akdak

المقالات

قسم القرآن الكريم

الوحي والقرآن

499

الشيخ محمد جعفر شمس الدين

الوحي : (كلام سماوي غير مادي ، ليس للحواس الظاهرة والعقل ان تصل إليه) .

وقد ورددت في القرآن كلمة (قل) خطاباً للنبي (صلى الله عليه واله) مئات المرات ، ولقد كان الوحي هو صلة الوصل الخفية بين الله تعالى وبين رسله وأنبيائه ، فهو ظاهرة عامة متطابقة بين جميع أنبياء الله ، ان من حيث مصدرها او هدفها .

قال تعالى : {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 163، 164].

وكان يهبط بذلك الوحي جبرئيل (عليه السلام) الذي يلقب بأمين الوحي ، وقد صرّح القرآن الكريم بكونه مبلّغ وحي الله الى رسوله (صلى الله عليه واله) كما الأنبياء السابقين ، ووصفه بأنه رسول كريم ذو قوة ومكين وأمين وذلك في قوله تعالى : {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 19 - 21].

ووصفه سبحانه بالروح الأمين في قوله سبحانه : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: 193، 194].

وفي آية أخرى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ } [الشورى: 52].

وقال تعالى مخاطباً نبيه (صلى الله عليه واله) : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [البقرة: 97].

وقد استفاد العلامة الطباطبائي (1) من قوله تعالى : {.عَلَى قَلْبِكَ}  في الموارد التي وردت فيها خلال الحكاية عن الوحي ، أن النبي (صلى الله عليه واله) كان يلتقي الوحي من ذلك الملك بأعماق وجوده لا بأذنه وبقية حواسه ، آيات كقوله تعالى : {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ } [الأحزاب: 10] أي الأرواح .

وقوله تعالى : { فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] أي نفسه إذ لا معنى لنسبة الاثم الى العضو الخاص وهو القلب .

فهذه الآيات – وغيرها كثير – تدل كلها بوضوح ، على أن هذا القران المجيد إنما هو من عند الله لفظاً ومعنى ، وهو كتابه المنزل على نبيه المرسل ، بلغه أمين الوحي جبرئيل (عليه السلام) كما حمله عن الله ، وتلقاه النبي كذلك وبلغه للأمة من دون أن يضيف اليه شيئاً من عنده ، أو يحذف منه شيئاً .

والذي يزيد بالتأكيد بأن القران هو من عند الله ، وأنه ليس لأي من البشر أية دخالة في صنعه –حتى النبي نفسه- آيات كثيرة فيه ، فيها كل التحدي ، منها قوله تعالى : {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88].

ومنها قوله تعالى : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] .

كما يؤكد ذلك كلمة (قل) خطابا للنبي (صلى الله عليه واله) التي وردت في عشرات المواقع من كتاب الله ، والتي تشير بوضوح الى حقيقة أن النبي (صلى الله عليه واله) إنما كان مجرد مستمع مبلغ لآيات الله ، وليس صانعاً معتبراً عما صنع . وهي صريحة بوجود متكلم هو الله ، ومخاطب هو النبي ، وبوجود منزل ملقٍ للوحي ومنزل عليه متلق له .

وعندما نعود الى التدقيق فيما أثر عن رسول الله (صلى الله عليه واله) من خطب ومواعظ وكلمات صدرت عنه طيلة حياته المباركة ، نجد أنه كان ذا أسلوب لا يشابه الأسلوب القرآني بإجماع العلماء والنقاد والباحثين من المسلمين وغير المسلمين .

على أن قوله تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ } [الواقعة: 77، 78](2)  يدل : على أن هذا القرآن إنما انزل الى الارض من أصل مكتوب محفوظ عند الله سبحانه قبل كتابته على الأرض بالحروف والألفاظ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- راجع تفسير الميزان ، 15/316 وما بعدها .

2- سورة الواقعة ، الآيتان : 7 و 78 . ومكنون : أي مرعي مصون . والكتاب المكنون : هو اللوح المحفوظ عند الله سبحانه .