akdak

المقالات

القسم الاجتماعي

صفات القاضي‏

203

الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

ذُكرت في المصادر الإسلامية شروط صعبة للقاضي لعلّنا لا نجدها في أي مدرسة ودين آخرين ، وإن اختلف في عددها علماء الإسلام وفقهاء الشيعة والسنّة.

ولمّا لم يكن هذا الكتاب كتاباً فقهياً استدلالياً ، فسنشير فقط إلى‏ المجمع عليه منها عند فقهائنا ، ثم نستعرض استعراضاً خاطفاً تلك الشروط التي وقعت محل بحث ونقاش بين العلماء والتي اعتبر البعض اشتراطها والبعض الآخر كونها أموراً كمالية في القاضي.

أمّا الشروط المتفق عليها بين فقهائنا ، وكما عبرّ عنها الفقيه الماهر صاحب الجواهر رضوان اللَّه عليه : «لا خلافَ أجِدُه فِي شي‏ء منها» ، وكما عدّها المرحوم الشهيد الثاني من موارد الاتفاق ، فهي سبعة :

1- البلوغ : فلا يقبل قضاء الصبي الذي لم يبلغ ، ولا حكومته حتى‏ لو كان يتمتع بدرجة عالية من التقوى‏ والعلم والاطلاع ، لأنّ غير البالغين غير مكلفين بالأحكام الإلهيّة ، ولذا فهم خارجون عن دائرة القوانين والأوامر الإسلامية ، وبهذا الدليل لا يعتمد على‏ قضائهم وحكومتهم.

2- كمال العقل : فلا يحق للمجنون ولا لناقص العقل ومن يفقد التعادل الروحي ، أن يجلس على‏ مسند القضاء ، ودليله واضح.

3- الإسلام والإيمان : فلا تقبل حكومة الخارج عن زمرة المسلمين ومن لم يعتقد بمباني مذهب أهل البيت عليهم السلام ودليله واضح أيضاً.

4- العدالة : وهي مرحلة عالية من التقوى‏ تمنع صاحبها من ارتكاب الكبائر والاصرار على‏ الصغائر ، والحق أنّ من لا يتمتع بمثل هذه الدرجة من التقوى‏ ، لا يُتوقع أن يقضي قضاءً صحيحاً.

5- العلم والإطلاع على‏ القوانين الإلهيّة : في موارد حقوق الناس والحدود والديات والقصاص والمعاملات ، وكذلك مقررات العدالة الإسلامية. فهل ينفذ حكم من يفقد مثل هذا الشرط (الاجتهاد المطلق أو على‏ الأقل المتجزى‏ء) أو غير المجتهد المطلع على‏ كل المسائل الحقوقية ومقررات العدالة الإسلامية؟ فيه بحث ونقاش بين العلماء والفقهاء ، وإن كان المشهور بينهم اعتبار الاجتهاد ، حتى‏ أنّ بعضهم اشترط أعلميته على‏ كل علماء مدينته ، ولكن هذا الشرط ضعيف.

وعلى‏ كل حال ، فإنّه وفي حالة عدم الحصول على‏ العدد اللازم من المجتهدين- المجتهد المطلق- فلا مناص من الاعتماد على‏ غير المجتهدين ، والمطلعين منهم على‏ كل المسائل عن طريق التقليد.

6- طهارة المولد : وبعبارة أخرى‏ ولد الحلال ، لأنّ ولد الحرام وإن لم يكن له ذنب في كونه ولد حرام ، إلّا أنّه غير مقبول في المجتمع الإسلامي ، فلا تكون كلمته نافذة ، ولا شك في ضرورة نفوذ كلمة القاضي وقبولها- مضافاً إلى‏ ذلك ، فإنّ احتمال الانحراف والذنب في مثل هذا الإنسان أكثر من احتمالهما في غيره وإن لم يكن مجبوراً على‏ الذنب والانحراف ، (لاحظوا ذلك بدقة).

7- الذكورة : المشهور والمعروف بين علماء الإسلام أنّ القاضي لابُدَّ أن يكون رجلًا ، وإن خالف وترددّ بعض فقهاء العامة كأبي حنيفة في هذا الحكم‏ (1).

ومن الواضح أن سيطرة العواطف والاحاسيس عند المرأة لا يسمحان لها بالقيام بوظيفة فيها شدّة وصرامة كمسألة القضاء والحكومة ، مضافاً إلى‏ أنّ هذا الموضوع مورد اتفاق وإجماع علماء الشيعة.

وهنا ثلاثة شروط وقع البحث في شرطيتها بين العلماء :

8- الحرّية (وعليه لا يمكن أن يكون العبد قاضياً) ولكن الكثيرين لم يقبلوا هذا الشرط.

9- البصر.

10- السمع.

والواقع ، لا يوجد اي دليل على‏ اشتراط هذه الثلاثة ، وعليه فلا فرق في صلاحية القضاء عند الحر والعبد (ومن حسن الحظ أنّ موضوع الرقيّة منتفٍ في زماننا).

وأمّا في خصوص السمع والبصر ، فإنّ لم يكن القضاء في الموارد التي يحتاج فيها إلى‏ الإبصار أو إلى‏ السمع ، فلو كان القاضي أعمى‏ ولكن كان بإمكانه الاستماع والقضاء بدقّة ، أو كان أصماً ولكن كان بإمكانه النظر وقراءة ملف الدعوى‏ والقضاء بشكل صحيح ، فلا مانع من حكومته ، وإن كان الأغلب هو أنّ الأعمى‏ أو الأصمّ لا يمتلك القدرة الكافية للقضاء في كل الموارد ، وعليه تكون رعاية هذين الشرطين واجبة غالباً من باب المقدمة.

وما ذكرنا هنا من الشرائط السبعة ولزومها ، وعدم لزوم الشرائط الثلاثة الأخيرة ، كان في ‏الواقع بنحو الإشارة ، وأمّا تفصيل الكلام في ذلك فموكول إلى‏ الكتب الاستدلالية الفقهية (2).

_____________________
(1) نقل عن أبي حنيفة قبول قضاء المرأة في الأموال ، ولكن حكي عن الطبري جواز ذلك بقول مطلق. (بداية المجتهد ، ج 2 ، ص 460 ، كتاب الاقضية).
(2) يمكن في هذا المجال مراجعة من كتاب الجواهر ، ج 40 ، ص 12- 23.

سؤال وجواب