بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمّد وآله الطاهرين :
قال الله تعالى في كتابه الكريم : ( إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ )(2) .
الأشهر الحرم : رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجّة ، ومحرّم الحرام .
وكانت الأشهر في العصر القديم قبل الإسلام باسم : 1ـ المؤتمر ، 2ـ خوّان ، 3 ـ حُنتَم ، 4ـ ناجِرٌ ، 5ـ صُوان ، 6ـ زبّاء ، 7ـ الأصمّ ، 8ـ نافِق ، 9ـ هواع ، 10 ـ عادل ، 11ـ دَاغِل ، 12ـ بُرَك .
وفي بعض هذه الأشهر من حيث التقديم والتأخير اختلاف ، وقال الصاحب إسماعيل بن عبّاد :
أردت شهور العُرب في الجاهلية *** فخذها على السرد المحرّم تشترك
فمؤتمر يأتي ومن بعدُ ناجر وخوان *** مع صوان يجمع في شرك
حنين وزبا والأصمّ وعادل *** ونافق مع وغل ورنّة مع بُرَك
ثمّ سمّيت الأشهر قبل ظهور الأسلام في زمن الجاهلية بهذه الأسماء :
1 ـ المحرّم ، 2ـ صفر ، 3ـ ربيع الأوّل ، 4ـ ربيع الآخر ، 5ـ جمادى الاُولى ، 6 ـ جمادى الآخرة ، 7ـ رجب ، 8ـ شعبان ، 9ـ رمضان ، 10ـ شوّال ، 11 ـ ذو القعدة ، 12ـ ذو الحجّة .
وأوّل السنة محرّم وإنّما سمّي الشهر الأوّل بمحرّم ، إذ عند العرب كان يحرم فيه القتال والإغارة ، وصفر : لخروج الناس من ديارهم للحرب ، فقالوا : صفرت الدار منهم ، والربيعان ، إذ الناس والحيوانات كانت تنتفع في الأراضي الخضراء وتربع وتسمن ، ووقع الشهران في فصل الربيع فسمّيا باسمه الربيع الأوّل والربيع الثاني أو الآخر ، وإنّما سمّي بالجمادين لجمود الماء وابتلاع الأرض المياه حين وضع الأشهر ولم يعلم الناس آنذاك أنّ الحرّ والبرد ينتقلان ، وسمّي رجب لخوف الناس ويقال : رجبت الشيء إذا أخاف منه ، وسمّي شعبان لتشعّب القبائل آنذاك ومسيرهم نحو المياه وغاراتهم ، وسمّي رمضان لشدّة الحرارة وحرارة الرمضاء أي الحصى ، وفي الأخبار رمضان من أسماء الله سبحانه ، ولهذا يقال له شهر رمضان ، وسمّي شوّال لرفع الإبل ذيولها شهوة ، وسمّي بذي القعدة لقعود الناس عن الحروب والغارات ، وذو الحجّة لإتيانهم الحجّ في هذا الشهر .
ولمّـا كان الحجّ يقع في الأشهر الأربع أقدم العرب حفظاً لمصالحهم ودنياهم وتجارتهم في مكّة ، ليكون وقوع الحجّ دائماً في أيام الربيع ليسلموا من البرد والحرّ ، وليسهل تجارتهم أقدموا على عمل الكبيسة عندما تعلّموا من اليهود علم الزيجات ، والكبيسة بمعنى محاسبة التفاوت بين السنة القمرية التي تدور على وضع القمر والأهلّة المختصّة بالعبادات ، والسنة الشمسية التي تدور حول مدار الشمس وحركتها في كلّ عام مرّة من برج إلى برج ، ثمّ إضافة التفاوت على السنة القمرية في آخر السنة . والتفاوت والتفاضل بينهما أنّ السنة الشمسية أكثر من القمرية بعشرة أيام وواحد وعشرين ساعة واثني عشر دقيقة .
فما يحصل من الكبيسة أمران :
1ـ الزيادة في مقدار الأشهر . 2ـ تأخير حرمة الأشهر التي يحرم القتال فيها ، كما في سنة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) ، سواء كانت لفظة النسيء الواردة في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ )(3) أخذناها بمعنى التأخير ، عند أكثر أهل اللغة أم بمعنى الزيادة كما عند بعضهم .
