون شيئا عن أثر فيروس كورونا المستجد على الجهاز العصبي البشري.
لكن في ظل ما توصلت إليه الأبحاث من عبور نُسَخ سابقة من هذا الفيروس للجهاز العصبي المركزي، يوصي الباحثون بضرورة القيام بالمزيد من الأبحاث عن أثر كوفيد-19 على تلك المناطق من الجهاز العصبي.
وتواترت تقارير عن ظهور أعراض متعلقة بالمخ لدى الأشخاص المصابين بعدوى كورونا المستجد، كالصداع، والدوخة، وفقدان حاستَي الشم والتذوق، وآلام في العضلات، وضعف عام، وأعراض أخرى، ويقول الباحثون إنه يجب تدشين قاعدة بيانات لمراقبة أية آثار نفسية أو أية آثار تطرأ على المخ جراء الإصابة بفيروس كوفيد-19.
اكثر قراءة