فمناسك الحجّ كانت تقع تارةً في شهر ذي الحجّة ، واُخرى في الأشهر الباقية ، وتدور حتّى تصل إلى شهر ذي الحجّة ، والرسول الأكرم عندما حجّ حجّة الوداع كان الحجّ واقعاً في شهر ذي الحجّة فحرّم النبيّ (صلى الله عليه وآله) النسيء وأنّه من الكفر ، إذ لازمه أن يقع الحجّ في غير الأيام التي أمر الله بها ، وهذا ما يخالف كلام الله وهو من الكفر ، فلمّـا وافق حجّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ذو الحجّة قال في خطبته المعروفة في منى : « إنّ الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنى عشر شهراً ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات : ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ، ورجب مُضَرُ الذي بين جمادى وشعبان »(4) .
فالعرب أيام الجاهلية تعلّموا الكبيسة من اليهود ، وسمّوا ذلك بالنسيئة بمعنى التأخير ، فإنّ اليهود جعلوا من كلّ تسعة عشر سنة سبعة أشهر كبيسة ، حتّى توافق السنين القمرية مع السنين الشمسية ، والعرب جعلوا كلّ أربعة وعشرين سنة قمرية اثنى عشر شهراً قمرياً كبيسة ، ولهذا العمل انتخبوا رجلا من بني كنانة ، وسمّوه قلماً ، وأولاده من بعده قلامة ، وكذلك نسأة ، وآخرهم أبو ثمامة جنادة بن عوف بن اُميّة ابن قلع بن عباد بن قلع بن حذيفة ، فكانوا سبعة خلال مائتي عام ، فكان قلمّس يخطب بالناس يوم عرفة ، ويغيّر الشهور وينسيء شهر محرّم ، ويعدّ صفر من أوّل شهور السنة ، فيكون محرّم آخر الشهور بعدما كان أوّلا .
ثمّ السنة القمرية عبارة عن ( 354 ) يوماً وثمان ساعات و 44 دقيقة ، والسنة الشمسية عبارة عن ( 365 ) يوماً وست ساعات .
ولا يصحّ تبديل السنة الهجرية إلى الشمسية الشاهنشاهية(5) كما فعله الطاغوت البهلوي في إيران ، ولا يجوز للمسلم أن يصوم في غير شهر رمضان ، فيما لو وقع في الصيف ، كما يحجّ في غير ذي الحجّة لاعتدال الهواء ، أو بيع الأمتعة والمصالح الدنيوية الاُخرى ، فلا يجوز أن يأتي بالأعمال والعبادات والآداب والسنن الاجتماعية والرسوم والعادات العرفية على حساب السنة الشمسية ، فإنّ الله جعل للمسلم في القرآن الكريم التأريخ على السنة القمرية في قوله تعالى : ( إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أرْبَعَةٌ حُرُمٌ )(6) ، وذلك لمكان الأشهر الحرم المطابق لأشهر السنة القمرية ، ولا تتغيّر هذه الأشهر لمكان ( عند الله ، وفي كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض ) ، ولا مُعقّب لحكمه تعالى .
ثمّ الأشهر القمرية حسّية ووجدانية ، لها بداية ونهاية مشخّصة في عالم التكوين : ( وَالقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرْجُونِ القَدِيمِ )(7) ، ولكن الأشهر الشمسية هي من وضع المنجّمين والتباني بينهم ، وما اصطلحوا عليه ، وإن كانت الفصول الأربعة حسّية .
وممّـا يدلّ على السنة القمرية قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ )(8) .
كما أنّ من مميّزات السنة القمرية أنّ الناس من خلال رؤيتهم لأشكال القمر بدايةً من الهلال وحتّى البدر ، بإمكانهم معرفة الأيام وحسابها من دون الحاجة إلى حساب خاصّ كما في السنة الشمسية ، وممّـا يدلّ على السنة القمرية أيضاً قوله تعالى : ( يَسْألُونَكَ عَنْ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ )(9) .
ومن النسيء تبديل السنة القمرية إلى الشمسية ، كما يدلّ على ذلك ما ورد في خطبة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في منى وجعل الحجّ في وقته وشهره حجّة الإسلام .
وجاء في السيرة الحلبية(10) : يقال لها حجّة الإسلام ، قيل : لإخراج الكفّار الحجّ عن وقته ، لأنّ أهل الجاهلية كانوا يؤخّرون الحجّ في كلّ عام أحد عشر يوماً ، حتّى يدور الزمان إلى ثلاثة وثلاثين سنة ، فيعود إلى وقته ، ولذلك قال (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الحجّة ـ أي حجّة الوداع ـ : « إنّ الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض » ، فإنّ هذه الحجّة كانت في السنة التي عاد فيها الحجّ إلى وقته ، وكانت سنة عشر .
وقيل : النسيء : تأخير حرمة الشيء إلى شهر آخر ، فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون شقّ عليهم ترك المحاربة .
وإن قيل : إنّ أجزاء الزمان متشابهة في الحقيقة ، فما السبب في هذا التمييز ؟
يقال في الجواب : إنّ هذا المعنى غير مستبعد في الشرائع ، فإنّ أمثلة ذلك كثيرة ، ألا ترى أ نّه تعالى ميّز البلد الحرام عن سائر البلاد بمزيد الحرمة ، وميّز يوم الجمعة عن سائر أيام الاُسبوع بمزيد حرمة ، وميّز يوم عرفة عن سائر الأيام بتلك العبادة المخصوصة ، وميّز شهر رمضان عن سائر الشهور بمزيد حرمة وهو وجوب الصوم ، فإذا كانت هذه الأمثلة ظاهرة مشهورة ، فأيّ استبعاد في تخصيص بعض الأشهر بمزيد حرمة .
ولا يبعد أن يعلم الله تعالى أنّ وقوع الطاعة في هذه الأوقات أكثر تأثيراً في طهارة النفس ، ووقوع المعاصي فيها أقوى تأثيراً في خبث النفس ، فالزمان والمكان عنصران مؤثّران في تربية الإنسان وتعليمه .
ثمّ لا يخفى أنّ بناء العبادات على السنة القمرية يخلّ بمصالح الدنيا ، وبناؤها على السنة الشمسية يفيد رعاية مصالح الدنيا ، والله تعالى أمرهم من وقت إبراهيم الخليل وإسماعيل الذبيح (عليهما السلام) ببناء الأمر على رعاية السنة القمرية ، فهم تركوا أمر الله في رعاية السنة القمرية واعتبروا السنة الشمسية رعايةً لمصالحهم الدنيوية لما يحملوا من النزعة المادّية والحسّية التي تتغلّب على النزعة الروحية والمثالية عند كثير من الناس ، فأكثرهم للحقّ كارهون ، وتجدهم غير شاكرين ، وقليل من عبادي الشكور .
فعلى المسلم الرسالي أن يتمسّك بتأريخه الإسلامي ، الذي أسّسه إبراهيم الخليل وأقرّه الإسلام ، ولا يقال : أيّ مانع من أن تكون الاُمور العبادية على السنة القمرية ، وأمّا الاُمور الاجتماعية والسياسية فتكون على السنة الشمسية أو الميلادية ؟
إذ يقال : جعل السنة الشمسية تأريخاً ممّـا يخالف النصّ القرآني ، والسنّة النبوية ، وسيرة الأئمة الأطهار ، والعلماء الأعلام والسلف الصالح ، كما يوجب انفكاك الدين عن السياسة ، ممّـا يقصده الاستعمار ويبغيه الاستكبار لمحو الدين وانزوائه ، كما يلزم انفصال تأريخ ومجد وحضارة السلف عن الخلف ، إذ ضبط الحوادث والوقائع التأريخية من صدر الإسلام إلى يومنا هذا إنّما هو على أساس السنة القمرية والأشهر القمرية بداية من الهجرة النبوية المباركة ، كما يوجب عدم وحدة المسلمين ، وأخيراً يلزم أنّ كلّ واحد يقول بتأريخه الخاصّ لقوميّته ، وهذا ممّـا يوجب الاختلاف والتفرّق ، فوحدة المسلمين في تأريخهم ، كوحدتهم في عبادتهم ، وقرآنهم : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا )(11) .
من مصاديق سياسة ( فرّق تسد ) الاستعمارية
من طريف ما يحكى أنّ إسكندر لمّـا فتح البلاد في حروبه ، وغلب خصومه ، واستولى على الشرق حتّى بلاد الهند ، كتب إلى اُستاذه أرسطو المعلّم الأوّل : إنّي تغلّبت على بلاد الشرق فما أفعل ليبقى لي الملك والسيادة ؟
فكتب أرسطو : إذا أردت بقاء الحكم على تلك البلاد ، فقسّمها إلى بلاد صغيرة ، واجعل على كلّ بلد ملكاً وحاكماً ورئيساً للجمهور ، واجعل نفسك حاكماً وملكاً عليهم ، وسمّي نفسك ملك الملوك ، وحينئذ تصفو لك الأجواء ، وكلّ واحد ينقاد لك ، حفظاً على تاجه وعرشه ، وإن أردت أن تحكم لوحدك على تلك البلاد أو تجعل نفسك الحاكم واحداً ، فأخاف عليك من طغيانه وبغيه ، وإن كان من أخصّ الخواصّ وأقرب الناس إليك .
وبريطانيا تلك العجوزة السياسيّة الشمطاء ، نهجت هذا المنهج ، وأعلنت سياستها الشيطانية في قولها المقيت : ( فرّق تسد ) ، أي إذا أردت الحكومة والسيادة على الآخرين ، فحاول أن تفرّق بينهم بأيّ شكل كان ، فتارةً بالنعرات القوميّة ، واُخرى بالصيحات الحزبية وصنميّتها ، وثالثةً بالنغمات الطائفية والمذهبية ، وهكذا في كلّ شيء فرّق تسد ، فاشتهر هذا المعنى حتّى قيل : لو تنازعت سمكتان في البحر فاعلم أنّ للإنكليز في ذلك إصبعاً . وقد غفل المسلمون عن هذا ، فنفذ عملاء الاستعمار في كيانهم ووحدتهم ، ففرّقوهم وشتّتوهم ومزّقوهم إلى دويلات صغيرة ، فالحكومة العثمانية التي حكمت ستّة قرون من ( عام 1299ـ إلى عام 1923 ) على قسم واسع من قارة آسيا وأوروبا وأفريقيا ، وجلس على كرسيّ الحكم ثمان وثلاثين سلطاناً أوّلهم السلطان عثمان خان الغازي في سنة ( 699 هجري ) ، وآخرهم السلطان عبد العزيز الثاني عام ( 1342 هجري ) ، فمزّق الاستعمار البريطاني الدولة العثمانية باسم الحرّية والوطنية والقومية والاستقلال ، إلى دويلات صغار ، وأودعوها بيد عملائهم الخونة .
فالمنطقة الأوروبية للدولة العثمانية كانت تضمّ شبه جزيرة البلقان وهنغاريا ، وقسم من رومانيا التي تضمّ بخارست تبدّلت إلى يوغوسلافيا وألبانيا واليونان وبلغاريا ، والمنطقة الآسيوية انقسمت إلى تركيا وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين والحجاز وعدن واليمن والعراق والكويت ، والقسم الأفريقي انقسم إلى مصر وليبيا ، فانقسمت الدولة العثمانية الكبرى التي كانت ترمز إلى الخلافة الإسلامية إلى تسعة عشر دولة .
فالاستعمار بعد نفوذه بين المسلمين وتقسيم أراضيهم ، زرعوا النفاق في قلوبهم ، وأشعلوا لهيب العصبية والقومية في وجودهم ، بعدما أفرغوهم من تعاليم القرآن الكريم والمفاهيم الإسلامية المقدّسة بشتّى الطرق والوسائل كالصحف والمجلاّت والإذاعة والتلفزة ودور السينما والمدارس والجامعات التي تنشر ثقافتهم وأفكارهم السامّة ، ليحلو لهم ويصفو الجوّ ، لنهب ثرواتهم وقواهم وأفكارهم ، ووصل طغيانهم إلى كلّ البلاد الإسلامية حتّى إيران ، فأشاعوا بينهم العنصرية باسم إحياء التراث القومي الفارسي ، وحفظ الأحجار في متاحفهم ، وتعظيم شاهنامة الفردوسي ، حتّى اعتبروا في زمن الطاغوت أنّ لغة القرآن الكريم لغة أجنبية ، وهكذا في جميع البلاد أحيوا الآثار التي كانت قبل الإسلام باسم التراث القومي .
ومن صنعهم الشنيع تبديل التأريخ من السنة القمرية الهجرية التي كانت تذكّر المسلمين بهجرة نبيّهم الأكرم منجي الإنسانية من حضيض الجهل والشقاء إلى وادي العلم والسعادة ، فعوّضوا السنة الهجرية بالسنة الشمسية الميلادية لتذكّر الناس بميلاد المسيح عيسى بن مريم ، وإلى الشاهنشاهية إشارة إلى إمبراطورية الفرس من عصر كورش ، وليس هذا إلاّ من مخطّط الأحقاد الصليبية بعدما فشلوا في حرب المسلمين .
وفي إيران أبدلوا القمرية إلى أشهر فارسية ستّة منها أسماء زردشتية ، وهذا يعني إحياء زردشت المجوسي ( فروردين ، أرديبهشت ، خرداد ، تير ، مرداد ، شهريور ، مهر ، آبان ، آذر ، دي ، بهمن وإسفند )(12) .
وفي العراق جعلوا مبدأ السنة كانون الثاني ، وأبدلوا الأشهر القمرية إلى أشهر رومية وباسم : 1ـ كانون الثاني 31 يوماً ، 2ـ شباط 28 يوماً وفي السنة الكبيسة 29 يوم إذ السنة الشمسية 365 يوماً و 5 ساعات و 48 دقيقة و 5 ثوان ، وتجمع الساعات والدقائق والثواني في كلّ أربع سنوات يوماً ويضاف على شهر شباط فيكون 29 يوماً ، 3ـ آذار 31 يوماً ، 4ـ نيسان 30 يوماً ، 5ـ أيّار 31 يوماً ، 6 ـ حزيران 30 يوماً ، 7ـ تمّوز 31 يوماً ، 8ـ آب 31 يوماً ، 9ـ أيلول 30 يوماً ، 10 ـ تشرين الأوّل 31 يوماً ، 11ـ تشرين الآخر 30 يوماً ، 12ـ كانوا الأوّل 31 يوماً .
وفي سورية ولبنان وفلسطين ومصر وغيرها بأسماء غربية ، ومبدأ السنة هو ميلاد المسيح ، وهكذا في الهند وباكستان .
وفي بعض البلاد جعلوا الأشهر بداية من حركة الشمس باسم الأبراج الاثنى عشر : ( الحمل 31 يوماً ، والثور 31 ، والجوزاء 32 ، والسرطان 31 ، والأسد 31 ، والسنبلة 31 ، والميزان 30 ، والعقرب 30 ، والقوس 29 ، والجدي 29 ، والدلو 30 ، والحوت 30 ) ، وأوّل السنة أوّل الاعتدال الربيعي . وكذلك غيّروا في الساعات والليل والنهار ، فوقّتوا الساعات على ساعة غرينويج وأبدلوها من الساعة الشرعية إلى الساعة البريطانية ، ومن الساعة الغروبية التي كانت بداية الليل إلى الساعة الزوالية ، كلّ هذا لربط الناس والعالم بالغرب وبالاستعمار من حيث يدري ولا يدري ، فإن كنت تدري فتلك مصيبة ، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم .
وأمّا السنة المسيحية القيصرية فهي من حيث الكبيسة كالسنة الرومية ، لكن مبدأ السنة هو أوّل يناير 754 من بناء مدينة رومة في 25 ديسمبر ، وعرف التأريخ بهذه السنة بتأريخ ژولين ، وأشهره عبارة عن : 1ـ يناير 31 يوماً ، 2ـ فبراير 28 يوماً وفي الكبيسة 29 يوماً ، 3ـ مارس 31 يوماً ، 4ـ أبريل 30 يوماً ، 5ـ مايو 31 يوماً ، 6ـ يونيو 30 يوماً ، 7ـ يوليو 31 يوماً ، 8ـ أغسطس 31 يوماً ، 9 ـ سبتمبر 30 يوماً ، 9ـ اكتوبر 31 يوماً ، 11ـ نوفمبر 30 يوماً ، 12ـ ديسمبر 31 يوماً .
والاختلاف مع الأشهر الرومية في الأسماء ، فإنّ يناير الذي هو بين الشهر الأوّل والثاني من الشتاء يطابق كانون الثاني ، وفبراير هو شباط ، وهكذا .
ولمّـا اختلفت السنة الشمسية الحقيقية مع السنة الشمسية ژولين ، رجع التأريخ في ( 120 سنة ) يوماً واحداً إلى الوراء ، فالبابا غريغوري بمساعدة المنجّم الإيطالي ليليو ، صحّح ذلك بأخذ كبيسة ثانية كلّ أربعمائة سنة ، ينقصون ثلاثة أيام ، ففي رأس كلّ مائة سنة كانت الكبيسة ، فلم يأخذوها في ثلاثمائة سنة وفي رأس الأربعمائة يأخذون الكبيسة ، وهكذا ففي زمن غريغوري رجع التأريخ عشرة أيام وكان ( 5 ) اكتوبر فبأمره جعلوا ذلك التأريخ ( 15 ) اكتوبر ، فاشتهر تأريخ جديد من ذلك الزمن باسم التأريخ المسيحي الغريغوري ونسخ تأريخ ژولين ، واليوم تأريخ المسيحيين يحاسب على التأريخ الغريغوري .
وهناك تأريخ شمسي ملكشاهي وشمسي يزدگردي وشمسى باستاني عند الفرس ، وفيها الكبائس ، وكذلك في الشهور القمرية النجومية دون القمرية الشرعية الموافقة لطبيعة الإنسان وفطرته ، يستوي فيها العالم والجاهل ، والفلكي وغيره ، والقروي والمدني ، والشرقي والغربي ، منذ بدء الخليقة كما في قوله تعالى : ( إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ ا ثْنَا عَشَرَ شَهْراً ) .
وليس في الشهور القمرية الشرعية ممّـا يوجب الاختلاف كما في الشهور الشمسية التي تعتمد على الرصد وتعيين نقطة الاعتدال الربيعي أو الخريفي ، كما لا حاجة إلى التقاويم المجعولة بيد البشر القابلة للخلط والغلط والاشتباه والاختلاف ، والشهور القمرية من الدين القيّم المستحكم كما في قوله تعالى : ( ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ ) .
ولمثل هذا يقول أمين الإسلام الشيخ الطبرسي في كتابه القيّم ( تفسير مجمع البيان )(13) في ذيل الآية الشريفة ( إنّ عدّة الشهور ) : « وفي هذه الآية دلالة على أنّ الاعتبار في السنين بالشهور القمرية ، لا بالشمسية ، والأحكام الشرعية معلّقة بها ، وذلك لما علم الله سبحانه وتعالى فيه من المصلحة ، ولسهولة معرفة ذلك على الخاصّ والعامّ » .
ويقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) : « بعثت على شريعة سمحة سهلة » .
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة ، وحرام محمّد حرام إلى يوم القيامة »(14) .
ـــــــــــ
(2) التوبة : 36 .
(3) التوبة : 37 .
(4) تفسير الدرّ المنثور 3 : 234 .
(5) أبدل شاه إيران البهلوي المقبور السنة الشمسية الهجرية إلى شاهنشاهية باعتبار الامبراطورية الفارسية التي ترجع إلى زمن كورش ، أي قبل ( 2500 ) سنة .
(6) التوبة : 36 .
(7) يس : 39
(8) يونس : 5 .
(9) البقرة : 189 .
(0[1]) السيرة الحلبية 3 : 289 .
(1[1]) آل عمران : 103 .
(2[1]) والستّة أشهر الاُولى كلّ شهر 31 يوماً ، وخمسة من الثانية 30 يوماً ، والشهر الأخير 29 يوماً وفي كلّ أربع سنوات 30 يوماً وهو سنة الكبيسة الاُولى ، والكبيسة الثانية في كلّ 23 سنة تجعل الكبيسة في السنة الخامسة .
(3[1]) تفسير مجمع البيان 3 : 28 .
(4[1]) رسالة نوين .
--------------------------------------
المصدر:مركز آل البيت عليهم السلام للمعلومات
اكثر قراءة